برنامج “القرى الصحية” يتجاوز حدود “المفهوم “البيولوجي” إلى الصحة العامة
“البعث الأسبوعية” ــ حياه عيسى
أطلقت وزارة الصحة برنامج القرى الصحية وذلك في سياق الارتقاء إلى مرحلة “المجتمع الصحي”، وتجاوز المفهوم البيولوجي المحدود للوصول إلى صحة مكونات المجتمع كافة، أفراداً وجماعات وعلاقات اجتماعية وتنظيمات رسمية ومؤسسات، للتمكن بالتالي من المشاركة في عملية التنمية بحيث يكون “الجميع للتنمية والتنمية للجميع”.
مديرة دائرة القرى الصحية في وزارة الصحة الدكتورة غمار إسماعيل بينت في حديث لـ “البعث الأسبوعية” أن البرنامج يهدف إلى تقوية وتأهيل أفراد المجتمع لإنجاز احتياجاتهم وفق الأولويات بما يحقق متطلبات الصحة والتنمية، بحيث يصبح أفراد المجتمع عاملين فعليين، والعاملون في الجهات العامة ميسرين وداعمين، علما أن القرية الصحية هي القرية التي تكون كل مكوناتها صحية (أفراداً – بيئة – تنظيمات رسمية – مؤسسات – مزارع – حظائر – مدارس – عادات – تقاليد – أخباراً ومعلومات)، وتستطيع أن تحافظ على هذه الحالة بثبات.
كما أشارت إسماعيل إلى أن أهداف البرنامج، المتمثلة بإحداث تنمية اجتماعية اقتصادية شاملة، تعتمد بشكل أساسي على مشاركة المواطنين، وتعزيز الإنجازات الصحية، إضافة إلى بناء مؤسسات مجتمع فاعلة يمكنها القيام بكل أعباء العمل التنموي بصفة مستدامة، والمساهمة في جعل المجتمعات تعيش في جو يسوده الوئام والتناغم، إضافة إلى تحقيق متطلبات التنمية الأساسية، والمشاركة الفاعلة للمجتمع المحلي التي تعتبر شرطاً أساسياً لتنفيذ سياسات واستراتيجيات صحية تتميز بالاقتدار والكفاءة وخاصة في ظل إعادة الإعمار.
كما تطرقت مديرة دائرة القرى الصحية إلى مبادئ العمل في البرنامج كالمشاركة المجتمعية بحيث تكون التنظيمات المجتمعية المحدثة هي المسؤولة عن تنفيذ البرنامج بعد تدريبها على تحقيق الأهداف، بالتزامن مع إيضاح آلية تنفيذ العمل في البرنامج ضمن عدة معايير أهمها التركيز على القرى التي تحتاج تحسين أوضاعها الصحية والعامة، ولديها الإمكانيات والظروف الأفضل لنجاح البرنامج واستمراريته، وأن يكون عدد السكان بين 1500 و3000 نسمة، كي يسهل التعامل مع مشكلاتها، وتأمين احتياجاتها الأساسية، وقيادتها بنجاح من قبل لجنة تنمية القرية، وأن يسود فيها الانسجام والسلام الاجتماعي، إضافة إلى سهولة الوصول إليها بوسائط النقل المتوفرة، وأن يعبر سكانها بوضوح وقناعة عن رغبتهم بتطوير قريتهم والعمل والتعاون لتحقيق ذلك، وتوفر موارد مناسبة (مادية وبشرية) يمكن الاستفادة منها في عملية تطوير القرية، مع الإشارة إلى ضرورة وجود عناصر قيادية نشيطة وذات تأثير في المجتمع ومتحمسة للبرنامج، وأن تتوفر في القرى الحد الأدنى من المؤسسات الخدمية (مدرسة – وحدة صحية.. إلخ)، وموافقة السلطات ذات العلاقة على اختيار القرية لتأمين الدعم اللازم لها مستقبلاً.
أما بالنسبة لآلية تنفيذ البرنامج فقد بينت إسماعيل أنها تتم عبر ثلاث خطوات: أولها تحديد المشكلات والأولويات في القرية من قبل السكان أنفسهم، وثانيها تحديد دور المجتمع والدولة في إنجاز هذه الأولويات بمشاركة كافة القطاعات العامة، وثالثها تقسيم الأنشطة والمشاريع التي تحقق كل أولوية إلى عدة مراحل أو أقسام بحيث يقوم مجتمع القرية بتنفيذ بعض هذه المراحل بإمكاناته الذاتية، والبعض الآخر ينفذ من قبل الدولة كاملاً.
وكشفت إسماعيل في حديثها عن التحديات والصعوبات التي تواجه عمل البرنامج كخروج عدد كبير من القرى الصحية عن العمل في مكونات البرنامج بسبب ظروف الحرب، وعدم وجود الدعم المادي واللوجستي الذي يتيح فرصة العودة للعمل بالآلية التي يعمل بها البرنامج سابقا وتفعيل القرى الراغبة بالعمل، إضافة إلى اقتصار عمل البرنامج على مشروع رعاية الوليد في المنزل وبرنامج مكافحة التدخين، وبرنامج حماية الطفل بالاعتماد على متطوعات المجتمع المحلي.
يشار إلى أن وزارة الصحة تبنَّت تنفيذ برنامج القرى الصحية مطلع عام 1996 في خمس قرى ضمن ثلاث محافظات كمرحلة تجريبية بهدف تعزيز تطبيق برامج الرعاية الصحية الأولية في المناطق الريفية دعماً للجهود الرامية لبلوغ هدف الصحة للجميع، وبدأ بعد ذلك بالتوسُّع تدريجياً إثر النجاح الذي حققته قرى المرحلة الأولى ليعمم على كل محافظات القطر.
وبلغ مجموع القرى الصحية 352 قرية في نهاية عام 2003 بعدد سكان قرابة 1.200.000 نسمة، في حين بلغ عدد القرى الصحية 513 قرية صحية في عام 2010، وعدد السكان حوالي 3 مليون نسمة، ونتيجة الحرب على سورية خرج عدد من القرى الصحية عن إطار عمل البرنامج ليبقى 214 قرية فقط، وهناك بعض القرى تطلب العودة للعمل في البرنامج من جديد.