ترامب محظوراً على وسائل التواصل الاجتماعي.. ولادة الأوليغارشية الرقمية!!
“البعث الأسبوعية” ــ تقارير
في 6 كانون الثاني، وسط السجال حول اقتحام مبنى الكابيتول على تويتر، تراكم وابل من الآراء على جانب واحد من الطيف السياسي الأمريكي. كان الغضب إزاء ما وصفه النقد “السائد”، “المهيمن”، “المسيطر”، بتدنيس رمز الديمقراطية، وما شابه ذلك في سياق الخطاب الليبرالي الجريح، أكثر انتشاراً بكثير من ميل المعسكر المعارض للوقوف إلى جانب ما يسمى “العصيان”، أو التغريدات المعدة مسبقاً الداعمة لانقلاب وسائل التواصل الاجتماعي.
بدأت الأدلة على التواطؤ المباشر بين عناصر إنفاذ القانون والموالين لترامب الذين اقتحموا مبنى الكونغرس في الظهور طوال فترة المساء، ما أعطى قدراً من المصداقية للرواية الناشئة عن محاولة “انقلاب” مزعومة من قبل الرئيس الحالي. في الوقت نفسه، بدأ أعضاء الكونغرس، الذين لهم متابعوهم الكثيرون على تويتر، يطالبون بالمساءلة وإجراءات انتقامية إضافية ضد زملائهم من أعضاء الكونغرس الذين بدا أنهم متورطون في عملية الاقتحام.
بعد يومين من استمرار التوترات بين قاعدة مستخدميها الأكثر صخباً، نفذت منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة ذات الميول “الديموقراطية” انقلاباً خاصاً بها من خلال حظر حساب دونالد ترامب على تويتر بشكل دائم، “بسبب مخاطر حدوث مزيد من التحريض على العنف”، وشرعت في تنفيذ عملية “تطهير جماعي” لـ 70 ألف حساب، وبما يتعارض مع قواعدها المعدلة التي تستهدف السلوك “المتطرف”.
وسائل إعلام داعمة للحزب الديموقراطي احتفت بالحظر وشرعت تعرض بالتفصيل، وبمختلف الأساليب، المبررات التي ساقت تويتر إلى تصرفاته، وتلك الخاصة بشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، على أنها “استجابة يائسة لموقف يائس”، مستهينة بشكل غير لائق بأي مقارنات مع عمليات التطهير التي مارستها الأنظمة التوتاليتارية، مع الاستشهاد بـ “الحقائق على الأرض” كذريعة “مشروعة” لعمليات الإزالة الافتراضية.
وكما هو متوقع، فقد شجبت الميديا المحافظة، مثل فوكس نيوز، تلك الإجراءات باعتبارها استيلاء على السلطة من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى، كما جاءت الاحتجاجات بعيداً من أوروبا، حيث وصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل – التي لم يكن ازدراؤها لدونالد ترامب سراً – قرار حظر رئيس دولة بأنه “إشكالي”، وهو رأي شاركها فيه وزير المالية الفرنسي برونو لو ماري، الذي حذر من “الأوليغارشية الرقمية” التي تغتصب سلطات الدولة.
ما غاب عن الحوار المتبادل بين الفصائل الأيديولوجية، وغاب عن الحجة القائلة بأنها شركات خاصة، لديها السلطة القانونية لحظر، أو شطب، أي شخص غير مرغوب فيه، هو حقيقة أن تويتر وفيسبوك، وجميع الشركات الكبرى الأخرى لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي، إنما هي أجهزة تابعة للدولة الأمريكية قبل كل شيء، وما من شيء تقوم به خارج التصاميم النهائية للسلطات التي تخدمها.
تكثر الأمثلة على كيفية مشاركة هذه المنصات بانتظام في مهام الاستطلاع السيبراني للمصالح الأمريكية والأطلسية، في انتهاك صريح لشروط الخدمة الخاصة بها، كما حدث عندما استخدم قادة الناتو الإحداثيات التي يوفرها مستخدمو تويتر لتحديد أهداف الهجمات الصاروخية خلال حربهم ضد ليبيا، عام 2011؛ كما واجه فيسبوك، وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، انتقادات حادة لفرضهم رقابة على الفلسطينيين تحت ستار محاربة خطاب الكراهية. وهنا يتعين علينا أن نتذكر جيداً أن مجلس الرقابة، الذي تم إنشاؤه مؤخراً على فيسبوك، يضم إيمي بالمور، التي كانت مسؤولة بشكل مباشر عن إزالة آلاف المنشورات الفلسطينية من عملاق وسائل التواصل الاجتماعي، خلال فترة عملها مديرة لوزارة “العدل” الإسرائيلية؛ وبالمور، إلى جانب آخرين يتعاطفون بشكل واضح مع المصالح الأمريكية، تجلس الآن في هيئة رسمية مكلفة بإصدار الكلمة الأخيرة في أي نزاع يتعلق بقضايا “الإنزال عن المنصة” (أي الحظر) على الشبكة الاجتماعية العالمية.
في كتابه “وادي المراقبة” Surveillance Valley، يشير ياشا ليفين إلى الجذور العسكرية للإنترنت والعلاقة الوثيقة لشركات التواصل الاجتماعي بتطبيق القانون الفيدرالي والمحلي. ومنذ إنشائهما، عمل كل من تويتر وفيسبوك، وغيرهما من شركات وادي السيليكون العملاقة، جنباً إلى جنب، مع هيئات تطبيق القانون لزيادة قدرتها على التتبع والمراقبة الجماعية. وابتدءاً بتقنيات التعرف على الوجه إلى سجل منشورات المستخدم المجمعة، كانت هاتان المنظومتان الأساسيتان مكوناً حاسماً في تنمية وتطوير واقع المراقبة الواسعة التي نعيش فيها الآن. ومنذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، عندما تم استخدام الإنترنت الأولى (ARPANET) للتجسس على المتظاهرين المناهضين للحرب، لم تنحرف الآلية الضخمة التي تشكل نظامنا البيئي التكنولوجي الحالي عن النوايا الأصلية لمنشئيها، ووصلت إلى مستوى من التطور بالكاد نستطيع فهمه.
والوافع، فإن أحد أكبر المفاهيم الخاطئة الرائجة حول وسائل التواصل الاجتماعي هي أن منصات مثل تويتر وفيسبوك تمثل صوت الناس، وأن هؤلاء الناس يمثلون “الساحة العامة” الجديدة، حيث يمكن لأي منهم المشاركة والتعبير عن آرائه. وفي حين أن هذا التصور يحمل بعض الماء على السطح، فإن الفحص الدقيق يكشف – على العكس من ذلك – أن هذه المنصات هي مجرد أدوات دعائية متخفية ببراعة في شكل “صوت الشعب”.