“سيكون هذا أغلى تصويت على الإطلاق”.. هكذا رد السفير الأمريكي على اليمن!
“البعث الأسبوعية” ــ سمر سامي السمارة
لأكثر من خمس سنوات، واليمنيون يواجهون المجاعات جراء تعرضهم للحصار البحري والقصف الجوي المتواصل، وتقدر الأمم المتحدة أن 233 ألف يمني لقوا حتفهم بسبب الحرب، منهم 131 ألفاً لأسباب غير مباشرة مثل نقص الغذاء والخدمات الصحية والبنية التحتية الأساسية.
كما تسبب التدمير الممنهج للمزارع، ومصائد الأسماك، والطرق، ومحطات الصرف الصحي، والصرف الصحي ومرافق الرعاية الصحية بمزيد من المعاناة. وعلى الرغم من غنى اليمن بالموارد، لكن المجاعة لا تزال تلاحق البلاد والعباد، فبحسب تقارير الأمم المتحدة، يعاني ثلثا اليمنيين من الجوع، ولا يعرف نصفهم متى ستكون وجبتهم القادمة، كما يعاني 25% من السكان من سوء تغذية متوسط إلى شديد يشمل أكثر من مليوني طفل.
تمكّن الجيش السعودي، المجهز بسفن حربية من صناعة الولايات المتحدة، من محاصرة الموانئ الجوية والبحرية التي تعتبر حيوية لإيصال الغذاء للجزء الأكثر اكتظاظاً بالسكان في اليمن، أي المنطقة الشمالية، حيث يعيش 80% من السكان، في ظل حكومة الإنقاذ الوطني.
وتفرض التكتيكات المستخدمة للإطاحة بحكومة الإنقاذ أشد العقوبات بالمستضعفين، أولئك الذين يعانون من الفقر، والمشردين والجياع والمرضى الذين يشكل الأطفال الجزء الأكبر منهم، والذين لا ينبغي أبداً أن يحاسبوا على مواقفهم السياسية.
أطفال اليمن ليسوا “أطفالاً جائعين” فحسب، فهم يتضورون جوعاً بسبب الحرب وعمليات الحصار والهجمات بالقنابل والأسلحة المدمرة والدعم الدبلوماسي الذي تقدمه الولايات المتحدة للتحالف السعودي الذي يشن، بالإضافة إلى ذلك، هجمات جوية “انتقائية” ضد الإرهابيين “المشتبه” بهم وضد جميع المدنيين في المناطق المحيطة.
في غضون ذلك، خفضت الولايات المتحدة، كما السعودية والإمارات المتحدة، مساهماتها في الإغاثة الإنسانية، الأمر الذي يؤثر بشدة على قدرة المانحين الدوليين على التكيف. وطوال أشهر، دأبت الولايات المتحدة على التهديد بتصنيف اللجان الشعبية “منظمة إرهابية”، مع أن مجرد التهديد بفعل ذلك كان يتسبب بارتفاع أسعار السلع والخدمات باستمرار؛ قبل أن تقرر ذلك فعلياً قبل أيام ما يهدد بكارثة إنسانية حقيقية.
في 16 تشرين الثاني، خاطب خمسة من الرؤساء التنفيذيين، للمجموعات الإنسانية الدولية الرئيسية، وزير الخارجية الأمريكي (السابق) مايك بومبيو لحثه على عدم اتخاذ هذا القرار “التصنيف”، كما وصفت منظمات عديدة، ذات خبرة واسعة في العمل في اليمن الآثار الكارثية التي ستنجم جراء هذا التصنيف، فيما يتعلق بإيصال الإغاثة الإنسانية؛ ومع ذلك، أعلن بومبيو، في 10 كانون الثاني نيته المضي قدماً في هذه الخطوة، بينما وصف السناتور الديمقراطي كريس مورفي، هذا “التصنيف الإرهابي” بأنه “حُكم بالإعدام” على الآلاف من اليمنيين. وأشار إلى أن 90% من المواد الغذائية مستوردة، وحتى الإعفاءات الممنوحة لن تسمح بالواردات التجارية، ما يؤدي بشكل أساسي إلى قطع المؤن وغيرها من المواد الأساسية عن البلد بأكمله”.
في 13 كانون الثاني، أشارت الصحفية إيونا كريج إلى أن عملية شطب “منظمة إرهابية أجنبية” – إزالتها من قائمة الحكومة – لن تتحقق أبداً في إطار زمني أقل من عامين، وفي حال تم التصنيف، فقد يستغرق الأمر عامين لعكس الحزمة المرعبة من الآثار المترتبة على هذا التصنيف.
العقوبات والحصار حرب مدمرة، إذ يُستغل التجويع كسلاح من أسلحة الحرب، ففي الفترة التي سبقت غزو “الصدمة والرعب” للعراق، عام 2003، أدى إمعان الولايات المتحدة في فرض العقوبات الاقتصادية إلى معاقبة الأشخاص الأكثر ضعفاً في العراق، فقد لقي مئات الآلاف من الأطفال حتفهم بطرق مؤلمة، بحرمانهم من الأدوية والرعاية الصحية الكافية. وخلال تلك السنوات، خلقت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بالتعاون مع وسائل الإعلام بشكل أساسي، الانطباع بأنها كانت تحاول معاقبة صدام حسين فقط. لكن الرسالة التي أرسلتها إلى الهيئات الحكومية في جميع أنحاء العالم كانت واضحة، لا لبس فيها: إذا لم تقم بإخضاع بلدك لخدمة مصلحتنا الوطنية، فسوف نقتل أطفالك!!
لم تصل هذه الرسالة إلى اليمن، فعندما طلبت الولايات المتحدة موافقة الأمم المتحدة على حربها ضد العراق عام 1991، كان اليمن يشغل مقعداً مؤقتاً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. المثير للدهشة، أنه صوت آنذاك ضد إرادة العم سام الذي كانت حروبه تحوم حول الشرق الأوسط بأكمله.. “سيكون هذا أغلى تصويت بـ” لا “ستدلي به على الإطلاق”، كان رد السفير الأمريكي على اليمن آنذاك.
اليوم، يتعرض الأطفال في اليمن للتجويع من قبل الملوك والرؤساء الذين يتواطؤون للسيطرة على الأرض والموارد. وعلى الرغم من أن “اللجان الشعبية لا تشكل أي تهديد على الإطلاق للولايات المتحدة أو للمواطنين الأمريكيين”، إلا أن ترامب وبومبيو أصدرا هذا التصنيف لأن حلفاء الولايات المتحدة في السعودية وإسرائيل يريدونه كجزء من حملتهم العدوانية ضد إيران”.
الأطفال ليسوا إرهابيين، لكن ذبح الأبرياء هو الإرهاب بعينه. لغاية 19 كانون الثاني، وقعت 268 منظمة دولية على بيان يطالب بإنهاء الحرب على اليمن، كما ستقام فعاليات “العالم يقول لا للحرب ضد اليمن” في جميع أنحاء العالم.
في اليمن، يمكن للولايات المتحدة – من خلال حلفائها الإقليميين – أن تقتل مئات الآلاف، حيث لا يستطيع أطفال اليمن حماية أنفسهم. وهم في الحالات المؤلمة الناتجة عن سوء التغذية الحاد، يكونون غير قادرين حتى على البكاء.