مجلة البعث الأسبوعية

بعد قمع انقلاب 2016.. أردوغان يدخل الجامعات لقمع الحركة الثقافية

“البعث الأسبوعية” ــ علاء العطار

أصبحت بيزا بولداغ، الطالبة في جامعة معمار سنان للفنون الجميلة في اسطنبول، عاشر طالبة تُسجن بسبب المظاهرات بعد مداهمة منزلها في 7 شباط بالقرب من مدينة إزمير الساحلية. زعمت سلطات حزب العدالة والتنمية التركي أن جريمتها هي إدارة حساب على تويتر باسم “تضامن بوغازيجي”، والذي نشر فيه رسالة مفتوحة إلى الطاغية التركي رجب طيب أردوغان تعهد بعدم الرضوخ لضغوط نظامه، وجاء فيها: “لا تخلط بيننا وبين من يطيعك دون قيد أو شرط، أنت لست سلطاناً ولا نحن رعاياك”.

وادعى ممثلو النيابة أن بولداغ أهانت أردوغان وحرضت على “الكراهية” و”ارتكاب جرائم”. وتستند الأدلة التي تدين بولداغ إلى رقم هاتفها المحمول المرتبط بحساب تويتر المسيء، وينتهي كلاهما بالرقمين نفسهما، لكن بولداغ نفت جميع التهم الموجهة إليها.

طالب الطلاب في بوغازيجي منذ 4 كانون الثاني باستقالة رئيس الجامعة مليح بولو، المعين من قبل أردوغان، والمرشح البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية، والمعروف بأنه سارق للأعمال الأدبية. وانضم أعضاء الهيئة التدريسية إلى النضال من أجل إنكار شرعية وجود بولو، ويقولون إن تعيينه هو جزء من جهود دؤوبة لقمع الحريات الأكاديمية، وإنه يتحدى تقاليد الجامعة في اختيار رئيسها، إذ ألغي هذا الحق عملياً نتيجة عدد كبير من مراسيم الطوارئ التي أصدرها النظام التركي في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة، في كانون الثاني عام 2016. ومنذ ذلك الحين، اختار أردوغان رؤساء أكثر من 20 جامعة، وعين أحد عشر رئيساً منهم في الأسبوع الماضي وحده.

لكن معارضة بوغازيجي كانت شرسة، واشتدت حدة الاحتجاجات في الأول من شباط الجاري عندما فرقت قوات الأمن مظاهرات في الجامعة نظمت رداً على اعتقال طالبين، واعتقل 150 طالباً آخر. وأثارت صور رجال الشرطة وهم يضربون الطلاب بالهراوات والغاز المسيل للدموع جولة جديدة من الاحتجاجات امتدت إلى العاصمة أنقرة والعديد من المدن الأخرى.

انتهز أردوغان هذه اللحظة بسرعة لتحويل الاحتجاجات إلى حرب ثقافية جديدة تؤلب من أسماهم “الإرهابيين” و”المخربين” على قاعدته المحافظة. وقال أردوغان في خطاب وجهه إلى جناح الشباب في حزبه: “أنتم لستم من يرتكب أعمال تخريب، بل أنتم من يصلحون المفطورة قلوبهم”.  وصب الجدل الدائر بين الغرب والنظام التركي عن “المثليين” في مصلحة أردوغان، إذ إنه صرف انتباه الشارع التركي عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وعزز رواية النظام بشأن التدخل الأجنبي، كما وجه رجل العصابات التركي البارز ألاتين كاكيتشي، الذي تربطه علاقات وثيقة بحلفاء أردوغان القوميين المتطرفين في حزب “الحركة القومية”، إلى بولو رسالة مكتوبة بخط اليد على تويتر يوم 7 شباط، طالب فيها بولو بعدم الاستقالة من بوغازيجي، حيث تنظم القوى الغربية “أعمالاً استفزازية”، فسخر من هذا القول حساب على تويتر باسم “هاس أفارت”، إذ قال: “يا له من صوت ينم عن الثقة. عشرات الأكاديميين، وعدد لا يحصى من الطلاب في الجامعة لا يريدونك، لكن زعيم المافيا يعتقد أنك مناسب للوظيفة”.

تعد هذه الاحتجاجات الأكبر منذ مظاهرات غيزي التي اجتاحت تركيا في صيف عام 2013. وكانت أيضاً نتاجاً لرفض أردوغان المتغطرس مراعاة المشاعر الشعبية، في هذه الحالة بسبب خطط النظام الجائر لبناء مركز تجاري في حديقة غيزي، وهي منطقة خضراء نادرة تشغل مساحة في قلب اسطنبول. وقُتل 22 شخصاً وأصيب 8000 آخرون بجروح فيما وصفته النظام بأنه مؤامرة حاكها الغرب للإطاحة بأردوغان، حليف الغرب. وتتواصل الدعاوى الجنائية ضد الجناة المزعومين، ومعظمهم من الأكاديميين ونشطاء حقوق الإنسان.

ويقول محللون إن أردوغان حريص على استخلاص أوجه تشابه بين أحداث غيزي والاضطرابات في جامعة بوغازيجي في محاولة لتشويههما كليهما بإلصاق تهم المؤامرة بهما. قال إدغار سار، الشريك المؤسس لمؤسسة استانبول، وهي مؤسسة فكرية مستقلة: “لطالما كانت هذه الاستقطابات مفيدة وعملية للسيد أردوغان لأنها ساعدته حتى الآن على تحقيق أغلبية لصالحه”.

ولكن في ظل حالة الركود التي يمر بها الاقتصاد، والانتقادات المتزايدة التي يواجهها النظام التركي بشأن تعامله مع جائحة كوفيد-19، فقد لا يكون هذا التكتيك مفيداً. علاوة على ذلك، قال سار إن التظاهرات الحالية “تستند في الغالب إلى قضية واحدة، وقد تطورت احتجاجات غيزي بسرعة لتصبح منصة للعديد من المظالم الأخرى”. وأضاف: “من الواضح أن [النظام] يرى هذا أنه صراع سلبي محصلته صفر لا يمكنهم تحمل خسارته، لأنهم يعتبرون أي خسارة مؤشراً واضحاً على ضعفهم، وبالتالي بداية خسائر أخرى”.

وقال أيكان إردمير، الذي يرأس برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة فكرية في واشنطن: “إن الرئيس التركي قلق بشكل خاص من أن الشباب العلماني والمتدين في تركيا قد نجح في إيجاد أرضية مشتركة في معارضة حكمه التعسفي المتزايد”. وكان إردمير يلمح إلى مشاركة طلاب بوغازيجي المتدينين في الاحتجاجات، ومن بينهم بلقيس صايين، طالبة علم نفس تبلغ من العمر 20 عاماً.

قالت صايين: “الإيمان جزء مهم جداً من حياتي”، وأشارت أن سبب مشاركتها في الاحتجاجات كان بسبب “الطريقة اللا ديمقراطية” التي عين بها رئيس الجامعة. وأضافت: “كنت في الثانية من عمري عندما وصل أردوغان إلى السلطة. أريد أن أكون جزءاً من التغيير الإيجابي. هناك طلاب أتقياء كثيرون يفكرون مثلي. وإن عدد الناخبين الشباب في ازدياد”. وتنحدر صايين من عائلة من أنصار حزب العدالة والتنمية، لكنها صوتت لصالح حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي العلماني عندما أدلت بصوتها لأول مرة في الانتخابات البرلمانية لعام 2018، على حد قولها.

وأشار إردمير إلى أن أردوغان “سيسارع إلى تجريم طيف كامل من المحتجين، لاحتواء هذا التهديد،  ولسوف يخيب أمله، فمن المرجح أن يكتشف أن تكتيكاته الاستقطابية أقل فاعلية في جذب الشباب المتدينين في تركيا، الذين يتحملون، كأقرانهم العلمانيين تماماً، وطأة بطالة الشباب القياسية وتراجع القوة الشرائية، ولم يعد يجذبهم “الانتصارات” الرمزية التي يقدمها الإسلام السياسي”.

هل يعني هذا أن أردوغان يواجه تهديداً حقيقياً أو فورياً لحكمه المستمر منذ 18 عاماً؟ قال سار: “ليس لدى المتظاهرين في بوغازيجي النية ولا الوسائل لتهديد النظام”. وعلى الرغم من شجاعة جميع الطلاب، فقد بدأت وسائل القمع الفظيعة بالتأثير في بعضهم، لكن من المحتمل ألا يتراجع أغلبهم بعد أن كابدوا الأمرين حتى يحققوا ما يصبون إليه.