على مسرح الزواج الثاني.. بحث عن الأمان الأسري أم تخل عن المسؤوليات؟!
لم تكن الحالة الوحيدة التي سمعنا عنها، لكنها الوحيدة التي عشنا تفاصيلها يوماً تلو الآخر، إذ لم يكن اختيار هديل للزواج مرة ثانية مبنياً على رغبتها بالزواج، وبث الروح في أسرتها الصغيرة بعد أن فقدت زوجها في الحرب، لكن غياب الأهل، وعدم وجود أي معيل لها في البلد، وعدم القدرة على الاستمرار بدفع نفقات أطفالها، كل ذلك جعلها تختار الزواج مرة ثانية من رجل يكبرها بعشرين عاماً، لكنه قادر على تحمّل أعباء أبنائها، ومع خطواتها الثقيلة للمغامرة بهذا الزواج، وخجلها من الوسط الاجتماعي، وهمسات الناس التي لم ترحمها، استطاعت هديل كسر حاجز الزواج الثاني للمرأة التي لم تجد أيادي تساندها في أيام مصابها، لكنها وجدت أيادي تشير إليها كامرأة ارتكبت المعصية، وخالفت العادات والتقاليد بهذا الزواج.
نكران الوفاء
وعلى الرغم من أن مجتمعنا مازال غير قادر على التسليم بفكرة الزواج الثاني للمرأة، إلا أن القصص التي سمعناها خلال سنوات الأزمة لنساء اتخذن قرار الزواج الثاني بعد استشهاد أزواجهن، أو سفرهم خارج البلاد، والتخلي عنهن أو طلاقهن، كانت كثيرة، إذ لم يعد الزواج الثاني للمرأة من المحظورات التي كانت عند الأجيال السابقة، بعد أن فقدت الكثيرات أزواجهن خلال السنوات العشر الأخيرة وهن مازلن في مقتبل العمر، خاصة ممن لديهن أطفال وغير قادرات على تربيتهم في ظل غياب المعيل، لكن الإقدام على هذه الخطوة مازال يشهد الكثير من الانتقادات التي تبدأ بنكران المرأة لزوجها الأول، وعدم الوفاء، وعدم قدرتها على التضحية أسوة بباقي النساء من الأجيال السابقة ممن امتنعن عن الزواج بعد فقدان أزواجهن، وفضّلن تربية أبنائهن دون وجود رجل لن يعوّض فقدان الأب، متجاهلين ومتناسين أن الوضع المعيشي والظروف المحيطة بالمرأة اليوم ليست كالسابق، وأن المرأة المطلقة أو الأرملة كالرجل المطلق والأرمل تحتاج إلى من تتكىء عليه وتُكمل معه مشوار حياتها.
تناقضات
تتناقض الدراسات التي تناولت هذا الموضوع بين الإيجاب والسلب، إذ أظهرت عدد من الإحصائيات الحديثة المهتمة بالزواج الثاني للمرأة بعد الطلاق أن 70٪ من السيدات اللواتي تزوجن بعد انفصالهن انتهى بهن الأمر إلى الطلاق في التجربة الثانية، لذا تشعر كثيرات منهن بالتوجس والخوف من فشل التجربة الثانية، في المقابل أظهرت دراسات أخرى أن الزواج الثاني أكثر نجاحاً من التجربة الأولى بعد أن يكون الرجل والمرأة قد أصبحا أكبر سناً وأكثر حكمة من السابق، فالزواج الثاني هو تجربة جديدة تتم الاستفادة خلالها من تجربة الزواج الأول في تصحيح الأخطاء التي تم الوقوع بها، وتدارك المطبات في الزواج الثاني، والحرص والحذر أكثر مخافة الفشل الذي سيكون تأثيره أكبر في المرة الثانية.
وصمة عار
لم تنكر الأستاذة في قسم “علم الاجتماع” إيمان حيدر الضغوطات التي تعانيها المرأة بشكل عام في مجتمعنا الذي ما زال، رغم كل الصيحات المنادية بحرية المرأة ومساواتها مع الرجل، يتأرجح في الكثير من القوانين والمعتقدات التي تغلب فيها كفة الرجل على المرأة دوماً، إذ مازالت مقولة “أعزب دهر ولا أرمل شهر” تنطبق على الرجل الذي يحتاج إلى شريكة حياة جديدة بعد وفاة زوجته أو حتى طلاقه كي تعتني به وبأطفاله في حال وجودهم، ذلك أن الرجل هنا يصبح “ضلعاً قاصراً” غير قادر على إدارة أمور منزله دون امرأة، أما العكس فهو غير صحيح وغير مسموح به في مجتمعنا، فالمرأة الأرملة أو المطلقة يجب أن تبقى كالصنديد شامخة وقادرة على تربية أبنائها دون رجل أو معيل أو سند يأخذ بيدها في ظل الظروف التي تصبح أكثر صعوبة يوماً بعد يوم، وللأسف مازالت الكثيرات ممن يرغبن بالزواج مرة ثانية يعانين من نظرات المجتمع، وأصابع الاتهام لهن بالخيانة وكأنهن ارتكبن الإثم، وأصبح زواجهن الثاني وصمة عار عليهن طيلة العمر.
تحدي الذات
حيدر أشارت في حديثها عن موضوع الزواج الثاني للمرأة إلى جملة من الدوافع التي تدفع المرأة لاتخاذ هذه الخطوة مرة ثانية، ولعل أبرز هذه الدوافع هو الظروف المعيشية الصعبة اليوم التي تجعل وجود الرجل أمراً ضرورياً كي يؤمن دخلاً مادياً للمنزل الذي حتى لو كانت المرأة عاملة فإن مدخولها لا يكفي لسد الاحتياجات والمتطلبات، ناهيك عن حاجتها لوجود رجل يساندها في تربية أبنائها، فالمرأة وحدها غير قادرة على ضبط أبنائها وتوجيه سلوكهم دون رجل، إذ تشير الدراسات إلى أن الأبناء ممن تربوا في كنف أمهاتهم دون وجود أب أو رجل في مواجهة المشاكل التي تواجههم يعانون من مشاكل نفسية وعاطفية، وأكثر عدوانية وانطوائية، كذلك هناك ممن يقعن في الحب مرة ثانية ليلتحقن بمسرح الحياة الزوجية من جديد، وهذا ليس بالأمر المعيب، فالمرأة كائن عاطفي تحتاج إلى العاطفة والحب والحنان أكثر من الرجل، كذلك نستطيع أن نجزم بأن أغلب الزيجات الثانية للنساء تكون لإثبات براءتهن من فشل الزواج الأول في حال كن مطلقات، وأن السبب في إخفاق الزواج يعود للرجل لا للمرأة، وبالتالي يحاولن إثبات نجاحهن وقدرتهن على إنجاح مؤسسة الزواج بمحاولة ثانية، لكن مجتمعاتنا للأسف تظلم المرأة على مستوى عدم إعطائها الحرية في تقرير طريقة حياتها، لذا لابد من إعطائها هامش حرية أوسع عند اتخاذها أي قرار يخصها، مع تقديم المشورة والنصيحة، خاصة في حال قرارها الثاني بالزواج.
ميس بركات