كورونا تهدد.. تكاليف باهظة لأولى الدورات الأولمبية المؤجلة في زمن السلام
“البعث الأسبوعية” ــ سامر الخير
تعتبر الألعاب الأولمبية أهم المحطات الرياضية في حياة أي رياضي وعاشق لها، وهي أهمية اكتسبتها منذ بدايتها على اعتبارها ملتقى يهدف لتحييد كل أنواع الصراعات حول أرجاء المعمورة، وبثّ الروح الرياضية، روح المحبة والتآخي روح الإنسانية. ومنذ انطلاقة هذه الألعاب بنسختها الحديثة عام 1896، في أثينا اليونانية – مهدها الأساسي – مرت بالعديد من الأوقات السارة والحزينة، سواء من ناحية التنظيم من ظروف أحيطت بنسخة معينة، أو مردود الرياضيين وتحطيمهم لأرقام قياسية. واليوم ونحن على بُعدِ أشهر قليلة من أولمبياد طوكيو، الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه، بَعدَ تأجيله من العام الماضي إلى 23 تموز القادم، سنستعرض أهم الأحداث التي رافقت أضخم حدث رياضي خلال القرن الماضي، ثم سنتطرق إلى التأثير السلبي لتأجيل هذه الدورة وردود الأفعال حول ذلك.
حالة مكررة
أصبح أولمبياد طوكيو بعد تأجيله أول نسخة لا تقام في موعدها بوقت السلم. فقد سبق أن ألغي الأولمبياد ثلاث مرات: الأولى في نسخة عام 1916 بالعاصمة الألمانية برلين بسبب الحرب العالمية الأولى، ومع نهاية الحرب العالمية الأولى، أقيمت نسخة عام 1920 من الأولمبياد بمدينة أنتويرب البلجيكية، وألقت نتائج الحرب بظلالها على تلك النسخة، حيث سلّط المنتصرون عقوبات قاسية على الدول المهزومة، فحرمت بذلك كل من ألمانيا والنمسا والمجر وبلغاريا وتركيا من المشاركة بهذه النسخة، وغابت ألمانيا عن الأولمبياد ثماني سنوات قبل أم تعود مجدداً عام 1928؛ وفي نسخة عام 1940، في طوكيو، بسبب اشتباكها في حرب ضد الصين فانتقل تنظيمها إلى هلسنكي فنلندا، وتم إعادة جدولتها، غير أن اندلاع الحرب العالمية الثانية حال دون تنظيم الدورة، وتم إلغاؤها رغم تأكيدات فنلندا بأنها قادرة على تنظيم الدورة بشكل جيد، وأخيراً في نسخة عام 1944 في لندن بسبب الحرب العالمية الثانية، وسنة 1948 حيث استضافت لندن الأولمبياد، ومنعت هذه المرة الرياضيين اليابانيين والألمان من المشاركة.
لكن هذا لا يعني أن باقي النسخ جرت دون مصاعب أو عقبات، فسنة 1968 استضافت مدينة مكسيكو الألعاب الأولمبية، وقبل بدايتها بعشرة أيام فقط، فتحت القوات المكسيكية النار على احتجاجات طلابية متسببة بذلك في سقوط مئات القتلى ومثيرة لاستياء العديد من الدول؛ وما بين 1964 و1988، منعت جنوب أفريقيا من المشاركة بالألعاب الأولمبية بسبب النظام العنصري القائم بها، حيث هددت العديد من الدول الأفريقية بمقاطعة الأولمبياد في حال استدعاء جنوب أفريقيا لرياضيين بيض فقط، وقاطعت العديد من الدول، خاصة الأفريقية أولمبياد 1976 في مونتريال الكندية، لعدم اتخاذ اللجنة الأولمبية الدولية قراراً بإيقاف نيوزيلندا إثر زيارة لمنتخب الرغبي إلى جنوب أفريقيا؛ وفي عام 1980، استضافت موسكو أكثر أولمبياد مثير للجدل حيث قاطعت أكثر من 60 دولة هذا الحدث العالمي بسبب الغزو السوفييتي لأفغانستان؛ وبعدها بأربع سنوات، قاد الاتحاد السوفييتي الكتلة الشرقية لمقاطعة أولمبياد 1984 في لوس أنجلوس الأمريكية.
تكلفة كبيرة
عرف أولمبياد 1948 بـ “أولمبياد التقشف”، وذلك بسبب معاناة البلد المضيف من تداعيات الحرب العالمية الثانية؛ فرغم حرص لندن على توفير سبل الراحة للمتنافسين، فقد طلب من الرياضيين توفير الأطعمة والأدوات الرياضية الخاصة بهم، كما حصل الرياضيون على أماكن إقامة مؤقتة في المدارس والمنتزهات، ورغم أن طوكيو تعيش أزمة خانقة تتشابه مع نظيرتها الإنكليزية جراء تفشي جائحة كورونا وأثارها المرعبة على الاقتصاد الياباني، لكنها لم تستطع التقشف في تحضيراتها، وإنما شهدت تكاليف هي الأعلى في جميع الدورات الأولمبية السابقة، فقد أعلنت اللجنة المنظمة للدورة أن التكلفة الإجمالية للبطولة سوف ترتفع إلى 64.1 تريليون ين ياباني (9،15 مليار دولار) بسبب تأجيلها، حيث دفع التأجيل منظمي طوكيو إلى إنفاق 294 مليار ين إضافية، من بينها 96 مليار ين مخصصة لإجراءات مكافحة فيروس كورونا، وهو أعلى من التقدير السابق البالغ 35,1 تريليون ين، والذي كشف النقاب عنه قبل أن تقرر اللجنة الأولمبية الدولية واللجنة المنظمة للدورة في آذار الماضي التأجيل.
وذكرت اللجنة الأولمبية الدولية أنها ستتحمل جزءاً من التكاليف الإضافية للتأجيل، لكنها لم تكشف عن تفاصيل حتى الآن، ويتوقع أن تكاليف تلك الإجراءات، تتضمن تكاليف إقامة البنى الأساسية للرعاية الصحية ومنها نظام إجراء الفحوص وشراء المعدات والأدوات اللازمة لجهود مكافحة انتشار الفيروس.
آراء متعاكسة
الجمهور الياباني بات يشك بضرورة إقامة أولمبياد طوكيو، وسط تضخم التكاليف والارتفاع الأخير في عدد الإصابات الجديدة بكورونا في اليابان وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فوفقاً لاستطلاع رأي أجرته هيئة الإذاعة اليابانية، قال 32% من المشاركين إنه ينبغي إلغاء الأولمبياد، في حين قال 27% منهم إنه يجب إقامتها كما هو مقرر، فيما يفضل 31% تأجيلاً آخر، في حين نفى منظمو الدورة إجراء مناقشات في شباط القادم لدراسة احتمال إلغائها، ووصف المدير العام للجنة المنظمة توشيرو موتو ما يشاع بأنه مجرد “معلومات خاطئة” لا تتعدى كونها إشاعات لا تسريبات تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي بهدف إحباط الشعب الياباني ومحبي الأولمبياد حول العالم.
وأسفرت حالة الطوارئ في العاصمة اليابانية إلى تقليص عدد الحضور في المنافسات الرياضية إلى خمسة آلاف متفرج، كما ألغيت مباراتان في المرحلة الأولى من بطولة الرغبي المحلية باكتشاف حوالي 40 حالة إيجابية في أربعة فرق.
الشعلة الأولمبية
ستبدأ الشعلة الأولمبية مسيرها نحو الملعب الوطني بالعاصمة طوكيو يوم 25 آذار المقبل من مركز تدريب كرة القدم في محافظة فوكوشيما الواقعة شمال شرق اليابان، لتغطي 859 بلدية في جميع المحافظات الــ 47 اليابانية، وذلك على مدار 121 يوماً، وكان من المفترض أن تنطلق مسيرة الشعلة الأولمبية من الموقع نفسه في 26 آذار من العام الماضي.
ويعود أصل الشعلة الأولمبية إلى الأساطير الإغريقية التي كانت تؤمن بقدسية النار، وتنسب فكرتها في العصر الحديث إلى المهندس المعماري الهولندي يان ويليس، الذي صمم برجاً لحفظ الشعلة محترقة فيه بشكل متواصل خلال الألعاب الأولمبية بأمستردام الهولندية عام 1928، ويتم إيقاد لهبها قبل سنة من انطلاق الألعاب من داخل معبد هيرا، في الموقع الأثري في جبل أولمبوس اليوناني (مكان انعقاد الألعاب الأولمبية القديمة)، وتتابع الطقوس حتى تصل إلى أول عداء ليبدأ مسار تنقلها بالتتابع نحو البلد المستضيف.
ويتناوب على حمل الشعلة شخصيات من مختلف المجالات، وكذلك رياضيون مشهورون، قبل وصولها إلى ملعب افتتاح الألعاب، حيث يقوم آخر رياضي بإيقاد الشعلة الرئيسية في الملعب. وتظل مشتعلة طوال فترة الألعاب، ويتم نقلها في البلدان المنظمة للألعاب الأولمبية بكافة الوسائل المتاحة، كالسيارات والقطارات والطائرات، وحتى عربات الخيول، كما تم نقلها عام 2000 خلال أولمبياد سيدني بواسطة غواصين تحت سطح البحر.