المياه العربية المستباحة… الوجه الآخر للصراع
د.رحيم هادي الشمخي
كاتب عراقي
من القضايا الحيوية هي قضية المياه العربية، فالماء كما هو معروف ليس مهماً للحياة فحسب، بل أنه الحياة نفسها، فبدون الماء لا ثمر ولا حياة ولا صناعة ولا تقنية، بل لا تنمية ذات معنى دون هذه المادة، التي تبدو لبعضنا أنها باقية مستمرة، لكن عند النظر إلى مصادر حياتنا في واقعنا اليوم، نجد أن ملايين من البشر في وطننا العربي يعيشون على مصدرين طبيعيين أساسيين بشكل مباشر أو غير مباشر هذان المصدران هما: النفط والماء. أما النفط فهو عنصر مؤقت وناضب، ومع ذلك تفرد له الاهتمام الأكبر، ربما لأن دخلنا منه يفوق كل مصادر الدخل الأخرى، ولكن المياه أيضاً ليس دخلنا منه بقليل، لكنه لم يزل في أدنى قائمة أولوياتنا.
تعتبر المياه العربية الوجه الآخر للصراع في المنطقة خلال السنوات الأخير من القرن الواحد والعشرين وستشهد بروز قضية المياه واستخداماتها كقضية مركزية في الصراع العربي الصهيوني، عندما قامت “إسرائيل” اللقيطة بالاستيلاء على المياه العربية مازالت تعالج مع الأسف من قبل العرب كقضية ثانوية بجانب القضية السياسية، فأطماع “إسرائيل” وخطواتها التنفيذية في هذا الاتجاه تدل دلالة لا تقبل الشك أو التأويل على أن العدو الإسرائيلي له أطماع أكثر من استيلاءه على أرض فلسطين والجولان ومزارع شبعا، فأطماعه تصل إلى التحكم في منابع الأنهار العربية ومصادر المياه، الحد الفاصل بين الحضارة وبين الشتات إضافة إلى أطماعها في نهري دجلة والفرات عن طريق شراء مياه النهرين من تركيا، التي تعمل بمشروع كبير وضخم بمد أنابيب عبر البحر إلى “إسرائيل” وما زال العمل فيه جارياً مما جعل تركيا تحرم العراق وسورية من حقها في الزراعة والصناعة ونقص الكميات التي ترد من تركيا إليها.
إن سياسة استنزاف المياه العربية ترتدي طابعاَ إيديولوجياً له علاقة بأفكار الصهيونية وربطها بالأرض، فنصف المياه التي تستهلكها “إسرائيل” اليوم تم الاستيلاء عليها وتحويلها من مصادر مياه عربية موجودة خارج حدود عام 1967 وقد تقع بعض وسائل إعلامنا العربية في خطأ واضح ومبدئي تجاه معالجة النهب الإسرائيلي للمياه العربية وتتمثل ذلك في النقل عن المصادر الإسرائيلية، لذلك من الرائج أن تلتقي عين القارئ بعبارات مثل “نقص المياه في إسرائيل” أو “حاجة إسرائيل للمياه”، وفي بعض الأوقات تعزز ذلك الادعاء بالأرقام، وقد عزز هذا القول أحد الخبراء الاقتصاديين الدوليين وهو توم ستيغر، حيث يقول في دراسة حديثة حول الموضوع: “قيمة المياه العربية التي تستولي عليها “إسرائيل” ذات طابع أيدلوجي لأن ثلثي استهلاك الماء يتجه نحو الزراعة المسقية، واقتصاديو الزراعة يعرفون جيداً أن أقل من نصف القطاع الزراعي منتج اقتصادياً والباقي غير اقتصادي، مع أن القطاع يتمتع بمساعدات تتضمن أرضاً رخيصة أو مجانية وإعفاء من الضرائب وتسهيلات مصرفية في التصدير”.
ونضيف نحن أيضاً فوق ذلك: وأيد عاملة زراعية عربية رخيصة، كما أن “إسرائيل” تستهلك من المياه خمسة أضعاف ما تستهلك الأقطار العربية المحيطة بها، وإن أحد دوافع “إسرائيل” الكبرى في الحروب منذ 1948 مروراً بحرب 1967 وحتى حرب 1982 هو الحصول على مصادر المياه بصرف النظر عن الدافع المعلن للحرب، وهكذا نجد أن نهر الأردن والذي يجري من الشمال إلى الجنوب ويصب في البحر الميت كان الهدف الأول ومن ثم تجفيف بحيرة الحولة ثم احتلال نهر بانياس وتحطيم سد المخيبة وما يسمى بسد (خالد بن الوليد) وامتدت مطامعها إلى نهر الليطاني للحصول على مائه، إضافة إلى بحيرة طبرية.
وأخيراً فإن المياه العربية المستباحة من قبل “إسرائيل” وتركيا ستظهر مشكلة نقص المياه في المستقبل في الوطن العربي، وبدون وفرة المياه لا يمكن أن نحلم بتنمية حقيقية.