“ثقافة المقاومة”.. كتابٌ يقدم المقاومة كأسلوب حياة
يقدّم كتاب “ثقافة المقاومة.. إعادة بناء الذات العربية” للدكتور حسين جمعة رؤية جديدة للمقاومة وتصحيحاً فكرياً ومنهجياً لفهمنا لها، ويفرّق بينها وبين الإرهاب ويبرز أشكالها ويبيّن النزعة السلمية لها، مع التأكيد على الاختلاف الكبير بين السلام والاستسلام.
اعتمد الكاتب على المنهج التاريخي الموضوعي في معالجة الموضوعات عبر قراءة تاريخ وواقع ومستقبل المقاومة في صميم ما مرّت به الأمة العربية والإسلامية، مع الإشارة إلى منجزات الأمم الأخرى لتأصيل فهم دقيق للمقاومة مصطلحاً ونشأةً وتطوراً في الدلالة النظرية والعملية، ويبدأ بسرد تاريخي لنشأة ثقافة المقاومة بوصفها حاجة إنسانية لتحرير الذات من القهر والظلم والاستعباد والهيمنة، ويتوقّف عند المفاهيم وينتقل إلى فلسفة المقاومة وماهية المصطلح وطبيعته ووظائفه مع تحليل الحدث طبيعةً ووظيفةً وغايةً، كما يحاول إبراز مكانة المقاومة التي سكنت العقول والقلوب ووقفت مدافعة عن الهوية الحضارية التي عبّر عنها التراث العربي الأصيل، مع إبراز الفلسفة الراقية لمفهوم المقاومة وتعزيز جوهرها الحيوي بوصفه حقاً قانونياً وطبيعياً، لأن ما يجري من أحداث يضع أبناء الأمة في مواجهة مستمرة للدفاع عن هويتها ووجودها وخصائصها، ما يؤكد أن ثقافة المقاومة أو عقيدة المقاومة أصبحت الأسلوب المستمر الدائم لكثير من المؤمنين بانتمائهم إلى الهوية العربية والإسلامية للتصدي للمشروع الصهيوني بما يحمله من وظائف مدمّرة للحياة والثقافة والتاريخ، ولا يجوز لأحد أن يتخلّف عن مقاومته، لذلك يمكن القول إن ثقافة المقاومة ترتدي حلّة جديدة في صفحات هذا الكتاب، حيث تمّ تخصيص الفصل الأول منه لتناول فكرة الجهاد بين الآباء والأبناء منذ أن كانت غزواً إلى أن غدت كفاحاً تحررياً إنسانياً كما تتمثل عند الآباء والأجداد الأوائل على امتداد العصور، فمفهوم الجهاد مفهوم إنساني راقٍ اعتمده العرب في سياق مقاومة كل معتد، وهو الأسلوب الأنجع والفعّال لردّ الطرف الآخر المعتدي مادام أن الأساليب السليمة لم تؤتِ ثمارها، ولذا كان الجهاد دفاعاً عن الذات وكينونة الوجود منذ القديم، كما أنه عدّ حديثاً الأسلوب الأمثل لتحقيق السيادة وحق تقرير المصير وتحرير الأرض، بينما مازال في الوقت نفسه يسعى الغرب إلى دمغ نضال العرب بالإرهاب ورفض المقاومة أياً كانت أهدافها المشروعة. كما تحدث الفصل الثاني عن (المقاومة الفكر والجدوى) في إطارها الفكري والاجتماعي وتطور الحياة ذاتها وفق منهج المنطق التاريخي المعانق لمبدأ التحليل البعيد عن التعبير الإنشائي، حيث نجد أن هناك قواسم مشتركة في الحياة والطبيعة تؤكد وجود المقاومة للدفاع عن الذات والوسط الذي ولدت أو نشأت فيه، ومبدأ المقاومة لدى الإنسان يأخذ اتجاهات شتى في طبيعته التي تستند إلى القوة المادية والقوة المعنوية الروحية والمعرفية، ولما كانت القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى، ولما مثلت انتفاضة الأقصى حالة نوعية في الحياة العربية، حاول الفصل الثالث إثبات ماهية الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية لكونها غدت طقساً يتجدّد مادام الاحتلال قائماً للأرض والحياة والوجود، وفي إطار التجربة التاريخية واستناداً إلى المبادئ الدينية والإنسانية والشرائع الدولية ومبادئ الحق الطبيعي في الوجود وقف هذا الفصل من الكتاب عند أبعادها ونتائجها، فقد أعادت الزمن العربي النضالي كله إلى الواجهة، وتجلّت فيها صحوة سياسية ونضالية رائعة استندت إلى مفاهيم الشهادة الراقية بوصفها دفاعاً عن الوجود ضد محتل غاصب للأرض والحياة، بينما يعالج الفصل الرابع موضوع (ثقافة المقاومة بين السلام والاستسلام) لأننا نسعى إلى تأسيس الوعي بثقافة المقاومة بكل أشكالها المادية والمعنوية، على اعتبار أنها استجابة إنسانية تظهر بتجليات متعدّدة تعبّر عن ارتباط الإنسان بالتاريخ والواقع المعاش والموضوعي، فضلاً عن وعيه الكبير لثقافة السلام والمحبة، مع التركيز على أن ثقافة السلام توازي ثقافة المقاومة بوجوهها السامية أو المدنية مادامت تحقق الغاية نفسها، وهذا يختلف تماماً عن الاستسلام والخنوع. أما الفصل الأخير الذي حمل عنوان (المقاومة والتنشئة الوطنية) فقد عني بكيفية تربية الناشئة لإثبات حق مقاومة الشعوب والدول للعدوان أياً كانت طبيعته ووظيفته، فالحقوق الفردية والجمعية غير قابلة للتجزئة أو النقصان، ومن واجب الدولة أن تهيئ الثقافة الأصلية التي تعزّز حق الإنسان في الدفاع عن نفسه ومواجهة أي نمط من الإرهاب والعنف، وأن تنشئ أبنائها على وعي ثقافة المقاومة.
باختصار.. يركز هذا الكتاب المهمّ على حاجة المجتمع إلى ثقافة المقاومة، ليس بوصفها نمطاً من الفكر الإنساني الثابت وإنما بوصفها أسلوب حياة يجسّد قيم النبل الخلقي الإنساني التي ترفض العنف والعدوان والإكراه، لتصبح ثقافة المقاومة ميزاناً عقلياً للتوازن والتطور ومعرفة الحق والخير والجمال.
لوردا فوزي