بايدن لا يختلف كثيراً عن ترامب
ترجمة: عائدة أسعد
عن توب ستوريز
منذ دخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني، وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن نحو 40 أمراً وإعلاناً تنفيذياً، وألغى بعض أقسى قيود الهجرة التي فرضها سلفه الجمهوري دونالد ترامب، وأعاد أمريكا إلى اتفاقية باريس بشأن تغيّر المناخ، لكن قرار بايدن بتشديد القواعد التي تلزم الحكومة الفيدرالية الأمريكية بتفضيل المورّدين المحليين على المورّدين الأجانب يعدّ خطأ مبكراً في السياسة الاقتصادية، ويمكن أن يمثل علامة على أخطاء مقبلة أسوأ.
وحسب تقرير لمجلة “إيكونوميست” البريطانية أن برنامج شراء المنتجات الأمريكية طويل الأمد صدر بقانون عام 1933 يفرض على الحكومة الفيدرالية تفضيل السلع المنتجة محلياً على السلع الأجنبية، وجرى تعزيز ذلك القانون من خلال مجموعة من القواعد الحكومية والمحلية المماثلة. وخلال عمله نائباً للرئيس باراك أوباما أشرف بايدن على خطة للتحفيز الاقتصادي بعد أن ضربت الأزمة المالية العالمية سلاسل التوريد الأمريكية وأضرت بالمورّدين الأمريكيين، وخلال حكم ترامب صدر الكثير من الأوامر التنفيذية التي سعت إلى تفضيل الشركات المحلية على منافسيها الأجانب.
وواصل بايدن حملته الانتخابية لتنفيذ أكثر مما قام به ترامب الذي انتقده لعدم قيامه بما يكفي من إجراءات لدعم الاقتصاد، ومن المحتمل أن يتطلّب الأمر أكثر من توقيع أمر رئاسي للوفاء بهذا الوعد، واكتشفت الإدارات الأمريكية السابقة أن التزامات أمريكا تجاه منظمة التجارة العالمية (WTO) تُقيّد قدرتها على التمييز لمصلحة شركاتها، وهنا تكمن أهمية التغييرات الأخيرة التي أجراها ترامب وتمنح البيت الأبيض مزيداً من الإشراف على الإعفاءات من القواعد، وتقدم مطلباً جديداً غامضاً بأن مشتريات واشنطن يجب أن تعزّز التوظيف.
ويتمتّع الرئيس بالدعم في الكونغرس للمضي قدماً إذا أراد ذلك، فقد وعد ببذل جهد دبلوماسي لتحديث قواعد منظمة التجارة العالمية، ويمكن التحايل عليهم بأي حال من الأحوال عن طريق إرسال الأموال إلى الولايات ووضع شروط حول كيفية إنفاقها، وهي الطريقة التي يمكن للديمقراطيين أن يهيئوا بها التحفيز والإنفاق على البنية التحتية.
إن الرؤساء والناخبين يفضّلون برنامج “اشترِ المنتج الأمريكي Buy American” لأنهم يعتقدون أنه يخلق وظائف. وبالفعل نجح هذا البرنامج في ذلك، غير أن إبعاد الشركات الأمريكية عن سلاسل التوريد العالمية وحمايتها من المنافسة عزّز من عدم الكفاءة ودمّر فرص عمل أكثر مما تخلقه. وحسب أحد التقديرات ستحصل أمريكا على صافي 300 ألف وظيفة إذا تخلّصت من قيود المنتج المحلي.
ولا دليل على أن شراء المنتجات الوطنية يعزّز الابتكار أيضاً، بغضّ النظر عن ادّعاء المدافعين عنه، فذلك في الواقع يعيق زيادة الإنتاجية على المدى الطويل. واعتباراً من أول شباط الجاري ستكون الشركات الأمريكية قادرة على فرض زيادة في الأسعار على مبيعاتها للحكومة بنسبة تصل إلى 20% أكثر من الأسعار العالمية السائدة. وربما يكون المنطق الاقتصادي الأكثر صلابة لشراء المنتجات المحلية أنه يوقف التأثير التحفيزي قصير المدى للإنفاق الجديد -والذي يخطّط له بايدن جيداً- من تحوّل أثره إلى الخارج، لكن ذلك قد يشكّل مصدر قلق كبيراً لأمريكا في 2021 لأن الحوافز هائلة للغاية، وإذا تمّ تمرير اقتراح بايدن لإنفاق 1.9 تريليون دولار ضمن برنامج تحفيزي غير مسبوق، يكون بذلك الإنفاق الأمريكي المتعلق بالوباء بلغ أكثر من ربع الناتج الإجمالي المحلي قبل الأزمة.
وعلى عكس ترامب يدعم بايدن النظام القائم على قواعد التجارة العالمية، ولذا لن يسعى إلى تخريب منظمة التجارة العالمية أو استعداء حلفاء أمريكا الذين يريد حشدهم ضد الصين، لكن نزعته الحمائية الناعمة التي تحظى بشعبية في الكونغرس أكثر مما كانت عليه منذ عقود ستثير قلق العالم الخارجي، ويشعر الاتحاد الأوروبي -الذي توصل مؤخراً إلى اتفاقية استثمار مع الصين- بالضيق تجاه الأوامر التنفيذية التي أصدرها بايدن.
إن توجهات بايدن نحو اقتصاديات التجارة الحرة لا تختلف كثيراً عن سلفه ترامب، وقد تكون تلك “أخباراً سيئة لأمريكا وللعالم”!.