صباحات من زرقة الحلم
سلوى عباس
في لحظة من تألق الحب كتبت له: حين أشتاق لنفسي.. أجدك جالساً على الكرسي المقابل وأشياءك الصباحية مبعثرة حولك ترتشف قهوتك مشغولاً بكتاب تقلّب صفحاته، فتنتابني رغبة أن أسرقه من يدك وأناغش روحك قليلاً لعل السماوات تصبح أكثر رحابة، ولعلني أرتدي الغيوم وشاحاً من طيوف الحلم، فكل شيء معك يوصلني إلى حيث لا يصل أحد.. أتحرر من كل ما يثقل روحي، وأمتلئ بهواء نظيف.. تنهال كلماتك على أزهاري كالمطر.. تقطفني وتجمعني كزهر البنفسج في أضمومة حب.. ترسم على شبابيك روحي ألواناً من ضوء… وبلحظة تجيد محوها ومحوي.. ومحو كل الأزمنة والأمكنة.. فأنسى الليالي القاسية الطويلة التي أقضيها وحيدة.. وبلحظة أخرى تشع فوق أمواج حياتي فتضيء الشموس ويتفتح البنفسج.
حين أشتاق أن أكون أنا.. أبحث عنك… أنظر إليك، أملأ عيني منك… أجدني فيك، فأتدفق كالأنهار وأضيء بك عتمة الأكوان.. حين أشتاق أن أكون أنا، أناديك لأستقبل صباحاتي معك.. ألتصق بك.. أتغلغل فيك لأقول لك كم يسعدني أن أكون لك.. وإذا ما ارتجف صوتك مرة تغزوني نبرته وتنشر في ابتسامتي حزناً ويتبدى العالم رمادياً واجماً، وتفقد الأشجار خضرتها والهواء لا يعود هواء.. تستوي الألوان كلها لدي وتطبق السماء عن بهجتها.. لا أدري أي حزن يتلبسني متسارعاً تاركاً لنبات الأسى أن ينمو على وجداني متسعاً كل أفراحي بك وحبوري، فأنا لا أقوى على سماع حزنك ولا أقوى على أن لا أضم إلى صدري شهيقك المتعب وكل أحزانك..
****
انفلت الحلم الذي حضنته طويلاً منداحاً في كل الأرجاء.. وتبعثر حنينها إليه على رصيف بارد راحت تلملمه وتجمعه، عسى أن تحدث معجزة تعيده إليها فينفخ فيه من روحه فيعاود ارتجافه ورعشاته الدافئة، لكنه أصر على الغياب وكان قراره بالابتعاد ليبني حياته بعيداً عنها مع إنسانة أخرى ربما تشبهه وربما تختلف عنه كثيراً، وذهبت وعوده في الحب أدراج الرياح وأطلق حكم الإعدام على إنسانة ظنت أنه أحبها كما أحبته، والسبب جناية حب سابقة، فكم هي مفارقة عجيبة ومؤلمة أن تبدأ الحياة بهالة من الألق لتخبو فجأة ويتبدل كل شيء إلى سراب..
هذا ما تمنته وحلمت به معه بينما كان هو يرتب حياة أخرى بعيداً عنها وعن أحلامها.. كان يبحث عمن ينجيه من العدم ويحقق امتداده.. لذلك وبعد أسف على عمر قضته مع اختيارات خاطئة، قررت الرحيل حتى من ذاكرتها، دون أن تطارد الفراشات التي طارت من قلبها في كل مرة قال لها كلمة أحبك، وكل الأحلام والذكريات الجميلة التي دخلت إلى ذاكرتها في كل مرة كان يواعدها فيها.
اليوم.. كم تتوق إلى كلمة صدق من قلب مفعم بالحب في زمن نسينا فيه الصدق.. إلى ضحكة حقيقية تنبع من قلبها، ضحكة تحيل يأسها تفاؤلاً وأملاً.. تتوق إلى يد حانية تربت على كتفها عندما تعود إلى المنزل تعبة بعد يوم طويل، ونظرة حب مشتاقة تهمس لها: إليكِ أشتاق.. فهل سيأتي يوم نستطيع فيه غسل الدمع عن وجوهنا ونتعطر بالياسمين ونتزين بالبنفسج ونفتح شبابيك أرواحنا لنستقبل الصباحات المقبلة بالمطر.. هل سنستطيع يوما أن نقول صباح البنفسج أيها النهار الجديد.. صباح رائحة الأرض بعد المطر.