سورية ليست قضية أمن قومي لأمريكا
علي اليوسف
خلال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه، كانت وعود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب محكوماً عليها بالفشل، ففي سورية، على سبيل المثال، استخدمت الولايات المتحدة، وبتمويل من البترودولار، الإرهاب العسكري والاقتصادي لإسقاط الدولة السورية، وخلق كيانات انفصالية في الجزيرة السورية تكون تحت إشرافها مباشرةً، لكن صمود سورية، شعباً وجيشاً وقيادة، أسقط المخطط وبدأت خواتميه تتوضح ملامحها، بالإضافة إلى أن سورية لم تكن أبداً قضية أمن قومي أمريكية رئيسية، لذلك من الأفضل أن يغيّر الرئيس جو بايدن سياسات سلفه، وتحديداً عبر سحب مئات الجنود الأمريكيين المنتشرين حالياً في الجزيرة السورية.
ظاهرياً، تمّ تصميم الإستراتيجية الأمريكية تحت مزاعم التخلّص من آخر بقايا “داعش”، لكن العدوان العسكري غير الشرعي على الأراضي السورية، الذي استمر لسنوات، لم يدمّر هذه الجماعة الإرهابية، بدليل أن خلاياها النائمة ما زالت تشن هجمات متفرقة منخفضة المستوى في سورية والعراق، ما يعني أن النهج الأمريكي الحالي يفتقر إلى نهاية قابلة للتحقيق، لذلك يتعيّن على الولايات المتحدة سحب قواتها المحتلة فوراً، فالمقاومة الشعبية التي بدأت بالتعاظم لا بد وأن تستهدفها، وإذا تمّت زيادة الضغط العسكري على القوات الأمريكية فستضطر الولايات المتحدة إلى ضخ المزيد من الأموال لحلّ المشكلة. وبالفعل كان هذا هو الحال في صيف عام 2020 عندما أرسلت القيادة المركزية الأمريكية المزيد من المعدات العسكرية بعد حادث التصادم مع القوات الروسية الموجودة في المنطقة نفسها، وتصدي الجيش العربي السوري وأبناء العشائر لقوافل الإمداد الأمريكية.
وبالنظر إلى العيوب في سياسة ترامب تجاه سورية، تحتاج الإدارة الجديدة إلى نهج مختلف، نهج لا يلزم الجيش الأمريكي بحرب أخرى. لذلك بدلاً من الحفاظ على الإستراتيجية الأمريكية الحالية، يجب أن يعتمد فريق بايدن على الدبلوماسية، ويسحب قوات الاحتلال الأمريكي من سورية، لأن المزاعم التي كانت تروّج لها الآلة الإعلامية الأمريكية بأن الانسحاب الأمريكي من شأنه أن تقوية العلاقات بين سورية وروسيا وإيران هي حجة في غير محلها على الإطلاق، وبالدرجة الأولى تتجاهل الروابط السياسية والعسكرية بين سورية وروسيا منذ عقود طويلة، وهي العلاقات التي من غير المرجح أن تضعفها الضغوط الأمريكية، خاصةً وأن روسيا تحافظ على علاقة وثيقة مع سورية منذ الحرب الباردة، وأن المستشارين الروس عملوا في سورية قبل وقت طويل من بدء الحرب عليها في عام 2011. كما أن علاقات إيران مع سورية طويلة الأمد أيضاً وإستراتيجية، بحيث لا يمكن لأي ضغوط تغييرها بتلك السهولة التي تتصوّرها “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة.
سيكون هناك -بلا شك- صيحات احتجاج من السياسيين والمحلّلين الأمريكيين الذين يصرّون على بقاء القوات الأمريكية لحماية “قسد” وآبار النفط، وهنا مربط الفرس، لكن من غير المقبول أن تقدّم الولايات المتحدة هذه المظلة العسكرية غير المحدّدة على حساب دافعي الضرائب الأمريكيين، وما تحتاجه إدارة بايدن هنا هو مقاربة واقعية للشأن السوري، على عكس إدارة ترامب التي استخدمت الإرهابيين ودفعت مليارات الدولارات، ولاحقاً العقوبات الاقتصادية لإسقاط الدولة السورية.