دراساتصحيفة البعث

يوم أستراليا الوطني.. احتفال بالحقبة الاستعمارية

سمر سامي السمارة

بحسب الروايات الاستعمارية، صادف الـ26 من شهر كانون الثاني الماضي “يوم أستراليا الوطني”، حيث تُخلد فيه ذكرى وصول أول أسطول انكليزي عام 1788 لتأسيس مستعمرة على أراضي السكان الأصليين. أما بالنسبة للشعوب الأصلية، فإن الاحتفال السنوي ما هو إلا تذكير بالغزو الاستعماري وتداعياته، المتمثلة بالمذابح التاريخية، وسرقة التراث، واستغلال التاريخ والنظام السياسي الذي ينطوي على التمييز ضد السكان الأصليين.

وفي تحدّ للقيود المفروضة بسبب كوفيد-19، تظاهر السكان الأصليون والنشطاء في سيدني وبريسبان، مطالبين بتغيير تاريخ الاحتفال باليوم الوطني، فالتاريخ المختار يهمّش الشعوب الأصلية، وينسب تاريخ أستراليا فقط للإرث الاستعماري!.

وصف رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون هذا اليوم بأنه “اللحظة التي بدأت فيها الرحلة لقوميتنا الحديثة”، حيث تمّ استخدام خطاب التحديث هذا في سياقات استعمارية أخرى، وذلك لإضفاء الشرعية على تدمير تاريخ الشعوب الأصلية وفرض ثقافة متفوقة مزعومة. فترسيخ هيمنة المستوطنين، إلى جانب الاستغلال الاقتصادي للأراضي المستعمَرة، هو الخطوة الأولى نحو النسيان السياسي للسكان الأصليين. عندئذ تُستخدم مقاومة الشعوب الأصلية، التي غالباً ما يتمّ تنظيمها عند إدراك نوايا وسياسة الاستعمار الاستيطاني، كذريعة لتجريد الشعوب الأصلية من إنسانيتها وارتكاب المجازر بحقها. ومع ذلك، تلقي السردية الاستعمارية باللوم على السكان الأصليين في ما وصلوا إليه، مستغلين مرة أخرى مفهوم التحديث للإفلات من العقاب.

أيّدت الحكومة الأسترالية إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق السكان الأصليين في عام 2009، وبالتالي الاعتراف بحق السكان الأصليين في تقرير المصير والتعويض عن الجرائم المتعلقة بالعنف الاستعماري. ومع ذلك، لا توجد اتفاقية موقعة بين الحكومة الأسترالية والسكان الأصليين تُلزم الحكومة بمعالجة الماضي الاستعماري للبلاد وحقوق السكان الأصليين في أراضيهم، والتاريخ والذاكرة، إذ لم يتمّ الاعتراف بالسكان الأصليين كأول شعب في أستراليا. إضافة إلى النقاش حول ما إذا كان ينبغي إلغاء الاحتفال، أو تغيير تاريخه، يجب إثارة مسألة هوية أستراليا. فمع تهميش السكان الأصليين، اقتصادياً واجتماعياً، تبقى القصة تخصّ مستعمراً استيطانياً، وبالتالي لا علاقة للاحتفال بالإرث الأسترالي السابق، لذا يجب أن يبدأ التغيير من الداخل، والتوصل إلى تسوية حول تاريخ الاستعمار الاستيطاني للبلاد من أجل إيجاد أرضية مشتركة للمصالحة مع السكان الأصليين.

تظهر المصالحة الأسترالية، تزايد الوعي فيما يخصّ عنف الاستعمار البريطاني في البلاد. في عام 2016 حدّدت الأمم المتحدة خمسة مفاهيم يمكن على أساسها تحقيق التسوية، وهي: القبول التاريخي، العلاقات العرقية، المساواة والإنصاف، والنزاهة المؤسسية. كما يشير تقرير المصالحة في أستراليا للعام 2021 إلى نقطة مهمّة، وهي أن المصالحة مع السكان الأصليين التمست الحلّ مع نسبة ضئيلة من المستعمرين الأوائل، وأن الوصف التفصيلي لهذا التاريخ سيؤدي إلى الاعتراف بالعنف الاستيطاني الاستعماري ضد السكان الأصليين، وبالتالي تعزيز الذاكرة التاريخية الجماعية لأستراليا.

ومع ذلك، على المستوى الحكومي، يظل استغلال أراضي السكان الأصليين، على الأساس الذي وضعه الإطار الاستعماري السابق أولوية عليا. ففي وقت سابق من شهر كانون الثاني الماضي، منحت حكومة جنوب أستراليا الإذن لبعض الشركات، للتنقيب عن المعادن في بحيرة تورانس، وهي موقع تراثي للسكان الأصليين ولكن دون حماية حق الملكية، فعلى النحو الذي قررته قضية المحكمة العليا لعام 2016، أشار القاضي إلى عدم وجود دليل على الملكية في حقبة ما قبل الاستعمار. لذا، لابد من مقارنة احتفالات “يوم أستراليا” الرمزية، مع الانتهاكات الطبيعية التي تحدث ضد السكان الأصليين. وما لم يتمّ الاعتراف بحقوق السكان الأصليين سياسياً، فإن الرمزية المرتبطة بيوم أستراليا ستكون لها الأسبقية على تاريخ السكان الأصليين والذاكرة الجماعية.