دراساتصحيفة البعث

هل تخطط هولندا للخروج من الاتحاد الأوروبي؟

ريا خوري

أجمع عدد كبير جداً من الاقتصاديين البريطانيين على ضرورة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، لأنه من المرجح أن يقلل من دخل الفرد القومي الحقيقي في المملكة المتحدة على المدى المتوسط والطويل، كما اعتقد الكثيرون أنه من المرجح أن يحد الخروج البريطاني من الاتحاد من الهجرة من دول المنطقة الاقتصادية الأوروبية إلى المملكة المتحدة، ولكن اعتباراً من تشرين الثاني عام ٢٠١٨ لايزال حجم فاتورة الانفصال كبيراً، وما ورثته المملكة المتحدة من اتفاقيات التجارة الأوروبية مازالت سارية المفعول، والعلاقات مع ايرلندا والدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي غير مؤكدة، وبالتالي يعتمد التأثير الدقيق على المملكة المتحدة على ما إذا كانت عملية الانسحاب سهلة أم صعبة.

وقد وجد التحليل الذي أجرته وزارة الخزانة البريطانية، وهي من الوزارات الهامة، أنه ليس من المتوقع أن يؤدي أي تغيير في خروج بريطانيا إلى تحسين الوضع الاقتصادي في المملكة المتحدة، فقد أصدرت منشوراً في تشرين الثاني ٢٠١٨ بشأن التأثير المحتمل لمقترح لعبة “الداما” مشيرة أنه خلال خمسة عشر عاماً سيصبح الاقتصاد البريطاني أسوأ بنسبة ثلاثة وأربعة بالمئة مقارنة بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، لذا لم يكن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي مُنشئاً لأزمات هذا الاتحاد، بل كان كاشفاً لها، مُسلّطاً الضوء على تلك الأزمات التي حاولوا تجميلها منذ نشأته. ومن هذه الأزمات التي تكاد تعصف بكيان الاتحاد الأوروبي، قضيتا الاقتصاد والهجرة، وهما قضيتان هامتان جداً للدول بشكل عام، وبالرغم من أن معظم دول الاتحاد تعاني صعوبات اقتصادية جمة، وتعيش ضائقة مالية واضحة، بخاصة بعد جائحة كورونا، إلا أن ظاهرة الهجرة، سواء من دول شرق أوروبا، التي انضمت حديثاً إلى الاتحاد الأوروبي الذي كان حكراً على دول غرب أوروبا، أو تلك الهجرة من دول أفريقيا وآسيا، قضّت مضاجع الشعوب الأوروبية الغربية التي أصبحت تجد حياتها مهددة جراء تدفق أولئك اللاجئين بأعداد هائلة جداً إلى بلدانها، وباتت تريد الخلاص من الاتحاد الذي لم يجلب لها سوى الأزمات الاقتصادية، وزيادة عدد اللاجئين والمهاجرين.

هذه النظرة يتبناها قادة من الأحزاب اليمينية الشعبوية التي بدأت تتنافس مع الأحزاب الأخرى على السلطة، وتعد هولندا من الدول المستقرة سياسياً واجتماعياً، كما أنها نموذج للدولة المتطورة التي خلقت من الضعف قوة، وانطلقت باتجاه الإنتاج التكنولوجي والصناعي والزراعي، لكن بعض أزمات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والديمغرافية تسربت إليها، وزاد خروج المملكة المتحدة من حدة الأزمة فيها، مع العلم أن الاقتصاد الهولندي يرتبط ارتباطاً عضوياً بالاقتصاد البريطاني، وحسب مكتب التخطيط الاقتصادي الهولندي، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان له تأثير سلبي خطير على اقتصاد هولندا، لأنه يرتبط بجميع دول الاتحاد الأوروبي، وقال العديد من المراقبين والمحللين الاستراتيجيين: إن الخسائر التي قدرت بعشرة مليارات يورو في مجال التجارة يمكن أن تشكّل أيضاً نسبة تفوق خمسة وستين بالمئة في حال تباطؤ الابتكار بسبب انخفاض التجارة.

أما الصناعات الالكترونية، والصناعات الكيميائية، والسيارات، والمواد الغذائية التحويلية التي تمثّل وحدها ١٢ بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الهولندي، فستكون أكثر تأثراً، إذ إن إنتاجها هو الأكثر ارتباطاً بالتجارة مع المملكة المتحدة، وما إن أعلن البريطانيون عن خيارهم بمغادرة الاتحاد الأوروبي، حتى أعلنت الحركات الهولندية المشككة بالاتحاد الأوروبي، خاصة حزب الحرية اليميني الشعبوي برئاسة خيرت فيلدرز، عن سعيها  الحثيث لإجراء استفتاء مماثل للاستفتاء البريطاني في هولندا، فنشرت  عريضة  لحمل الحكومة الهولندية على التفكير بشكل جدي في تنظيم استفتاء جديد للخروج من الاتحاد الأوروبي، أو الاستمرار فيه دون تراجع، وعلى الرغم من أن هذه المبادرة لم تؤخذ على محمل الجد من قبل الحكومة الهولندية، إلا أن المواطنين الهولنديين يستطيعون في حال تقديم عريضة تضم ثلاثمئة ألف توقيع إجبار الدولة على تنظيم الاستفتاء.

المفاجىء هو ما جرى في الانتخابات البرلمانية العام الماضي، حيث فازت الأحزاب المؤيدة للاتحاد الأوروبي، ولكن إذا كان الشعب الهولندي وقيادته قد استقر رأيهما على البقاء في الاتحاد الأوروبي، فإنهما سينقلبان حتماً  عندما يضطران إلى تحمّل أعباء ضخمة من الأموال من ديون الدول المتعثرة، ما يترك آثاراً سلبية وضاغطة على نمط الحياة، وهذا يدفع إلى التخطيط بشكل عملي للخروج من الاتحاد الأوروبي، سالكين الطريق ذاته الذي سلكه البريطانيون، لتكون هولندا الدولة الثانية التي ستغادر الاتحاد الأوروبي بعد المملكة المتحدة.