الشعب الفرنسي ضحية الدولة العميقة
هيفاء علي
قبل المضي قدماً في جرائم الدولة التي ارتكبها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، من الضروري الإضاءة على ما تقدمه الصحافة باستمرار عن شخصيته التي لا تتوافق على الإطلاق مع برنامجه الانتخابي الذي قدمه قبل وصوله إلى الاليزيه، حينها قيل للشارع الفرنسي إنه رجل جديد في ريعان شبابه، ويحمل أفكاراً جديدة، إلا أن الحقيقة مغايرة تماماً، لأنه بالنظر إلى مناهجه الدراسية وشركائه وآرائه السياسية، فإن ايمانويل ماكرون جزء لا يتجزأ من عالم قديم: عالم تجار النوم، والممولين، والليبراليين المتطرفين.
ايمانويل ماكرون ليس نيزكاً، بل هو الأسير المخلص لعلاقة المصالح الجارحة التي تريد هدم فرنسا، فهو من عمل على إلغاء قانون العمل، ولم يبذل أي جهد أو محاولة للحد من البطالة، لأنه بكل بساطة يريد ترسيخها في فرنسا.
في 26 آب 2014، تسلّم حقيبة الصناعة والاقتصاد، فقام ببيع فرع الطاقة من شركة “الستوم” الفرنسية إلى شركة “جنرال الكتريك” الأمريكية التي تشكّل جزءاً من المجمع الصناعي الأمريكي، عقب مفاوضات مع الإدارة الأمريكية، ليكون هذا الاستيلاء الأمريكي على هذا الفرع من الصناعة الفرنسية خيانة عظمى للمفاوضين الفرنسيين المعنيين، وفي مجال العلاقات الدولية لا توجد مشاعر صداقة، وإنما علاقات القوة هي التي تحدد التوازن في علاقات فرنسا الدبلوماسية، وبعد أن تنازلت للولايات المتحدة عن جزء من صناعتها يعتبر في قلب الردع النووي، ارتكبت بموجب المادة 411-3 من قانون العقوبات جريمة لا تغتفر، إذ ينص على أنه “يعاقب بثلاثين سنة من الاعتقال الجنائي كل من يقوم بتسليم معدات ومنشآت وأجهزة مخصصة للدفاع الوطني إلى قوة أجنبية أو شركة أو منظمة أجنبية”.
هذه الصفقة الصاخبة التي أبرمها ماكرون أضعفت قدرات فرنسا الدفاعية بشكل خطير، وأدخلت نقاط ضعف خطيرة للغاية في صميم الردع النووي الفرنسي، هذه الجريمة قد تجعل ماكرون يقبع في السجن 30 عاماً، ومع ذلك انتخب رئيساً للجمهورية، لأن الصحافة لم تتطرق بالمطلق لخطورة تنازله عن فرع الطاقة الستوم، بل هللت له وخدعت الرأي العام الفرنسي عبر مغالاتها بالحديث عن “خصاله الحميدة وكفاءاته”.
تجدر الإشارة إلى أن ماكرون سمح أيضاً باندماج شركة “سيمنس- الستوم” في معدات السكك الحديدية، ما مكّن ألمانيا في النهاية من السيطرة على هذا الفرع الحساس من الصناعة الفرنسية، نظراً لارتباطها أيضاً بالقدرات اللوجستية في فرنسا، علماً أن التاريخ علّم الفرنسيين ضرورة التصرف بحذر مع ألمانيا ومع المملكة المتحدة اللتين اعتمدتا دائماً على خيانة القادة الفرنسيين.
تضاف إلى ذلك كله طريقة وصول ماكرون إلى الاليزيه من خلال الاحتيال والتزوير واختلاس الأصوات مثلما وصل فيليب بيتان إلى السلطة عام 1940، حيث تم منحه الصلاحيات الكاملة بأغلبية ساحقة من الأصوات باستثناء 80 نائباً، دون نسيان الشيوعيين الذين لم يكونوا في نظام فيشي، حيث تم حظر الحزب الشيوعي الفرنسي، وحينها قال آلان باديو، الفيلسوف والمفكر الفرنسي: “إن الارتباك الذي أصاب ضمير بيتان جعل مثل هذا الاستفتاء ممكناً لهذه الحكومة الثورية المضادة، هذا النظام الفاسد حتى العظم والمؤيد لحكم القلة سمح لرجل مغامر، ملك شغوف، جندي عجوز، سياسي مخادع، أي بيتان، دائماً من أتباع الثروات العظيمة، بأن يقدم نفسه على أنه المالك الحقيقي للطاقة الوطنية”.
الانقلاب “الديمقراطي” الذي روّج له ماكرون
كما لو أن التاريخ يعيد نفسه، ينسحب هذا الأمر اليوم على ايمانويل ماكرون، ذلك أن هناك شهادتين من ماكرون نفسه عندما صرح خلال مؤتمر صحفي رسمي “بأنه وصل بالمخالفة إلى الاليزيه” واعترف، خلال مؤتمر عقد في عام 2017 بأنه قد تم اختياره من قبل بيلدربيرغ “حكومة العالم الخفية”، وأنه لا توجد ديمقراطية في فرنسا.
لا يخفى على أحد أن ماكرون وصل إلى سدة السلطة عام 2017 عقب انقلاب ديمقراطي، بحسب تعبير آلان باديو في كتابه الذي يتطرق إلى هذا الموضوع، وحمل عنوان: “Eloge de la Politique”، ومع ذلك، تمت مقاطعة الترويج لكتاب آلان باديو بوحشية في بداية تشرين الأول 2017 من قبل أتباع ماكرون، ما يوضح مدى الإزعاج الذي سببه هذا الكتاب للمصرفي الصغير!.
في عام 2017، تم التعامل مع فرنسا كدولة أفريقية، فما الذي يتم فعله في أفريقيا؟ يجيب آلان باديو في كتابه “صحوة التاريخ” بأن فرنسا باتت تابعة للولايات المتحدة، حيث نقوم ببعثات عسكرية دموية في كل مكان، وخاصة في أفريقيا، لضمان احترام حقوق الإنسان، ووضع من نريد في السلطة من خلال الجمع بين الاحتلال العنيف والانتخابات الوهمية لوضع الخدم الفاسدين على رأس السلطة كي يقدموا كل موارد وثروات البلاد للقوة التي أوصلتهم إلى السلطة، وبالمثل، في عام 2017، وبفضل انتخابات شابها الاحتيال والتزوير، تم فرض ماكرون الخادم المطيع والفاسد على الاليزيه لسرقة الثروة وتقديمها للأمريكيين، حيث لعبت “القوى الخفية” دوراً أساسياً في الانتخابات مساء الجولة الأولى التي فاز بها ماكرون بعدما تم قطع التيار الكهربائي عمداً لاختلاس أصوات المرشّحين الآخرين.
في مساء الجولة الأولى، وحتى قبل إعلان النتائج النهائية، كان ماكرون مثل ساركوزي يحتفل مع نخب المال بانتخابه المتوقع والمعلن للجولة الثانية ضد مارين لوبان، المرشّحة التي اختارها البرنامج لتكون “الفزاعة” التي من شأنها أن تثير حشداً جماهيرياً لجميع “الجمهوريين” لدعم المرشّح الذي اختارته مجموعة “بيلدربيرغ”.
في السياق، تطرق الصحفي والمحلل ايريك مونتانا إلى فساد السياسيين الفرنسيين وخضوعهم لجماعات الضغط، وقوانينهم الجائرة التي صوتت ضد الشعب ولصالح الإثراء السريع لبعضهم، والامتيازات غير اللائقة التي يمنحونها لأنفسهم، والإفلات من العقاب.
لم ينس أحد كيف حصل ماكرون على ميزة هائلة من الدعم في وسائل الإعلام وفي الصحافة، حيث تم تطبيق عدم المساواة عند التحدث بشكل فاضح عن المرشّحين الآخرين الذين تم تهميشهم وسوء معاملتهم، والذين لم يتم الاستماع لهم على الرغم من مطالبهم المشروعة بمنحهم القدر نفسه من الوقت الذي منحوه لماكرون، كما عانى الفرنسيون من الضجة الإعلامية الكبيرة حول ماكرون، في حين تم تدمير الحملات الانتخابية للعديد من المرشّحين المنافسين بسبب تحريك أمور قضائية ضدهم بغية إبعادهم عن منافسة ماكرون.
تم تنظيم الحملة الانتخابية لماكرون من قبل الدولة العميقة ودعم اللوبيات، حيث تم جمع كافة مكونات التلاعب الجماعي، ومن ثم كان استخدام آلات التصويت المحوسبة غير الموثوقة لتعداد الأصوات وإعلان النتائج النهائية مصدراً آخر للتساؤل والتشكيك، وكان آخر التفاصيل التي أكدت الشكوك المشروعة هذا الشعور القذر بأن مجموعة “بيلدربيرغ” قامت بالتواطؤ مع الدولة العميقة، ونظمت كل شيء وخططت له إلى حد كبير بفضل جهل وسذاجة الفرنسيين، ليكون روتشيلد والمتواطئون معه في الدولة العميقة الفائز الحقيقي في هذه الانتخابات وليس الشعب الفرنسي.
منذ ذلك الحين، تم بيع فرنسا للتمويل العالي، وأصبح الأغنياء أكثر ثراء وعدداً من أي وقت مضى، ولم تشهد فرنسا من قبل مثل هذا الفساد، ما جعلها من أكثر دول العالم فساداً، قوانين قتل الحرية تتبع الواحد تلو الآخر، فيما يتم هدم الحقوق الاجتماعية من خلال التصويت الليلي في الجمعية ومجلس الشيوخ، وحتى إصلاح نظام التقاعد الذي احتج ضده ملايين الفرنسيين، تم التصويت عليه في منتصف الليل، وذلك بفضل خيانة جديدة لمجموعة “الجمهوريين” التي أخذت زمام المبادرة، ومن ثم جاءت جائحة كورونا لتصب الزيت على النار، وتقتضي فرض حالة الطوارئ الصحية بفضل تفشي فيروس مخبري تم استخدامه بطريقة إجرامية لفرض نظام أسوأ الديكتاتوريات على الفرنسيين.
يضاف إلى ذلك، تدمير الاقتصاد للترويج لعملية “إعادة الضبط الكبرى” للاقتصاد العالمي على أساس العملة الرقمية، ما يجعل من الممكن مراقبة جميع تصرفات وأفعال الفرنسيين، والاختبارات الزائفة لمواصلة الحكم بزرع الخوف، وتضخيم الأرقام لتعزيز ذهان الموت، وإعطاء اللقاح مع إضافة الجسيمات النانوية والمكونات التي ستجعلهم أكثر مرضاً، زد على ذلك، سيكون هناك قريباً نقص في الطعام، وظهور فيروس كورونا جديد، ومعسكرات لاعتقال كل من يرفض التقيد بالحجر، وارتداء القناع الإلزامي، وحظر السفر، وحظر العودة إلى الحياة الطبيعية، والجنون الإجرامي لهذه الحكومة من المحتالين والقتلة والفاسدين، وإذا كانت وسائل الإعلام قلقة من ملاحظة أن 91٪ من الفرنسيين فقدوا ثقتهم بالحكومة أو وسائل الإعلام المتواطئة في هذه العملية الإجرامية الضخمة، فذلك لأنهم عشية ثورة ستتحول بلا شك إلى تمرد عنيف، كل ذلك بحسب ايريك مونتانا الذي يلفت إلى أن الشعب الفرنسي هو ضحية الدولة العميقة الفرنسية، شأنه شأن الشعب الأمريكي، والشعوب الأوروبية الأخرى.