ما مصير اتفاق أفغانستان؟
ترجمة وإعداد: عائدة أسعد
لم تحسم الإدارة الأمريكية الجديدة حتى الآن خياراتها المتاحة في أفغانستان، وحتى لو بقيت هناك رغبة لتثبيت حضور عسكري دائم تحت عنوان مكافحة الإرهاب، إلا أنها تخشى في حقيقة الأمر خروجاً مُذلّاً من حرب استمرت عشرين عاماً بلا طائل، وما يؤجج تلك الرغبة الدعوات المتزايدة مِن جانب الحلفاء والكونغرس لتأجيل موعد الانسحاب وربطه بتبلور اتفاق سلام بين طالبان وحكومة كابول كي لا يمنح الحركة انتصاراً مجانياً.
وتبدو إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن عازمةً على البقاء في أفغانستان لفترة أطول من تلك المحدّدة في الاتفاق الذي وقّعته طالبان مع الإدارة السابقة خشية أن يُقرأ انسحابها المبكر كانتصار للحركة. وعلى الرغم من عدم بلورتها إستراتيجية واضحة إزاء حربها المتواصلة منذ عام 2001 في هذا البلد، إلّا أن التوصيات الكثيرة لهذه الإدارة مِن جانب الحلفاء في الأطلسي والكونغرس تصبّ في سياق إرجاء الانسحاب المُقرّر في أيار المقبل، فقد نشرت مجموعة دراسة أفغانستان بتكليف من الكونغرس تقريراً يدعو البيت الأبيض إلى التخلي عن هدف إنهاء أطول الحروب الأميركية والركون بدلاً من ذلك إلى ضمان اتفاق سلام مقبول بين حركة طالبان وحكومة كابول.
في ظلّ سعي الرئيس السابق دونالد ترامب إلى إنهاء الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان، طلب الكونغرس في نهاية عام 2019 من مجموعة دراسة أفغانستان المؤلّفة من 15 عضواً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ويترأسها كلّ من رئيس الأركان السابق الجنرال جوزيف دانفورد، والسيناتورة الجمهورية السابقة كيلي أيوتي، ونانسي ليندبورغ المسؤولة السابقة في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. الدراسة رجّحت أن يؤدي انسحاب عسكري، وصفته بغير المسؤول، إلى حرب أهلية جديدة في أفغانستان، وأن يقود إلى إعادة تشكُّل جماعات إرهابية مناهضة للولايات المتحدة يمكن أن تهدّد أمريكا، ويمنح طالبان نصراً على أقوى دولة في العالم، وأن المساس بهيبة أميركا ومكانتها يشكِّلان الأساس لقلق من أعدّ ذلك التقرير، ولاسيما في إشارتهم إلى أن دعم مفاوضات السلام يعطي الولايات المتحدة فرصةً لتكريم التضحيات الأميركية، وتأمين المصالح الأميركية الأساسية. كما تكون أولوية الإدارة تشجيع التوصّل إلى اتفاق سلام، فالقوات الأميركية -حسب الدراسة- تواجه مخاطر أقلّ، لذا يمكنها أن تحافظ على وجود في أفغانستان بهدف الضغط للتوصل إلى اتفاق سلام في ظل معايير انسحاب سيكون من الصعب وربما من المستحيل أن يتحقّق بحلول أيار 2021. كما يؤكد التقرير أن تحقيق الهدف الأكبر وهو السلام المستقر عبر التفاوض الذي يخدم المصالح الأميركية يجب أن يبدأ بتأمين تمديد للموعد النهائي لشهر أيار، لكن وزارة الخارجية الأميركية أكدت أن الإدارة لم تتّخذ حتى الآن أي قرارات في شأن حجم القوات في أفغانستان وبانتظار الانتهاء من مراجعة اتفاق الدوحة شباط 2020 وملحقاته.
وتتفقُ هذه الخلاصة مع رغبة جو بايدن في إبقاء قوة صغيرة لـ “مكافحة الإرهاب” في أفغانستان، وضرورة التنسيق مع الحلفاء قبل الإقدام على خطوة من هذا الوزن، لكن يبدو أن الحلفاء على غير عجلة من أمرهم رغم إقرارهم بصعوبة المهمّة، وحسب ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي: على أعضاء الناتو أن يقرروا معاً مستقبل مهمتهم، وإذا قررنا الرحيل فإنّنا نجازف بتعريض عملية السلام للخطر ونخاطر بفقدان المكاسب التي حققناها في الحرب ضد “الإرهاب الدولي” على مدى السنوات الماضية، أما إذا قرّرنا البقاء فإننا نخاطر بالاستمرار في عملية عسكرية صعبة في أفغانستان ونخاطر بتزايد العنف ضد قوات الناتو أيضاً.
حتى ينعقد اجتماع الأطلسي على مستوى وزراء دفاع الحلف في الـ17 من الشهر الجاري لمناقشة مصير مهمّة الناتو التي يبلغ قوامها عشرة آلاف فرد عسكري 2500 أميركي في أفغانستان، لا تزال الترجيحات تشير إلى أن البقاء قليلاً بعد ربما يحفظ ماء الوجه الأميركي.