بين المحاكمة والتحليل د. عصام التكروري يوقع كتابه “أوطان بطعم السفرجل”
“الجريمة ليست حجة لصالح الحرية” الجملة التي وردت في كتاب “أوطان بطعم السفرجل” الصادر عن دار التكوين، ورددها المؤلف د.عصام التكروري في جلسة إصدار بإدارة وحوار الإعلامي ملهم الصالح في المركز الثقافي في -كفرسوسة- وقد خصص القسم الأكبر للمناقشة والاستفسارات، وطالت بعض النقد للصحافة السورية والمطالبة بمزيد من حرية التعبير الهادفة البناءة.
ويضم الكتاب عدداً من النصوص التي عبّرت عن ثقافة الكاتب الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون بالقانون الدولي، المتكئة على استحضار شخصيات ومواقف مبنية على الإسقاطات الواقعية للأزمة السورية.
مدلول حرف الدال
بدأ الصالح الحوار من أحد النصوص بعنوان “أنا وصوفي والثورة والدب جيفاكو” من مجموعة-عن سفرجل الثورات- فتحدث التكروري عن شخصية عمر الشريف والنص الذي كتبه للحب، الحب الذي بدأت فيه العلاقات تتفسخ في سورية حينما بدأت الانقسامات مع بداية الأزمة السورية، يسرد النص قصة حب بين فتاة فرنسية وشاب سوري التقيا مصادفة في بهو السينما أثناء عرض فيلم عمر الشريف “العم إبراهيم وأزهار القرآن” ولإعجابهما المشترك بالنجم عمر الشريف أطلقا على -دب الحب- الذي أهداه لها د.جيفاكو الشخصية التي أداها عمر الشريف، وفي النهاية ينفصلان لانحيازها للإعلام المضلل “وحدها الدببة التي تدفع ثمن برودة العاطفة وقتما تذهب القلوب باتجاه السبات الشتوي”.
ولم يقتصر النص على الخلاف على الموقف من الأزمة والانقسامات، إذ تطرق التكروري إلى مدلول حرف الدال “شريحة تشتري حرف الدال في دول تكثر فيها الدببة” وأوضح إلى أنه ليس المقصود بالدب الشتيمة، وإنما إلى من يتوقف عن تطوير الذات بعد حصوله على الدكتوراه، فكأنه يدخل في سبات شتوي.”.
مجموعات وعناوين
ثم تحدث الصالح عن الكتاب الذي قسم إلى مجموعات، منها: عن سفرجل المثقفين، عن سفرجل الثورة، سفرجل أسفل الشجرة، وغيرها وكل مجموعة تضم نصوصاً عدة لكل نص عنوان خاص، وعن خاصية الكتابة وسمات النصوص المليئة بالوعي والثقافة واستحضار الشخصيات المحفزة لدى التكروري والتي تجاوزت المئة مثل محمود درويش- مانديلا- محمد الماغوط- دريد لحام- فيروز- وغيرها، والتي من خلالها كتب نصوصه، واعتماده على عنصر المقابلة بذكر شخصية أوروبية ومقابلتها بشخصية سورية مثل فاتح المدرس أو الماغوط وغيرهما، ليصل إلى أن النصوص ليست رصداً للواقع فقط، إذ يتوسطها الخيال لتكون بليغة بالتأثير.
الشخصيات والمقابلة
المحور الأساسي لاختيار الشخصيات السياسية والثقافية أن تكون من جغرافية الكرة الأرضية ومعها محاكمة فيسأله الصالح: ما سبب هذا التنوع بالخيارات؟
الكتابة تتأثر بالتراكمات الثقافية والمعرفية واللغوية وأنا شخص ملون بالمعنى الإيجابي، وأعتقد أن الأدب هو أفضل حامل للمقولات الفكرية والسياسية، فإذا كتبت المقولة السياسية بشكلها السياسي فمن الصعوبة أن تصل لكن حينما تضاف إليها أجنحة من الشعر والنثر تكون أقدر على الوصول إلى المتلقي، والمسألة ليست فقط بالخيال وإنما بالبحث فأي نص أشتغل عليه أجري بحثاً مطولاً عن الشخصية التي أستحضرها، على سبيل المثال حينما كتبت عن زياد الرحباني أعدت الإصغاء إلى ست مسرحيات حتى أضبط بدقة الجملة التي يقولها، وأتمكن من كتابة نص بصفحة ونصف، الموهبة لا بد أن تقترن مع البحث، والبحث هو الأساس.
أما نص “ع العصفورية يا سبع” من مجموعة “عن سفرجل الحب وغصات العاطفة” فأخذ مني وقتاً طويلاً لأنني اضطررت أن أعود إلى أغنيات صباح وسميرة توفيق وفيروز وفيلمون وهبة نفسه، حتى استطعت أن أجد توليفة للأغنيات تكون مترابطة وتعطي فهماً وظّفته بالنص الذي أبني عليه.
وفي نص “الأسود الذي لا يحبه الملونون” تطرقتُ إلى العنصرية، فالأسود لم يكن أبداً بالنسبة لي مجرد لون، لأنه نقيض التلون الحربائي الذي يمارسه الأبيض لوناً كان أم عرقاً، هذه الحقيقة أضاء عليها الشاعر السنغالي بوبو التانغو في قصيدته رجل ملون.
أما نص قواعد الخراب الخمس فهو نص متخيل تطرقتُ فيه إلى قانون تصنيف الأستاذ الجامعي في سلم الأجور، ولابد من إعادة الاعتبار للأستاذ الجامعي ليكون قدوة لطلابه.
ثيمة القفلة
قفلة النصوص كانت موضع حوار أيضاً فكل النصوص تنتهي بعبارة واحدة تبرهن على توقيع الكاتب وتأتي كثيمة يالسفرجل الزمن الرديء، ياشماتة السفرجل بمشمش الأيام، تباً لسفرجل الناكرين، لا بد من يوم ينضج فيه سفرجل الأوطان وغيرها، باستثناء النص الأخير إيماءة إلى وميض من الأمل، كما نوّه الصالح إلى إيجاد بداية الحل في نهاية النصوص وإلى عنصر المحاكمة داخل النص، فكتاب أوطان بطعم السفرجل منتج سوري بامتياز، وإنساني بأكثر من امتياز، وتصنف نصوصه على أنها زاوية، والزاوية هي جنس صحفي وليست جنساً أدبياً، ليطرح الصالح تساؤلاً هاماً عن غياب كتّاب العمود في الصحافة السورية من الجيل الجديد بعدما غاب في منتصف التسعينيات تقريباً، وكتاب أوطان بطعم السفرجل يبشر بكاتب عمود قادم.
ويختلف التكروري بالرأي مع الصالح من حيث تصنيف النصوص على أنها زاوية لأنه يشتغل على جنس جديد بالكتابة، وكذلك عن غياب كتّاب العمود فضمن الحضور ما لايقل عن سبعة كتاب-كما ذكر- يملكون القدرة ليكونوا كتّاب عمود، لكن المشكلة بحرية التعبير، ويرى بأن حرية التعبير المحدودة تؤدي إلى حرية تفكير محدود، مقترحاً دعم حرية التعبير، ومؤكداً على أن سورية قادرة على أن تغني الصحافة العربية بكم كبير من الكتّاب.
حرية معقولة لكنها ليست كافية
وقد حظيت جلسة الإصدار بمداخلة د.مهدي دخل الله عضو القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي حول حرية التعبير في سورية موضحاً بأن الذي يطمس حرية التعبير هو الضعيف أما القوي فلا يخاف، مستحضراً المادة الثانية من دستور حزب البعث العربي الاشتراكي “إن حرية التعبير والتجمع والتظاهر حريات مقدسة” وفي الغرب حرية التعبير تدخل ضمن حرية المواطن أي الحريات السياسية، وهذا النص في فكر حزب البعث الذي يعد حرية التعبير أمراً مقدساً فيدخل في حرية حقوق الإنسان، وحقوق الإنسان أسمى من حقوق المواطن.
ويرى د.دخل الله بأن حرية التعبير في سورية معقولة في إطار معين لكن هذا لا يعني أبداً أنها كافية، ويشير إلى النص الثقافي الذي يمتلك القدرة على حرية التعبير بصورة أكبر من النص السياسي، لأن النص السياسي محدد أما النصوص الثقافية فتحمل نقداً كبيراً للأوضاع الحياتية على سبيل الذكر مسرحيات الماغوط ودريد لحام، ويبيّن دخل الله بأن التباين بين حرية التعبير في النص السياسي وبين النص الثقافي ربما يعود إلى أن الثقافة تتحدث عن واقع افتراضي أما السياسة فتتحدث عن واقع حقيقي، ليخلص إلى أن سورية كانت سباقة دائماً بالمجال الثقافي ما يدفع المثقفين لسحب المجتمع السوري إلى حرية التعبير.
استقطاب المبدعين
ودارت بقية المداخلات حول لغة الكتاب المختلفة عن اللغة الأدبية، وأوضح الأديب أيمن الحسن أن النصوص تبشر بباكورة جنس جديد للكتابة، وأشار الكاتب سامر محمد إسماعيل إلى تغييب الكتاب المبدعين عن الصحافة السورية، وتحدثت العميد عدنة خير بيك عن ضرورة استقطاب المبدعين السوريين في كل المجالات.
ملده شويكاني