مجلة البعث الأسبوعية

“داعش” دمرت كامل المنشآت وإعادة المدرسة والمعهد الفندقي خطوة أولى مهمة سياحة دير الزور في “نقطة الصفر.. الأضابير مفقودة ولا استثمارات دون بنى تحتية!!  

“البعث الأسبوعية” ــ وائل حميدي

تشير التفاصيل الخاصة بالواقع السياحي في محافظة دير الزور إلى تراجعه نحو “الصفر” بعد أن كان واقعاً زاخراً بالمنشآت السياحية والأبنية الفندقية وآلاف الوفود، حتى وصل الأمر بأن تكون المحافظة بكاملها – ريفاً ومدينة – خالية من أي فندق سياحي، وهذا أحد أهم المؤشرات السياحية السيئة في المحافظة، ما جعل مديرية السياحة أمام كمّ كبير من العمل والمهام التي نجحت في بعضها وفشلت في بعضها الآخر، لتبقى عوامل النجاح وإمكانية تحقيقها مرهونة بتفاصيل كثيرة، فيما يعود الفشل إلى أمور داخلية خاصة بالمديرية، وأخرى خاصة بواقع المحافظة البنيوي، وأخيراً ما هو متعلّق بإمكانات وزارة السياحة وما تقدمه لمديريتها في دير المدينة.

“البعث الأسبوعية” التقت مدير السياحة بدير الزور محمد رشيد الخلف الذي أشار إلى أن دورها يقتصر على تنظيم العلاقة بين القطاع الخاص وأصحاب المشاريع السياحية من جهة، وبين الوزارة ممثلةً بمديريتها الناظمة لهذا العمل من جهة أخرى. والحقيقة أن غالبية المنشآت السياحية تعود ملكيتها لمجلس المدينة بالدرجة الأولى، ثم مديرية الزراعة، تليها الجهات النقابية والاتحادية؛ وهنا ينحصر دور المديرية بالتواصل مع الجهات المالكة للواجهات السياحية، وأهمها ما هو موجود على سرير نهر الفرات، كونه الواجهة الأمثل للاستثمار السياحي، ثم تنظيم علاقتها مع الوزارة ليكون للمديرية دور المشرف والوسيط معاً، على أن تبقى عائدية المنشأة بالكامل لأصحابها سواء من القطاعين العام والخاص.

 

شبه معدوم

وعن المعالم السياحية، أشار مدير السياحة بأنها كثيرة من الناحية الشكلية، غير أنها تعاني من ضعف أو انعدام في الاستثمار السياحي..!!

ومثلاً توجد في دير الزور حول سرير النهر ثمانون حويجة نهرية، وهي جزر صغيرة محاطة بالماء من ثلاث أو أربع جهات، إضافة إلى الكورنيشَين الممتدين بمحاذاة فرعي نهر الفرات اللذين يخترقان المدينة، إضافة إلى المُدُن القديمة وأسواق الحرف التقليدية، وموقع جبل البشري، وهذه جميعها ذات طابع سياحي بامتياز تتفرد بطبيعتها الجغرافية والجماليّة.

ويضيف مدير السياحة بأن المديرية تنظر في العروض والتفاوضات الخاصة بالاستثمار السياحي وترفعها إلى الوزارة، ومنها إلى رئيس مجلس الوزراء بصفته رئيس المجلس الأعلى للسياحة، وذلك بعد لحظ جدوى وأهمية الاستثمار في العروض المُقدّمة، وينتهي الأمر بتقديم كل ذلك إلى الجهة المالكة مع ذكر التصنيف الذي يبدأ بنجمة، وهو ما تقع رقابته على مجلس المدينة، صعوداً إلى النجوم الخمسة، والتي تعود رقابتها لمديرية السياحة.

 

خطفت العصر الذهبي

يقول مدير السياحة: إذا ما نظرنا إلى الواقع السياحي ما بين فترة الحرب واليوم، فقد كانت المحافظة تعيش عصراً سياحياً ذهبياً تمثّل بوجود ٣٢ منشأة سياحية مصنّفة تعود للقطاع الخاص وحده، إضافة لأكثر من عشرين مكتباً سياحياً، وخمسة وعشرين منتزهاً ومقصفاً، واليوم باتت الأرقام مؤسفة جداً قياساً بما آلت إليه تلك المنشآت، حيث تم تدمير مائة بالمائة من منشآت المبيت الفندقية، لتخرج عن الخدمة بالكامل بفعل الحرب والإرهاب، كما كان يقع ضمن المدينة سابقاً أكثر من عشرين مؤهلاً سياحياً وفندقياً، بما فيها سبعة فنادق شعبية، وهذه أيضاً طالتها يد الإرهاب والتدمير بالكامل.

وبعد خروج كامل تلك المنشآت عن الخدمة، قمنا – والحديث هنا لمدير السياحة – بالتواصل مع أصحابها للنظر بإمكانية إعادة تأهيلها من قبلهم، ومعالجة أوضاعهم من قبل المديرية التي رفعت كشوفاً متعددة للوزارة، للنظر بما يمكن تقديمه في إطار إعادة التأهيل، غير أن الواقع ما زال على ما هو عليه. ومع ذلك، وبعد أن تم تحرير مدينة دير الزور، نهاية عام ٢٠١٧، تمّت إقامة منشأتين سياحيتين، إحداهما فندق والثانية مطعم، بانتظار تأهيل مطعم سياحي ثالث يقع على نهر الفرات، فيما خرج عن الخدمة تماماً أهم معلَمَين فندقيين، وهما “الشام” و”البادية”.

 

ممكن ولكن..!

يقول مدير سياحة دير الزور: إن إهمال سرير النهر خلال سنوات الحرب، وبخاصة في سنوات الحصار المُطبِق على المدينة، أدّى إلى تردّي وضعه كثيراً بفعل غزو الأعشاب وأعواد الزلّ وتراكمات الأنقاض، ما يعني أن الهدف الاستثماري من سرير النهر بات صعباً ما لم يتم البدء بأعمال التعزيل والترحيل من قبل مجلس المدينة، كونه المالك الأكبر للعقارات المحاذية للنهر.. وعملياً، قامت مديرية السياحة بعقد اجتماعات متلاحقة، مع الجهات العامة المالكة للمواقع، لطرح ما لديها من مواقع والنظر بإمكانية وضعها في الاستثمار السياحي من جديد؛ ومع ذلك، فإن الأمر ما زال مبكراً إذا ما نظرنا لأهمية تأهيل البنى التحتية التي تعد العامل الأهم في أي مشروع؛ وللإنصاف، فإن بعض الجهات أبدت تعاوناً نتيجة تلك الاجتماعات على مدى ثلاث سنوات تلت تحرير المدينة من العصابات الإرهابية المسلحة؛ وبناء عليه، قامت المديرية بإجراء كشوف ميدانية على بعض تلك المواقع لمعرفة درجة الضرر وإمكانية إعادة التأهيل.

 

صعوبة تحديد التكلفة

يشير الواقع الإداري لملاك مديرية سياحة دير الزور إلى خلو هذا الملاك من مهندسين مختصين يمكن الاعتماد عليهم في تشكيل لجان فنية لإجراء كشوفات حقيقية على المنشآت السياحية المتضررة، ووضع أرقام دقيقة لتقدير التكلفة المادية الصحيحة للأضرار التي لحقت بها، وهذا ما يجعل إبرام كشوف مالية دقيقة عن مقدار ذاك الضرر صعب جداً مع ما تعانيه المديرية من نقص تام لمهندسين معماريين ومدنيين على ملاكها، وهذا ما حدا بالمديرية اللجوء إلى مديرية الخدمات الفنية أو مجلس المدينة للاستعانة ببعض كوادرها الهندسية، ورغم ذلك وبعد أن تم تشكيل لجان على هذا النحو، فإن تلك اللجان لم تتمكن من وضع ولو أرقام تقريبية بالأضرار التي لحقت بالمنشآت، وتم الاكتفاء بالكشف الحسي وتدوين تفاصيل الضرر وليس كلفته.

 

عبر الهاتف فقط..!.

وإذا كان الحديث عن إمكانية إعادة التأهيل لبعض المنشآت الهامة وارداً، فإن التواصل مع أصحاب تلك المنشآت بات صعباً جداً إذا ما علمنا بخروجهم جميعا من المحافظة أو القطر، لذا اكتفينا (والحديث لمدير السياحة) بالتواصل معهم هاتفياً، واتضح أن بعضهم لديه نيّة فعلية للعودة وإعادة تأهيل منشأته، وباتت العقبة الوحيدة في تأهيل المنطقة التي تتواجد فيها منشأته من ناحية البنى التحتية وإكمال أعمال الصرف الصحي والكهرباء والاتصال وهنا تقف محاولات العودة بحكم عدم الجاهزية البنيوية لما يُشجّع المستثمرين للعودة.

 

العين على الاستثمارات النهرية

سعَت مديرية سياحة دير الزور خلال حضورها الملتقى الاستثماري الأخير لإيجاد طريقة نحو استثمار نهر الفرات وتفعيل ما أمكن من المنشآت أو العقارات التي تقع على سريره، فعلى مستوى الحوائج النهرية التي وصل عددها قبل الحرب لثمانين حويجة فقد برزت بعض المحاولات لاستثمار خمس حوائج منها مؤخراً بانتظار ما ستؤول إليه الأمور، ويعود السبب الحقيقي اليوم لعدم استثمار تلك الحوائج هو عدم وجود مستثمرين، فعلى سبيل المثال تعتبر حويجة صگر الأكبر من حيث المساحة والأهم من حيث الموقع، وتعود ملكيتها لأملاك الدولة والقطاع الخاص، وهذه الحيازة تفرض على القطاع العام المالك لها إظهارها للواجهة على أنها موقع سياحي بامتياز، وحينها تقوم المديرية بتهيئته ووضع المعايير السياحية الوزارية وعرضه للاستثمار للحصول على الترخيص اللازم وتقديم العرض برمّته للجهة المالكة عامة أو خاصة ،لتكون عائدية الأرباح للمستثمر فقط، وما تحصل عليه المديرية لا يتعدى التحصيل الضريبي المنصوص عنه في القانون.

 

أهمية عودة المعهد والثانوية

يقول مدير سياحة دير الزور: في عام ٢٠١٥، وهو عام الحصار الداعشي الأول للمدينة، تعرض المعهد الفندقي والثانوية الفندقية للتخريب والاعتداء، وتم تخصيصهما ببعض الشُعب الصفيّة في مدرسة حميد دكماوي لاستكمال العام الدراسي، وما هي إلا فترة بسيطة حتى فرّ من حصار المدينة غالبية الطلبة والمعلمين إلى الحسكة، وحينها صدر قرار بنقل المعهد والثانوية إلى محافظة الحسكة. وبالفعل، هذا ما حدث، واستكمل الطلبة دراستهم هناك. واليوم، ومع أهمية بدء عودة المشاريع الاستثمارية، باتت الحاجة ملحة لعودة المعهد والثانوية إلى دير الزور، نظراً للحاجة الماسة للاختصاصيين الخريجين منهما، وقد تمت مراسلة الوزارة، ومنها إلى رئاسة الحكومة للنظر بأهمية إقرار عودتهما إلى المحافظة، وهناك وعود قطعية بالنقل وهذا ما نأمله كخطوة هامة للبدء بالعمل الاستثماري بطريقة ناجعة وفعالة.

 

أضابير مفقودة ومشاريع قديمة

وبين الخلف أن المديرية تمتلك بناءً مؤلفاً من ثلاثة أدوار وعلى مساحة واسعة، ويقع هذا المبنى ضمن المناطق الآمنة التي بقيت طيلة سنوات الحرب بحماية الجيش العربي السوري. ومع تصاعد وتيرة القتال خرجت بعض المديريات كمقار أبنية عن السيطرة، ما حدا إلى إصدار قرار بإيجاد مقرات بديلة لتبقى مؤسسات الدولة قائمة ومستمرة بتقديم خدماتها، ما أدى بدوره إلى تجميع بعض الدوائر ضمن بناء مديرية السياحة. ومع دخول المدينة الفترة الأشد قسوة خلال سنوات الحصار الداعشي الثلاث، فقدت غالبية المديريات – المستقرة أو المجمّعة – كوادرها العاملة التي غادرت إلى باقي المحافظات السورية، والأمر نفسه انطبق أيضاً على عدد واسع من ملاك مديرية السياحة. ومع تحرير المدينة من حصارها، بدأت الدوائر المجمَّعة بالتعافي الإداري عبر عودة عمالها وإدارييها بعد سنوات من الغياب.. هذا الوضع أدى إلى فقدان كامل الأضابير الخاصة بالمشاريع السياحية التي كانت قائمة وفاعلة قبيل الحرب، وأدى أيضاً إلى ضياع هوية كافة المشاريع المذكورة، ما صعّب على المديرية إمكانية البدء بإعادة تأهيل تلك المشاريع استثمارياً، ولم تتمكن المديرية لغاية اليوم من استعادة أي من الأضابير، مكتفية بالنُسخ الخاصة بها – حال وُجٍدت – في الوزارة وليس المديرية.

وأشار مدير السياحة إلى أن فقدان الأضابير يعني من الناحية القانونية عدم قدرة المستثمرين على إعادة تأهيل مشاريعهم بعد أن أصبحت من الناحية القانونية والتنظيمية بلا هوية، مؤكداً أن المديرية سطّرت كتباً خاصة بالواقعة، وقامت بكتابة الضبوط القانونية اللازمة، وتم وبالتنسيق مع الوزارة الاكتفاء – كإجراء إسعافي – بما يتوفر من تفاصيل عن المشاريع السياحية التي كانت قائمة في دير الزور، كما تم التواصل مع أصحابها أينما كانوا لموافاة المديرية بما يتوافر لديهم عن مشاريعهم.

 

لا آليات ولا أخصّائيين

من كل ما تقدم، يبدو واضحاً أن مديرية السياحة بدير الزور تمر بأسوأ ظروفها، وبأصعب مراحلها مع ما هو مطلوب منها في إطار تفعيل دورها بالشكل الأمثل وإعادة العمل بما أمكن من المشاريع السابقة لتكون العجلة السياحية قد دارت في مسارها الصحيح، وإذا كانت التفاصيل السابقة تجعل من العمل معقداً وصعباً فإن الحديث عن ملاك إداري “شبه مفقود” للمديرية يزيد من الأمور تعقيداً.

فعلى سبيل المثال كان ملاك المديرية عام ٢٠١٠ خمسون موظفاً، نصفهم من المهندسين والاختصاصيين، واليوم تخلو المديرية من أولئك المهندسين الذين يُعوّل عليهم الكثير من العمل الهندسي الخاص بأي مشروع يريد أن يبصر النور، وبعد تحرير المدينة لم يتقدم أي خريج في مفاضلته للعمل في المحافظة ليُستفاد منه في المديرية.

 

لنا كلمة

حين تغفو محافظة بكامل امتدادها الجغرافي على سرير نهر عظيم، وحين يخترق هذا النهر المدينة بفرعين: صغير وكبير، فإن المنطق يفرض الاستفادة من هذه الهبة الإلهية التي تمنح مناخاً استثمارياً فريداً؛ ومن الطبيعي أن وجود نهر في أي مكان يعني أنه يشكّل عامل جذب استثماري لا منافس له، وهذه حقائق لا تفوت على المستثمرين الذين يعرفون جدوى وأرباح أي مشروع تتم إشادته عند ضفة النهر، ومع ذلك لا يمكن إقناع أصحاب رؤوس الأموال بإقامة مشاريعهم في ظل بنى تحتية متهالكة، طالتها يد الحرب بحقد وقسوة ليكون لإعادة تأهيل البنى التحتية حكاية أشد إيلاماً من حيث الإمكانية المالية والمهنية واليد العاملة، لذا فإن المنطق يقول إن النداءات نحو استثمار النهر لن تلق آذاناً صاغية بلا بنى تحتية فنية وصحيحة، وبلا وجود كهرباء تغذي المنطقة والمشاريع معاً؛ لذا فإن الحديث عن الاستثمار النهري لا طائل منه ما لم يبدأ من تحت الأرض، وهنا يكون لمجلس المدينة المبادرة الأولى والأهم، رغم أن عمل الأخير ما زال متَّشحاً بالتردد والخجل!!