العلاقات الصينية الأمريكية في مرحلة حرجة.. والدخول في مسار بنّاء مهمة مشتركة للبلدين
“البعث الأسبوعية” ــ سمر سامي السمارة
دفعت السياسات التي انتهجتها إدارة ترامب في السنوات الأخيرة، بعلاقات واشنطن وبكين نحو حرب باردة، لتواجه حالياً أخطر أزمة منذ عقود: حرب تجارية، وعقوبات متزايدة، وتصعيد نحو مواجهة عسكرية. وقد أصبحت هجمات واشنطن على شركات التكنولوجيا الصينية شبه يومية، هذا وتتبع الإدارة الأمريكية نهج العقوبات ضد المسؤولين والوكالات الصينية، وطرد الصحفيين، وإدانة لسياسات بكين في منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم، وهونغ كونغ، وبحر الصين الجنوبي، وحتى إغلاق القنصلية في هيوستن. بطبيعة الحال، أدى ذلك كله إلى ردة فعل، فمُنع الصحفيون الأمريكيون من العمل في الصين، وأُغلق مكتب التمثيل الأمريكي في تشنغدو، كما فُرضت عقوبات على المسؤولين والشركات الأمريكية. ومن حيث الجوهر، فقد حلت الصين الآن محل الاتحاد السوفييتي، كخصم استراتيجي وإيديولوجي رئيسي في سياسات البيت الأبيض.
ونتيجة لتعزيز النفوذ السياسي والنمو الاقتصادي الكبير للصين في السنوات الأخيرة، الأمر الذي سمح لها بمناقشة مشاكل العالم مع واشنطن على قدم المساواة في مختلف المجالات، اشتدت المواجهة بين القوتين في عهد ترامب، الإ أنه مع تغير الإدارة في البيت الأبيض، عقدت الأوساط السياسية آمالاً على حدوث بعض التغييرات الإيجابية التي من شأنها تحسين المناخ السياسي الدولي، وارتبطت التوقعات الإيجابية، إلى حد ما، بحقيقة أن جو بايدن بذل جهداً شخصياً لضم الصين إلى منظمة التجارة العالمية؛ وحتى عندما كان نائباً للرئيس، التقى بايدن بالزعيم الصيني شي جين بينغ ثماني مرات. وبحسب بايدن، أعطى الرئيس الصيني في ذلك الوقت انطباعاً بأنه زعيم صلب يشكك في القوة الأمريكية، ويؤمن بتفوق الحزب الشيوعي الصيني. ونتيجة لذلك، أخبر بايدن خلال اجتماع في البيت الأبيض بعد رحلته إلى الصين، مستشاري الرئيس أوباما بأنه “لن يكون هناك نقص في المشاكل مع هذا الرجل”.
بعد أحداث ميدان تيانانمين في عام 1989، بادر بايدن، بصفته عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي، بمشروع قانون لإنشاء منفذ إعلامي ترعاه الدولة من شأنه تعزيز ما أسموه “القيم الديمقراطية” في الصين، وقد نجحت واشنطن في هذا المشروع، في عام 1996، بإنشاء إذاعة آسيا الحرة، والتي لا تزال موجودة حتى اليوم.
الآن، يدعي جو بايدن في العديد من المقابلات بأن الصين هي التحدي الاستراتيجي الرئيسي للبلاد، ويتوعد بفرض عقوبات على وجه إذا لزم الأمر.
في الخامس من شباط، أي بعد أسبوعين من توليه رئاسة الولايات المتحدة، كشف بايدن بعبارات واضحة إلى حد ما أولويات السياسة الخارجية لإدارته أمام موظفي وزارة الخارجية في واشنطن، وذلك من خلال خطاب سياسي بعنوان “أمريكا عادت”. لم يُظهر جو بايدن موقفه العدواني تجاه بكين، كما توقع العديد من المعلقين الغربيين، ولم يتطرق للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين إلا بعبارات عامة جداً، قائلاً إن واشنطن ستواجه “الانتهاكات الاقتصادية والأعمال العدوانية، فضلاً عن التصدي لانتهاك حقوق الإنسان”، سوف نتنافس من موقع القوة”.
والآن، كتأكيد على “موقع القوة” للإدارة الجديدة، صعدت واشنطن في المواجهة مع الصين، إذ قامت بحشد ضخم لقواتها العسكرية قبالة سواحل الصين، بما في ذلك وصول المدمرة رافائيل بيرالتا، والمتمركزة الآن بشكل دائم في القاعدة البحرية الأمريكية في يوكوسوكا في اليابان، منذ 4 شباط، وهذا ما أعلنته قيادة الأسطول السابع للقوات البحرية الأمريكية، والتي أكدت أن “وجود المدمرة رافائيل بيرالتا يعزز الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها، وشركائها، ويحسن القدرة على الدفاع عن المصالح الإستراتيجية”.
في الوقت نفسه، تقوم الولايات المتحدة بشكل واضح بنقل مجموعة حاملات الطائرات من الشرق الأوسط إلى الصين، وعلى وجه الخصوص، تم إرسال حاملة الطائرات التي تعمل بالطاقة النووية “يو إس إس نيميتز”، في 2 شباط، إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ من موقعها السابق في الشرق الأوسط، حيث كانت تتمركز – بحسب ما ذكرته واشنطن سابقاً – “من أجل منع أي تهديد لمصالح الولايات المتحدة من إيران”.
تتجلى الموافقة الصريحة للبيت الأبيض، على مسار البنتاغون التصعيدي للمواجهة العسكرية مع الصين من خلال العبور الاستفزازي الصريح، في 4 شباط، لمدمرة الصواريخ “يو إس إس جون ماكين”، التابعة للأسطول السابع، بواسطة صواريخ موجهة مثل أرلي بيرك عبر الممر المائي الذي يفصل البر الرئيسي للصين وتايوان عشية خطاب بايدن. وكانت السفن الحربية الأمريكية في ظل قيادة ترامب تقوم بشكل دوري بمثل هذه العبور في المضيق، ما أثار رد فعل غاضب من الصين، التي تتمسك بحقيقة أن تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي جزء من أراضيها، وتعتبر بكين أي سفن حربية تمر عبر المضيق دون إذن منها انتهاكاً للسيادة الصينية.
قال يانغ جيتشي، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومدير مكتب الشؤون الخارجية في جمهورية الصين الشعبية، في اجتماع عبر الإنترنت مع اللجنة الوطنية للعلاقات الأمريكية الصينية، في 2 شباط، إن “العلاقات الصينية الأمريكية تمر بمرحلة حرجة، وتواجه فرصاً وتحديات جديدة، لذلك، فإن إعادة هذه العلاقات إلى اتجاه بناء ويمكن التنبؤ به هي مهمة مشتركة تواجه البلدين”.
وبحسب يانغ جيتشي، فإن مسألة اختيار المسار الذي ستسلكه العلاقات الثنائية تشكل مصدر قلق للأمريكيين والصينيين والمجتمع الدولي بأسره. مضيفأ: “هناك العديد من الفرص المتاحة أمام الصين والولايات المتحدة للتعاون في مكافحة الوباء، والتعافي الاقتصادي، وتغير المناخ، ومجالات أخرى”.