ثقافةصحيفة البعث

ريم قبطان: نحتاج إلى العشق الصوفي للارتقاء بالفن

والله ماطلعت شمس ولا غربت/إلا وحبك مقرون بأنفاسي

مطلع قصيدة الحلاج بالعشق الصوفي التي أغرت الموسيقيين والمطربين لغنائها، وصدح بها مؤخراً صوت التينور اللبناني غابرييل عبد النور، وجسدتها التشكيلية ريم قبطان بالمزج بين رسم المولوية وبين الحروفيات والزخرفيات، في معرضها الذي أقيم في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- بعنوان (عشق) ونقشت فيه أجمل أشعار العشق الصوفي، فتألقت مفرداتها باللون الأزرق المرتبط بالسماء الدال على السكينة، إضافة إلى التوشيح بالأحمر في مواضع إيماءة إلى النفس الملهمة.

*بعد المنمنمات والزخرفيات كيف راودتك فكرة العشق الصوفي وجعلت شخصية المولوي بطل لوحاتك؟

حضرت الفكرة أثناء بحثي عن أشعار ومقولات لأكتبها، فاستهوتني الجمل التي تحمل فكر الصوفية وروحانياتها، ثم دخلت بالبحث العميق بعوالم الصوفية وقرأت الكثير طيلة سنتين ونصف السنة عن الحلاج وابن الرومي والكثير من المتصوفة وجعلت المولوية المحور الأساسي باللوحة لاسيما أنها ركن من أركان الصوفية بجلسات الذكر والتجليات، وأعتقد أننا كلما تعمقنا بالقراءات الصوفية نجد أنفسنا نبحث عن المزيد عن أسرار العشق الإلهي والتواصل الروحي مع الخالق عزّ وجل كما قال الحلاج:

مالي بغيرك أنس/إذ كنت خوفي وأمني

وأضافت: لم يكن هدفي من المعرض إظهار الأشعار الصوفية فقط، وإنما أردت أن نستشف منها ما ينعش أرواحنا المتعبة ونوظّفها على أرض الواقع بتمثل القيم السامية لحب التصوف بنشر المحبة والتعاون والارتباط الأسروي، فنحن الآن نعيش ذيول الحرب وبحاجة إلى الارتقاء بالنفس البشرية بالفن كي نملك القدرة على الارتقاء بالعلاقات الاجتماعية، والتجاوز والتواصل المجتمعي، فالعشق الإلهي يحمل أنواعاً عديدة من المحبة التي تحمل رسالة السلام.

*بدت شخصية المولوي بأوضاع مختلفة ابتداء من التجليات الإفرادية وصولاً إلى تجسيد جلسات الذكر بماذا يوحي هذا الترتيب؟

من خلال بحثي بالكتب والصور كونت أفكاراً أوحت لي بإيحاءات حركات المولوية أثناء الرقص كي أجسد جزئياتها ضمن تكوينات اللوحة بالدوران أو الصلاة أو رفع الأيدي للمناجاة الإلهية حتى جلسات الذكر الجماعية. وحينما بدأت بتنفيذ مشروعي بالفن التشكيلي جسدت في كل لوحة طريقة معينة من طرق الصوفية وحركاتها، وتدور الفكرة الأساسية لرقص المولوية حول رفع اليد اليمنى باتجاه الأعلى لتأخذ الطاقة الإيجابية من الله تعالى، أما اليد اليسرى فتسدل باتجاه الأرض إيماءة إلى تفريغ كل ما هو سلبي إضافة إلى الدوران حول محور الكون وهنا يتجلى التواصل مع الإله عزّ وجل. كما في لوحة الروح:

فكيف تكف الروح عن الروح/والروح في الروح تقيم

وفي لوحة الدعاء للشام رسمت التكية السليمانية يتوسطها المولوي رافعاً يديه بالدعاء لمباركة الشام في نهاية الأزمة السورية وتفاقم انعكاساتها وحاجتنا إلى الدعاء، وأظهرت في لوحة الدراويش الاختلاف بين ألوان الأثواب التي تدل على المقاربة بين الجميع، وفي لوحة جلسات الذكر اعتمدت على اللون الرمادي القاتم، مع التركيز في كل أعمالي على طربوش المولوي ووظّفته في لوحة التأمل “مالي بغيرك أنس” للنقش عليه وعلى ملامح الوجه بالزخرفيات، وبوضعية أخرى للتجلي الإفرادي استخدمتُ خط الثلث بتجليات هالة من حرف الواو.

*أفردت مساحة لتجسيد حالات نسائية صوفية باختلافات واضحة من حيث التشكيل فما الدوافع لذلك؟

في تراثنا الإسلامي والحضارات الشرقية يوجد حضور قوي للمرأة بعوالم الصوفية ففي إحدى اللوحات جسدت مقولة الرومي “هي امرأة من نور” أما بورتريه المرأة بالخمار الأسود فركزت فيها على نظرة العين الموحية بالسكينة والصفاء ودوّنت بيتاً من قصيدة سلطان العاشقين ابن الفارض:

لم أقض حق هواك إن كنت الذي/لم أقض فيه أسى ومثلي من يفي

وأضافت:قدمت أعمالي بشكل تعبيري ولم أركز على الوجوه والأيدي وإنما على الحركات والرقص وروح فلسفة المفردات المنعكسة على فضاء اللوحة دون إيضاح التفاصيل لملامح الوجوه، أما بالنسبة للنساء فحاولت إظهار جمال الأنثى وتوظيفه وفق خصوصية العمل، حين رسمت البورتريه، أما في اللوحات التي كانت فيها المرأة ضمن تكوينات اللوحة فجسدتها بملامح بعيدة، وقد تعددت حالات العشق النسائي الصوفي مثل لوحة العازفة إذ تظهر فيها الأنثى تعزف على آلة فارسية قديمة تشبه آلة البزق وتغمض عينيها، وكتبت عليها ما قاله الرومي: لا أراك بعيني ولكني أراك بقلبي

*في لوحاتك حمام وكنار لكن الطاووس طغى على بعض اللوحات فماذا يعني لك؟

على مر العصور وبمختلف الحضارات يعد الطاووس أرقى الطيور وأجملها وكان له دور كبير بالاقتران بفن الزخرفة، لاسيما أن فن الزخرفة يعتمد على الدوائر فيقارب من زاوية ما الروحانيات الصوفية.

*ما التقنية الجديدة التي استخدمتها؟

لقد جمعت بين الأكليريك والزيتي كوني أعمل على تقنية التعتيق، ففي أماكن أشتغل بالإكليريك وأخرى بالزيتي ثم التعتيق بالقماش أو الفرشاة أو باستخدام أدوات مختلفة، وتميز المعرض بلوحات استخدمتُ فيها الأحبار على القماش مباشرة دون أن أخطط الكتابة ثم أطبعها ثم ألونها، اعتمدت على الأحبار الإيرانية ومددتها بنسب معينة ووضعت اللوحات على الأرض وكتبت بالقصبة بقياسات متنوعة، فاعتقد أغلب الزائرين أنني كتبت بالمائي، وهذه تجربتي الأولى بالكتابة بالأحبار على القماش دون ترتيش، فارتسم الحرف بشفافية ولامس روحي بشغف بشكل انطباعي، كما في اللوحة الثنائية ذات الهالات الحمراء والصفراء رسمت دوائر بالقلم الرصاص ثم درتُ حول اللوحة وأنا أكتب وأنقش الحروف.

*كيف كانت أصداء مشروعك بالدمج بين التشكيل والحروفيات لدى الزائرين؟

تباينت الآراء فكثيرون تابعوا تجربتي بالزخارف والمنمنمات والحروفيات، وآخرون أحبوا الجانب التشكيلي لكنني كنت سعيدة بآراء من أعجب بمشروعي الجديد بالمزج بين التشكيل والحروفيات بالكتابة على الثوب، أو بالظلال التي جاءت من روح لون الخلفية، أو على أحد التفاصيل مثل طربوش المولوي المسمى- الكلاه-، وكنت مترددة بالإقدام على تنفيذ هذه النقلة بمساري الفني بعد معرضي الإفرادي في دار الأوبرا الذي التزمت به بالزخرفيات والطبيعة الصامتة، وقد وجدت نفسي بالمزج بين الزخارف والحروف والتشكيل، وهذا شغفي.

ملده شويكاني