مجلة البعث الأسبوعية

التعليم المدرسي الخاص.. مطالب تعجيزية وتحكم بشروط التراخيص خدمة لاحتكارات استثمارية

“البعث الأسبوعية” ــ ابتسام المغربي

التعليم استثمار طويل الأجل، ولأنه قطاع يشكل رافعة لقدرات المجتمع تتعدد الآراء والنظريات حول دور الحكومة في تحديد الموجهات الأساسية التي تحكم عمله، من إلزامية التعليم، مروراً بالمناهج المقررة لمختلف المراحل، إلى التحكم بشروط بناء المقرات التعليمية ومساحتها ونمطها، إلى تحديد شروط التعليم الخاص.

وقد واجه العمل في قطاع التعليم الخاص الكثير من المحددات التي قلصت إمكانية إحداث مدارس جديدة لعدم توفر الشروط المساحية داخل المدن، لتتحول المدارس إلى الأرياف بما يشكله ذلك من تعد على المناطق الخضراء، ومتاعب في نقل الطلاب وإضاعة الوقت الطويل في ذلك؛ وفوق كل هذه المشكلات، غلّب بعض المدارس هدف الربحية، من خلال استحداث أنشطة وإقامة مطاعم صغيرة واستثمارها والإمعان في زيادة الأقساط التي باتت عبئاً على الأهل، ولو قارنا في التكاليف بين القطاعين العام والخاص نجد أن تكلفة التلميذ في المدارس العامة تصل إلى ٦٠٢٨٢ ليرة، بما لا يقارن بتكلفة التلميذ في المدارس الخاصة، عدا عن الشروط التعجيزية التي تعمل على الشكل على حساب المضمون والسوية التعليمية، بما قد يعرقل أخيراً تطور التعليم الخاص ذاته.

ولكن السؤال يطرح نفسه: هل كان هناك من كانت له مصلحة خاصة فحرض على اصدار القرار 872 الذي حدد مساحات المدارس داخل المدن وفي الأرياف، وساهم بذلك بنشوء احتكار استثمار التعليم وتحكم شريحة صغيرة جداً بالمدارس الخاصة وسوية التعليم فيها؟ ولماذا هذا التحكم بالشروط الترخيصية، في حين يغيب الاهتمام بسوية التعليم والواجبات المتربة على التطلع إلى تعليم متطور.

 

مبررات غير مقنعة

وحول اسباب تخصيص مساحة ١٠٠٠ متر داخل مشق، و٤٠٠٠ في الأرياف، وحيز المدن لبناء المدارس، أكد الأستاذ معاون وزير الإدارة المحلية، معتز قطان، أن المساحة يتم اقتطاعها من المناطق المنظمة، ولا تؤثر على المناطق الخضراء، وينظم العمل في ذلك القرار ٨٧٢ للعام ٢٠١٠، الصادر عن الإدارة المحلية، أما لجهة نمط عمران المدارس فذلك يتم من خلال مراعاة النواحي البيئية وشروط العمران المحيطة.. ووزارة التربية لها القرار بذلك، حيث تراعى شروط العمران من حيث الشمس والهواء واحتياجات قاعات الرياضة والصفوف والأنشطة والإدارة.

 

الوحدات الإدارية

من جهتها، ردّت الإارة المسؤولة عن التعليم الخاص في وزارة التربية أن المرسوم التشريعي المتعلق بالتعليم الخاص لم يشترط المساحة للموافقة على الترخيص كمؤسسة تعليمية خاصة، بل اعتمد على تحديد المساحة المخصصة لكل تلميذ ضمن الغرفة الصفية والباحة والمرافق، إضافة إلى التجهيزات الواجب توفرها في كل مؤسسة، حسب نوع المرحلة التعليمية التي تمثلها. ولكن، ولأن موافقة الوحدة الإدارية التي تقع فيها المدرسة هي إحدى الشروط اللازمة للترخيص، جاءت موافقة الوحدات الإدارية على المواصفات التنظيمية الواردة بالقرار872/ ق، عام ٢٠١٠، والذي أكد على ألا تقل مساحة العقار عن ١٠٠٠ متر لإحداث مدرسة خاصة، وعرض وجائب لا يقل عن خمسة أمتار.. هذا في المناطق المنظمة؛ أما في المناطق خارج التنظيم فالمساحة محددة بـ ٤٠٠٠ متر وعرض وجائب لا يقل عن عشرة أمتار، وبهذا يخالف هذا القرار مفهوم التخطيط الذي يؤكد على أن يكون قابلاً للتطبيق واقعياً من حيث توفر المساحة والقدرة الاقتصادية لدخول مدارس جديدة، وهو ما لا يتوفر الآن..

 

خيار شخصي

وحول وجود التراخيص الجديدة في ريف دمشق رغم صعوبة المواصلات، كانت الإجابة أن دور الوزارة محصور بمدى تطبيق الشروط، ولا دخل لها بتحديد المكان؛ وحول صعوبة المواصلات كان الرد أن الوزارة ملزمة بتطبيق التعليم المجاني في المدارس الحكومية، وخيار التسجيل بالخاص شخصي.

وحول ما يشاع من أن بعض أصحاب المدارس الخاصة يمتلكون القدرة على التحكم بشروط إحداث المدارس، بحيث لا تنطبق إلا على مدارسهم، كانت الإجابة أن أصحاب المدارس الخاصة لا دخل لهم بوضع القانون الخاص بالتعليم الخاص، ويتم ذلك وفق الأصول والأطر الناظمة للمراسيم.

وهذا الكلام فيه كثير من الصحة، لكننا نشير إلى اللجان المؤلفة في الوزارة، والتي من ضمن أعضائها ممثلون عن المؤسسات التعليمية الخاصة وهي تفرض عقوبات على المدارس الخاصة الأخرى، ويلاحظ عدم وجود سياسة واضحة تحدد كيفية انتقاء هذه اللجان وترك العضوية مفتوحة فيها!!

مع تأكيد إدارة التعليم الخاص في الوزارة على أن أهم التحديات التي تعترض العمل التربوي في هذا القطاع يتعلق بأن أصحاب المدارس يعملون في إطار من السعي للربح السريع على حساب العملية التربوية، كما أن الكثافة الصفية زادت لظروف الأزمة ما انعكس سلباً على العملية التعليمية، ولذلك زادت القدرة الاستيعابية في المدارس الخاصة على الرغم من الرقابة المكثفة؛

ولكن بقيت الثغرة التي تتعلق بالعقوبات وتحصيل قسم لا بأس به منها لبعض موظفي التعليم الخاص، وهذاكان وراء حدوث مشكلات كبيرة في التعليم الخاص والعقوبات التي يتم فرضها.

 

قانون

وبالنهاية، ترى الإدارة الخاصة بالتعليم الخاص في وزارة التربية أن تطوير القطاع الخاص يتطلب إعادة النظر بقانون التعليم الخاص ووضع أسس قانونية للتوسع بإتاحة الترخيص في مناطق العشوائيات وتسوية أوضاع المدارس غير المرخصة من خلال تراخيص مؤقتة، إضافة إلى تصنيف المدارس الخاصة وتحديد أقساطها وفق درجات التصنيف، والأهم إعادة النظر بشروط التراخيص العمرانية ومراعاة الطبيعة الجغرافية والعمرانية لكل محافظة، والأهم إخضاع الطلاب لاختبارات تتم بإشراف وزارة التربية لقياس مؤشرات جودة المنتج التعليمي في المؤسسات التعليمية الخاصة.

 

الحاجة إلى رؤية

لا أحد ينكر حاجة التعليم إلى دخول الاستثمار الخاص، لتحسينه وتطويره وليس لتحويله إلى مشروع احتكاري، وتوجه بعض إداراته باتجاه تكريس الاحتكار، وليس تطوير التعليم. وفي ظل الواقع الصعب الذي تعيشه المدارس العامة، وارتفاع عدد الطلاب في الصفوف بشكل كبير، وبروز مشاكل تتعلق بالبعد الاجتماعي، لا بد من تدخل الوزارة لجهة تأهيل المدرسين والمدراء والموجهين، وتطبيق القوانين الناظمة للعمل التعليمي وتطويرها وإلغاء المحسوبيات التي يطغى عملها في القطاع التربوي، والأهم، الالتفات إلى أهمية تطوير النموذج العمراني المعمول به لمدارسنا، والذي لم يخرج عن مبدأ أسقف وجدران وباحة كبيرة وصفوف إدارة واسعة جداً وصفوف عالية الأسقف في مدارس كثيرة، دون أية دراسة لأثر استنزاف موارد التدفئة (إذ لا يمكن للطالب أن يتعلم بالبرد، ولا لأستاذ أن يعلم بالبرد) ولا دراسة لحركة دخول الطلاب وخروجهم التي نرى منها العجب في مدارسنا…

كل ذلك يؤكد ان القطاع التعليمي لم يعد رافعة للمجتمع، بل اصبح واقعاً تغول فيه المستثمرون، وغاب عنه الاشراف الفعلي الذي يؤكد أن الهدف هو ابقاؤه رافعة وليس بنكاً للأرباح في مشاريع وعقود واستثمارات.. ولو راجعنا “الأرقام” التي تصرف على هذا القطاع وخلفياته ومخالفاته، لعرفنا كم خسرنا – ونخسر – في التعامل مع هذا القطاع بذهنية المنفعة والاستئثار..