دراساتصحيفة البعث

بايدن يعيد تدوير صقور أوباما

علي اليوسف

لم يكن مستغرباً أن يعيد جو بايدن تعيين صقور عهد أوباما في مناصب عليا، كيف لا وإدارة بايدن هي ارتداد لعهد أوباما/ كلينتون، اللذين بشّرا بعهد جديد من الحروب ضد كل من يتحدّى سرديات المؤسسة الأمريكية.

هذا “اليسار” الأمريكي أجاز موجات من حملات الهيمنة العسكرية التي كانت مدمّرة ليست لسورية فقط، بل للمنطقة بأكملها، وجو بايدن نفسه ليس غريباً عن التدخل العسكري الأمريكي غير القانوني في العراق، فقد كان من أشد المؤيدين للحرب على العراق في عام 2002، على أساس كاذب “أسلحة الدمار الشامل”، وهو الذي سوّق موجبات الحرب على أنها “مسيرة نحو السلام والأمن”، لكن ما تلاها لم يدلّ على السلام والأمن لملايين العراقيين، وخاصةً مع حملة بوش “الصدمة والرعب” التي أعقبت ذلك. كان دور بايدن محورياً في تأمين دعم مجلس الشيوخ لبوش لخوض الحرب.

كان بايدن على دراية واسعة بأن دول الخليج والنظام التركي والأردن كانوا يسلحون ويموّلون الجماعات الإرهابية التي وفدت إلى سورية. وحين بدأ برنامج Timber Sycamore التابع لوكالة المخابرات المركزية بنقل الأسلحة ومليارات الدولارات من المساعدات إلى ما يُسمّى “المعتدلين” التابعين لـ”القاعدة وداعش” في سورية، كان بايدن نائباً للرئيس أوباما.

لذلك ليس من قبيل المصادفة أن يتمّ الإبلاغ عن عودة ظهور “داعش”  واعتداتهم على المدنيين وعناصر الجيش العربي السوري، في الوقت الذي كانت فيه إدارة جو بايدن تتولى السلطة في واشنطن. وحتى قبل أيام قليلة من تنصيب بايدن، كانت هناك تقارير متضاربة عن حشود عسكرية أمريكية في الجزيرة السورية، ما يعني بالضرورة أنه مهما حدث في الفترة التي سبقت تغيير السلطة في واشنطن، فإن الحقيقة هي أن هذه المنطقة كانت بالفعل محتلة، وتتعرّض للنهب من قبل قوات التحالف الأمريكية ووكلائها الانفصاليين.

من هنا لا ينبغي أن يكون إحياء “داعش” بمثابة مفاجأة لمحلّلي الأزمة في سورية، ففي كانون الأول 2018، أعلن دونالد ترامب بشكل غير متوقع أنه سيسحب القوات الأمريكية من سورية، لكن صقور الحرب في إدارة ترامب عرقلوا خطط الخروج. ولهذا فإن الموجة الأخيرة من عمليات “داعش” تمّ تحديدها في توقيت مناسب، وهو تسهيل زيادة العدوان على سورية ومضاعفة الوجود العسكري الأمريكي في العراق المجاور. لذلك يجب دائماً النظر إلى عمليات “داعش” كخطوة وثيقة مع السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، خاصةً وأنه لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة كانت منذ فترة طويلة تنقل إرهابيي “داعش” عبر الحدود إلى العراق، حيث يتمّ تحديثهم وتجهيزهم قبل أن يعودوا إلى سورية كـ”داعش العظمى” في محاولة للحفاظ على استمرار زعزعة الاستقرار في سورية.

الجميعُ يعلم أن بايدن يحظى بالدعم الكامل من وسائل الإعلام لحشد الدعم العام لسياساته العسكرية، بينما كان ترامب هو المطرقة الاقتصادية، المكلف بتحويل سورية إلى دولة فاشلة اقتصادياً، محرومة من الموارد، مدفوعة بانعدام الأمن الغذائي من خلال استهداف الزراعة والبنية التحتية للإمدادات الغذائية، أي إن بايدن هو آلة الحرب التي كان المحافظون الجدد ينتظرونها بصبر.

صقور الحرب

اختار بايدن ويليام بيرنز مديراً لوكالة المخابرات المركزية، وفي كتاب بيرنز “القناة الخلفية: مذكرات الدبلوماسية الأمريكية وحالة تجديدها”، دعا إلى استخدام القوة الناعمة وربط فن الحكم بعربة العمليات شبه العسكرية السرية وجمع المعلومات الاستخبارية. يوصف بيرنز بأنه دبلوماسي محترف يعتقد أن الدبلوماسية والتجسّس وجهان لعملة واحدة. بيرنز هو دبلوماسي أمريكي من المدرسة القديمة وله علاقات وثيقة بـ هيلاري كلينتون.

أيّد بيرنز التدخل الأمريكي في ليبيا، وهو يأسف لعدم السماح بتدخل عسكري أمريكي مباشر في سورية. وفي مقابلة عام 2019 في مؤتمر مركز “ترومان” حول القيادة العالمية للولايات المتحدة، زعم أنه كان يجب زيادة الدعم العسكري لـ”المعتدلين” في سورية، وعدم وضع خطوط حمراء للتدخل العسكري المباشر.

على الرغم من تحفظه السابق بشأن التدخل في العراق، فإن بيرنز ليس رئيساً للمخابرات من شأنه أن يجادل الدبلوماسية حول النزعة العسكرية، لكنه سيحافظ على وعد بايدن بأن “أمريكا عادت ومستعدة لقيادة العالم”.

اختار بايدن سامانثا باور-الممثلة الأمريكية السابقة في الأمم المتحدة أثناء إدارة أوباما- رئيسةً للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)- وهي في الحقيقة أداة واشنطن للتجسس- وبما أن ميزانية هذه الوكالة تزيد عن 27 مليار دولار تجعل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية واحدة من أقوى وكالات “المساعدات” في العالم اليوم، فهي تمثل أكثر من نصف المساعدات الخارجية الأمريكية، والتي تحت ستارها يقدم الدعم للإرهابيين.

كانت سامانثا باور من أشد الأصوات المعادية للدولة السورية الوطنية خلال رئاسة أوباما، لقد كانت سفيرة للأمم المتحدة وسوّقت أكاذيب “السلاح الكيميائي” مدعومة بشهادة من عملاء “الخوذ البيضاء”، المرتبطين بالمخابرات البريطانية والأمريكية وبالجماعات الإرهابية. كما منح بايدن باور مقعداً في مجلس الأمن القومي، الأمر الذي يجعلها قريبة من مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وعلى مقربة من مدير وكالة المخابرات المركزية بيرنز، الأمر الذي من شأنه أن يشكّل تحالفاً قاتلاً لمصلحة سياسة العدوان. كان توجيه الأمن القومي الأخير بشأن القيادة الأمريكية العالمية فيما يتعلق بأزمة Covid-19  فرصة واضحة لواشنطن لمراجعة العقوبات غير الشرعية واللاقانونية التي فرضتها الإدارات السابقة على سورية. يقول بيتر فورد، سفير المملكة المتحدة في سورية بين عامي 2003 و2006: “مع قيادة سامانثا باور للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.. أخشى أن تكون معركة لكسر الدولة السورية”.

خاتمة

مؤخراً ظهر تقرير بعنوان “الولايات المتحدة بحاجة إلى سياسة جديدة بشأن سورية” على شكل خريطة طريق معاد كتابتها، لكن الظاهر أن خريطة الطريق هذه قد تكون خادعة. هي في الواقع ليست أكثر من محاولة تكتيكية لتبييض وحشية العقوبات الاقتصادية. وأما الخطير في هذا التقرير فهو يحاول إحياء خطط التقسيم، التي وضعها جزئياً جيفري فيلتمان، السفير الأمريكي في بيروت من 2004 إلى 2008.

كما تصف ورقة السياسة العامة الصادرة عن مؤسسة “راند” بعنوان “الاحتشاد ومستقبل الصراع” التكتيكات المحتملة التي ستنشرها إدارة بايدن، باستخدام وكلائها المتعدّدين لتنفيذ هجمات معزولة على البنية التحتية الأساسية والأهداف العسكرية والمدنية السورية من أجل الحفاظ على عدم الاستقرار وزيادة الضغط على سورية، شعباً وجيشاً وقيادة. ما يعني أن بايدن لن يغيّر سياسة دعم الإرهاب التي استمرت 10 سنوات، بل سيستغل العقوبات التي فرضتها الذراع الاقتصادية الأمريكية، للهيمنة الكاملة على المنطقة، لذلك لا شك أن المنطقة مقبلة على مستقبل مجهول تحت قيادة بايدن.