ملفات ساخنة تحت قبة الفيحاء.. ماذا ينتظر اتحاد كرة القدم: العزل أم الاستقالة؟!
“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار
الأحداث الأخيرة في الدوري الكروي بكل الفئات والدرجات باتت تحتاج إلى وقفة جادة من المعنيين على الكرة السورية بشكل خاص.
والملاحظات تكررت حول قدرة الاتحاد الحالي على قيادة الكرة السورية مع الإشارة إلى أن البيت الداخلي متصدع، وبات بادياً للعيان أن اتحاد الكرة منقسم على نفسه، وأن هناك أعضاء لا علاقة لهم بالعير ولا بالنفير.
وهذه ملاحظة مهمة لأن رؤية البعض من أعضاء اتحاد كرة القدم لمهامهم تأتي من كونهم مندوبين لأنديتهم فقط، فتراهم يجتهدون لمصلحة من يلوذ بهم، وأعضاء آخرون يكتفون بالغنائم التي يحصلون عليها جراء مراقبة المباريات أو الإشراف على بعض المنتخبات، لذلك لا نجد المخرجات في اتحاد كرة القدم شافية ووافية، حتى العقوبات الانضباطية فإنها تكال بأكثر من مكيال فنجدها متفاوتة من ناد لآخر ومن مدرب لآخر ومن لاعب لآخر.
وعلى سبيل المثال، عوقب مدرب بالإيقاف لمدة عام ومدرب لنهاية الموسم ومدرب لمباراة أو لمباراتين، والعقوبة هنا متنوعة بمدتها رغم أن المخالفة واحدة وهي الاحتجاج على الحكم والاعتراض على قراراته، وقد يكون أحد المدربين “أطول لساناً” من غيره، لكن لا يعني هذا بالضرورة أن تكون العقوبات متفاوتة بهذا الشكل، والكلام هنا ينطبق على رؤساء الأندية والإداريين ومن في حكمهم.
وما يحكم هذه العقوبات ليس اللائحة الانضباطية إنما هوى القائمين عليها، وهناك من يفصّل العقوبات حسب الدعم وهو الأهم وحسب الولاء وهو في الدرجة الثانية، ومن يكون خارج هذا التقييم فالعقوبات قد تنهيه.
لذلك فإن أهم مشاكل اتحاد كرة القدم هذا التباين في القرارات الذي أدى إلى غضب الأندية مجتمعة، فلا يوجد أي ناد إلا وله مشكلة عند اتحاد كرة القدم سواء ناتجة عن عقوبة ظالمة بفحواها أو قرار غير مناسب.
اللائحة الانضباطية
منذ زمن واللائحة الانضباطية في اتحاد كرة القدم مخترقة، والسبب أن الكثير من موادها فضفاضة وتحتمل أكثر من تفسير وتأويل، وهذه الثغرات لا يمكن ردمها أو إصلاح عيوبها لأن كل الاتحاد الاتحادات المتعاقبة تريدها هكذا ليتم تفصيل العقوبات حسب رغبة وتوجهات اتحاد كرة القدم.
والملاحظة الأهم التي لا بد أن نوردها هنا أن ضبط كرة القدم ونشاطاته بالمباريات الرسمية لا يمكن أن يحدث دون ضبط مواد اللائحة الانضباطية، ولأن الدوري الكروي في سورية بدأ قبل خمسين عاماً، فإن كل المخالفات والحالات النادرة وغيرها ظهرت في هذه المواسم، وبالتالي فإن أي حالة تحدث في الدوري يجب أن يكون مقابلها مادة انضباطية بحيث يعرف المخالف حكمه مباشرة ولا داعي للتأويل أو الاجتهاد إلا بحالات لم تحدث مسبقاً ولعمري ستكون حالات نادرة جداً.
قضية معقدة
ما حدث في قضية عقوبة فريق جبلة بلقائه مع حرجلة أمر يندى له الجبين، ونحن هنا نتكلم بكل حيادية ولا شأن لنا بما حدث مع الحكم أو مع حرجلة أو مع جبلة، يعنينا بالموضوع موقف اتحاد كرة القدم والقرار الذي أصدره وعلام استند إليه، الموضوع أخذ بعداً كبيراً واتحاد كرة القدم استفاض في التحليل والتحميص والتدقيق والتفتيش واستعان بالحكام والمراقبين وتقرير مخفر الشرطة وعلى ضوء ذلك أصدر قراره.
القرار طواه المكتب التنفيذي من خلال التمايز الذي تقدم به فريق جبلة، وقد كسبه، لذلك نحن أمام موضوع فيه حلقة مفقودة، من الضروري أن يظهرها اتحاد كرة القدم.
فإما أن حُكم اتحاد كرة القدم لم يستند إلى القوانين والأنظمة ولم يجتهد في الحالة كما يجب وأصدر حكمه دون تدقيق، وإما أن المكتب التنفيذي كانت له وجهة نظر أخرى حسب المعطيات التي أمامه، وبالحالتين فإن اتحاد كرة القدم مخطئ، وهذا الخطأ جسيم، ومن المفترض أن يقدّم اتحاد كرة القدم استقالته وهذا أقل شيء يجب أن يفعله ليس حفاظاً لماء وجهه بل لأن أخطاءه تكررت كثيراً منذ استلامه قيادة الكرة السورية.
مواجهة خاسرة
الأخبار الأخيرة الواردة من داخل قبة الفيحاء أن اتحاد كرة القدم رفض التمايز الصادر عن المكتب التنفيذي ما يعني ذلك وقوع مواجهة غير محمودة العواقب، وخصوصاً أن اتحاد كرة القدم محمي بالفيفا حسب القوانين الدولية، فهل سنشهد مواجهة حقيقية أم إن الأمر لا يعدو أكثر من كونه تهديد مبطن.
المشكلة في الموضوع أننا لم نعد نثق باتحاد كرة القدم ولا نثق بقدرته على المواجهة مع القيادة الرياضية، وبالوقت ذاته فإن من يصدر القرارات يصيب ويخطئ، بدليل التراجع عن عقوبة محمود اليونس لاعب الكرامة.
بغض النظر عن هذه العقوبات وتلك وصوابيتها من عدمها فإن أصابع الاتهام ما زالت توجه إلى لجنة الانضباط التي تدافع عن قراراتها التي تطابق ما يكتبه المراقبون والحكام في تقاريرهم، لكن هناك وسائل أخرى ممكن أن تتأكد اللجنة منها عبر أشرطة الفيديو للمباريات ليكون مستنداً داعماً لقراراتها، على سبيل المثال عاقبت لجنة الانضباط فريق العربي لأن جمهوره حاصر الحكام أكثر من ساعة بعد لقاء العربي مع المحافظة بدوري الدرجة الأولى، المباراة جرت بلا جمهور، فأي جمهور حاصر الحكام، وكم عددهم؟ هنا المسألة التي تحتاج إلى تدقيق قبل اتخاذ قرار متسرع، لأن مهمة لجنة الانضباط إحقاق الحق وتكريس العدالة بين الفرق وكل كوادر اللعبة.
وهذا الأمر يقودنا إلى آلية التعامل مع الحكام والمراقبين، فهل كلهم ثقة؟ ما يرشح إلينا أن أغلب المراقبين هم ممن يملكون دعماً من اتحاد كرة القدم بغض النظر عن الكفاءة والخبرة، وهذا أمر مهم يجب دراسته جيداً لأنه يعقدّ المسألة، فالجهل بالموضوع لا يمكن أن ينتهي على خير، لأن البداية الخاطئة تؤدي إلى نهاية خاطئة إن لم تكن كارثية.
أما حكام كرة القدم فهم نوعان، قسم مدعوم وذنبه مغفور، وقسم يعيش على الفتات من المباريات، على سبيل المثال أحصوا لبعض الحكام المدللين أنهم قادوا أربع مباريات في أسبوع واحد بين الدوري الممتاز ودوري الدرجة الأولى بعيداً عن دوري الفئات، هذا الضغط من المباريات قد يؤدي إلى وقوع الحكم من الأخطاء بداعي الإجهاد الذي يخلّف عدم التركيز، وقد يجعل الحكم مستهتراً لأن إحساسه بالمساندة يجعله غير مبال بأي قرار يتخذه.
من جهة أخرى فإن هذا الأمر يضعف روح العزيمة عند بقية الحكام الذين يشعرون بعدم الاهتمام والرعاية.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن ظاهر الاعتداء المباشر على الحكام تنامت واستفحلت وباتت بحاجة إلى حلول جذرية، لأننا نشعر أننا نعيش في غابة يتصرف بها الغوغاء على هواهم، وهذا يؤدي بمجمله إلى أن الروح الرياضية فقدت وأن قدسية الرياضة انتهكت، ما يدل على أن أنديتنا تفتقد إلى الثقافة الكروية وأن البعض يفتقد إلى الأخلاق الرياضية، ولا بد في مثل هذه الحالات من البتر، ومن المفترض ألا تكون العقوبات موجهة إلى المخالفين من اللاعبين أو الكوادر الرياضية فحسب، بل يجب أن تمتد إلى الأندية ذاتها لتكون العبرة مؤثرة من هذه المخالفات، فالمخالف ينتمي إلى ناد وهو مسؤول عن المخالفين وعليه أن يتحمل معهم المسؤولية.
غموض كبير
على صعيد المنتخب الوطني الأول فإن الغموض يكتنف هذا المنتخب وكيف تسير أموره، وما أخباره وأحواله، كل ذلك في علم الغيب، ما حدا برئيس الاتحاد الرياضي العام في تصريح إعلامي سابق أن يقول: لا أسرار في العمل وكل شيء يجب أن يوضح وأن يكون فوق الطاولة.
والكلام الذي تحدث به رئيس اتحاد كرة القدم أن المدرب التونسي لم يقبض حتى الآن أجوره لا يعتبر كلاماً مناسباً، وليس بالرد المقبول، لأن المدرب التونسي سيقبض أجوره عاجلاً أم آجلاً إما بالتراضي أو عن طريق الفيفا، فلا أحد يعمل بالمجان، وهذا الأمر يقودنا إلى سؤال مهم: ما الفائدة التي جنتها كرتنا من وجود المدرب التونسي، وخصوصاً أن أقرب مباراة رسمية ستكون في حزيران، أي بعد سنة ونصف السنة من التعاقد معه؟
الجواب: كان التعاقد معه قمة الخطأ وخصوصاً أن عقده سبق جائحة الكورونا بأيام، وقد تعطل بعدها كل شيء، وإذا علمنا أن منتخبنا متأهل إلى الدور الثاني مسبقاً نتيجة حصوله على العلامة الكاملة في التصفيات، وما تبقى له من مباريات لا تقدم ولا تؤخر وهي ضعيفة باستثناء مباراة الصين، فإننا نجد أن التمسك بالمدرب التونسي يأتي من باب الخطأ وعدم الحكمة في موازنة الأمور، وأعتقد أن الفائدة التي جناها التونسي أكثر من التي سيجنيها منتخبنا وخصوصاً أن البعض ألمح إلى أن زيارته باتت سياحية إلى سورية ولن نخوض في تفاصيلها، لأننا لا نهوى الدخول بمثل هذه الترهات، وإن كلفتنا الملايين الكثيرة دون أي طائل، ويجب أن تبوّب تحت بند هدر المال العام.
هذا كله يدلّ على عدم توازن اتحاد كرة القدم وعدم امتلاكه الخبرة المطلوبة في الإدارة والقيادة، وعلينا أن نعرف أن المنتخب الوطني في كل مرة يصيب اتحاد الكرة بمقتل، فهل ينجو هذا الاتحاد من ورطة المنتخب أم إنه سيلحق بمن سبقه؟
ليست جديدة
اليوم علت الأصوات مطالبة بإقالة اتحاد كرة القدم أو استقالته على حد سواء وهي ليست جديدة علينا لأننا نسمع بمثل هذه المطالبات في كل الاتحادات السابقة، وهذا يدل على أن العمل بكرة القدم ليس على ما يرام ولم يبلغ الحد الأدنى من الطموح الجماهيري.
وفي توصيف عمل اتحادنا الحالي نجد أن أموره ليست على ما يرام، وأهم مسألة يعاني منها هذا الاتحاد هو عدم الانسجام وهذا واضح للعيان، فهناك فرقتان مختلفتان تماماً في الفكر والأداء والتقييم، والحرب العلنية بين رئيس الاتحاد ونائبه صارت حديث كل الكرويين ونخشى أن تكون الأحداث الكروية الدائرة انعكاساً لهذه الخلافات التي من الصعب ردمها أو تسويتها.
في الدوري بكل الفئات شهدنا موسماً ساخناً مملوءاً بالشغب والاعتراضات والمخالفات، ففي الدوري الممتاز الشغب على أوجه والاعتداء على الحكام باللفظ والشتم والضرب حقق رقماً قياسياً أكثر من أي موسم آخر، في دوري الدرجة الأولى شغب متكرر في العديد من المباريات وضرب للحكام، بدوري السيدات انسحب فريق شرطة حماة احتجاجاً على قرارات اتحاد كرة القدم.
في القرارات الإستراتيجية فشل اتحاد كرة القدم بتسويق الدوري بطريقة جيدة وليست مثالية، وعندما وجد الشركة الراعية لم تكن مناسبة بعرضها ومع ذلك وقّع معها وانتصفت مرحلة الإياب وقارب الموسم على الانتهاء ولم يخرج هذا العقد إلى العلن، بل لم يصدر اتحاد كرة أي بيان عن العقد وعن المباشرة واكتفى بالوعد بمؤتمر صحفي عند اللزوم.
أخطاء تنظيمية قاتلة، وأهمها الخطأ الآسيوي الذي دفع ضريبته موظف صغير جديد وغير جدير بتحمل مسؤولية ملف الأندية.
وهناك الكثير من الأمور التي تحتاج إلى وقفات عديدة بملفات ساخنة، لكن السؤال: هل يستطيع اتحاد كرة القدم إصلاح أخطائه وتبيض صفحته، أم إنه سيواجه مصير الاتحادات التي سبقته؟