السكن العمالي.. القيم التخمينية بدّدت الحلم والتخلي خيار أصحاب الدخل المحدود!
لم تضف المحاولات التي قامت وتقوم بها العديد من الجهات المعنية بقضايا السكن والإسكان جديداً على الواقع السكني، ماعدا -والحق يُقال- المزيد من الوعود والاجتهاد برسم الأمل في يوميات الباحثين عن المسكن، بغضّ النظر عن هويته التجارية أو التعاونية أو الاجتماعية وحتى الوظيفية، ولم تقدّم إلا التطلعات والأرقام العالقة في التقارير والمذكرات والفوارق السعرية التي اكتوت منها وبشدة جيوب ذوي الدخل المحدود. فالمعطيات تشير إلى أن بوصلة العمل مازالت بعيدة عن سمت الحلول والمعالجات الفعلية لتحديات ومشكلات هذا القطاع التي أضافت الحرب الكثير من التعقيدات على بنيته التنظيمية والقانونية وعرقلت المحاولات الهادفة لإصلاحه وإعادته إلى مساره الصحيح.
مشكلات مختلفة
ولاشك أن السكن العمالي يعاني كباقي القطاعات الإسكانية من مشكلات مختلفة، مع التأكيد على أهمية مساهمته في تأمين السكن لآلاف العمال، ولاشك أن الحرب كانت ثقيلة عليه بعد تخريب وتدمير الكثير من المساكن من قبل المجموعات الإرهابية، وخاصة في مدينة عدرا العمالية وفي بعض المحافظات. ومع إعلان المؤسسة العامة للإسكان عن تخصيص مساكن عمالية للمكتتبين عليها، ظهرت مشكلة التخمين وارتفاع القيم التخمينية لهذه المساكن بما لايتناسب مع الهدف من السكن العمالي والشريحة التي يستهدفها، وطبعاً وزارة الأشغال العامة والإسكان والمؤسسة العامة للإسكان برّرتا ذلك بالعديد من الأسباب التي تكتسب صفة الموضوعية، إلا أنها في الوقت نفسه تخالف الهدف الاجتماعي للسكن العمالي، وخاصة مع ضآلة الدخل الشهري مقارنة بالأرقام التخمينية التي وصفها الكثير من المكتتبين بالفلكية بالنسبة لهم!.
تفاصيل مهمة
أحاديث وشكاوى عديدة سمعناها من المكتتبين على السكن العمالي الذين التقينا عدداً كبيراً منهم في أكثر من مؤسسة، حيث دارت الأحاديث معهم حول ارتفاع الأسعار والقيم التخمينية التي لا تتناسب مع دخلهم الذي بالكاد يؤمّن أبسط مستلزماتهم الحياتية، وطبعاً هذا الحديث المتكرر حملناه معنا إلى مكتب أمين شؤون الخدمات في الاتحاد العام لنقابات العمال حيدر حسن الذي كان حريصاً على تقديم كافة التفاصيل حول المشروع الجديد للسكن العمالي الذي أطلقه الاتحاد العام لنقابات العمال بالتنسيق مع المؤسسة العامة للإسكان، حيث لفت إلى أن المؤسسة أعلنت بدورها عن خطتها لتنفيذ مساكن عمالية في محافظات القطر لمدة (7) سنوات، وتمّ اكتتاب العمال الراغبين في كافة الجهات العامة في محافظات القطر، وكان العدد الكلي المعلن عنه /22133/ مسكناً، وتمّ الاستناد إلى قرار السيد رئيس مجلس الوزراء رقم /920/ لعام 2008 الذي يحدّد الضوابط اللازمة لتحديد العمال المستحقين للمساكن العمالية، وتسلسل الترتيب لكل منهم حسب العلامات الممنوحة لكل عامل، وتمّ ذلك من قبل لجان مشكلة في كل جهة عامة لدراسة الطلبات.
وأشار حسن إلى أن العدد الإجمالي كان في حينه بعد تسديد العمال للدفعة النقدية الأولى للاكتتاب على عدد المساكن الكلي المحدّد للجهات العامة 22133 وعدد المكتتبين المسدّدين للدفعة النقدية الأولى 20726 وعدد المنسحبين 1770 والمجموع النهائي 18956.
أما خطة تخصيص المساكن العمالية لغاية عام 2020 فكانت موزعة مابين عدرا العمالية /448/ مسكناً عمالياً، والسويداء /195/ مسكناً عمالياً، وحلب /497/ مسكناً عمالياً (بما فيها السكن الشبابي- العمالي- الادخار)، وطرطوس /115/ مسكناً عمالياً.
موقف نقابي
وبيّن حسن موقف الاتحاد العام لنقابات العمال من واقع العمل في السكن العمالي، مؤكداً وجود تأخير واضح في تنفيذ خطة السكن العمالي الموضوعة، واضعاً الحرب على الإرهاب في مقدمة أسباب التأخير، إضافة إلى المعوقات الأخرى كتضخم كلفة المساكن بسبب زيادات الأسعار للمواد وأجور العمال والمحروقات. وهنا أشار إلى أن الاتحاد العام كان له موقف واضح من ارتفاع القيمة التخمينية لهذه المساكن، حيث تمّت مخاطبة وزارة الأشغال العامة والإسكان بهذا الخصوص، فالقيم الموضوعة أدّت إلى ارتفاع القسط الشهري المترتب على العامل، والذي يتراوح مابين 60000 و125000 ل.س شهرياً ولمدة 25 عاماً وحسب مساحة الشقة وموقعها، وهذا يشكّل عبئاً على العامل الذي لن يستطيع ضمن الظروف الحالية للراتب الشهري أو التقاعدي دفع هذا المبلغ، مما يدفعه إلى عدم الاستفادة من مسكنه المخصّص، إما بالامتناع عن التخصّص أو البيع، وفي كلتا الحالتين يخسر المسكن الذي طالما حلم بتأمينه لضمان الاستقرار لعائلته، ولذلك لابد من دراسة هذا الواقع وإيجاد الحلول الممكنة والتي تتناسب مع ظروف العمال وأحوالهم.
غير شرعي
وأضاف حسن أن من أسباب التأخر ضعف تقنيات البناء الحديث لدى قطاع المقاولات، مما يؤخر تنفيذ المشاريع ويؤثر على سوية العمل وصعوبة تأمين الأراضي اللازمة لمشاريع السكن العمالي (مثال محافظة اللاذقية)، وعدم كفاية التمويل اللازم والاعتمادات المرصودة لهذه المشاريع من صندوق الدين العام، وضعف المشاركة في المناقصات التي تعلنها المؤسسة العامة للإسكان للتنفيذ، نتيجة ارتفاع وتذبذب الأسعار ووجود إشغال غير شرعي للمساكن المنفذة في بعض المحافظات. وطالب حسن بدعم المؤسّسة لوضع الخطط اللازمة لتلافي هذه المعوقات والتدخل لدى الجهات المعنية بذلك.
اللجنة العليا
وبيّن حسن أن كافة مشاريع وخطط السكن العمالي وضوابط العمل تتمّ من خلال اللجنة العليا للسكن العمالي المشكلة برئاسة وزير الأشغال العامة والإسكان، وبمشاركة عدد من الوزراء المعنيين (الشؤون الاجتماعية والعمل- الصناعة- الإدارة المحلية- الكهرباء- الموارد المائية- رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال- مدير عام المؤسسة العامة للإسكان)، حيث تدرس الخطط والمقترحات الخاصة بالسكن العمالي وتأمين مستلزمات العمل وتتبع واقع التنفيذ وإقرار توزيع المساكن وفق القوانين والأنظمة النافذة وإقرار تخصيص المساكن.
بشير فرزان