دراساتصحيفة البعث

هذه هي قصة العميل اليكسي نافالني

هيفاء علي 

فاقمت قضية العميل الروسي اليكسي نافالني التوتر في العلاقات بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي من جهة، وبين روسيا والولايات المتحدة من جهة أخرى. وكما جرت العادة، هبّت الدول الغربية ونصبت نفسها محامي دفاع عن نافالني، ليس محبة بشخصه وإنما بكل تأكيد للنيل من قوة ومكانة روسيا على الساحة الدولية، تماماً كما دعمها لكل “معارضة”، في أي دولة لا تذعن لهيمنتها وترفض الرضوخ عند مشيئتها.

وكان نافالني قد وصل إلى موسكو، قبيل أواخر كانون الثاني الفائت، على متن الخطوط الجوية الروسية قادماً من برلين، بعد أكثر من أربعة أشهر أمضاها في ألمانيا لتلقي العلاج والنقاهة من آثار “التسمم” المزعوم الذي تعرّض له الصيف الماضي، أثناء رحلة جوية من مدينة تومسك في الشرق الأقصى الروسي، عائداً إلى موسكو؛ وبعد إجراء الإسعافات الأولية له، تم نقله بطائرة خاصة إلى أحد المشافي العسكرية في برلين.

في تلك الأثناء، أي في بداية شهر آب، كان الجميع يستعد للانتخابات في بيلاروس بما فيهم روسيا ودول الاتحاد الأوربي. وبعد إيصاله إلى عيادة “كاريتي”، في موكب يتكوّن من 12 سيارة، اتصلت ميركل بموسكو وطالبت روسيا “بالتوقف عن دعم لوكاشينكو، وإلا فسوف نعلن أن نافالني قد تسمم بغاز نوفيتشوك”. رفضت موسكو الإذعان لشروط وابتزاز ميركل، وزادت دعمها لبيلاروس، وأكدت أنها نظمت احتياطياً من القوات الخاصة الجاهزة للإرسال إلى بيلاروس في حال قيام أحد ما بخطوة مفاجئة. في اليوم التالي، أعلنت برلين أن نتائج الاختبار أظهرت تسمماً بمثبطات الكولينستريز، ومن ثم جرت مكالمة هاتفية أخرى للتحذير من العثور على سموم نوفيتشوك في المرة القادمة.. رفضت موسكو هذه التهديدات من جديد، ووعدت مينسك بمليار دولار في اليوم نفسه.

نفد صبر برلين ما دفعها لنقل نافالني على الفور إلى مستشفى عسكري، وتمّ “اكتشاف” أنه تسمم بـسموم “نوفيتشوك”. في حين أنه لم يكن ممكناً العثور على نوفيتشوك أثناء وجوده في عيادة “كاريتي”، حيث يمكن للصحفيين والمسؤولين أن يطلبوا رؤية نتائج الاختبارات، بينما في المستشفى العسكري تم رفض مثل هذه الطلبات بذريعة سرية المعلومات. لكن حتى مزاعم سموم نوفيتشوك لم تستطع إجبار موسكو على التوقف عن دعم مينسك، حيث تم إرسال رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين إلى مينسك مع حقيبة مليئة بالأوراق للتوقيع.

تبعت ذلك محاولة فريتز ميرز، نائب أنجيلا ميركل في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الضغط على ميركل لإغلاق الملف المتعلق بمشروع خط أنابيب “نوردستريم 2″ لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، لكن سرعان ما تم إسكاته من قبل لوبي الشركات الألمانية التي استثمرت فيه، وانغمس في جحره وهو يئن ويتأوه.

بعد ذلك، قدم لوكاشينكو اعتراضاً على الاتصالات الدبلوماسية السرية التي جرت بين المسؤولين الألمان والبولنديين لمناقشة خططهم لتسميم نافالني، وهم جالسون في وارسو وبرلين، ولا يعرفون كيف يتفاعلون مع هذا الفيلم. وعليه، لو أعلنت ميركل أنها جريمة القرن التي تم فيها تسميم شخصية معارضة روسية بارزة بـسموم نوفيتشوك لكانت ستضطر إلى قطع كل العلاقات مع روسيا وتقديم الأدلة، ولكن ليس هناك أي دليل لتقديمه، ولن يسمح لها أحد بتجميد استكمال خط الأنابيب. وخلاف ذلك، فإن الشركات الألمانية، التي استثمرت في” نوردستريم “2، ستقتحم البرلمان حتى قبل المواطنين الألمان الغاضبين.

ونافالني هذا ليس سوى مدون استغل مدونته على موقع “لايف جورنال” للتحريض على خروج المظاهرات على نطاق واسع ضد الحكومة الروسية. وقد عاد بعد عام إلى روسيا، حيث تم اعتقاله وحبسه لمدة 30 يوماً بتهمة انتهاك شروط الإفراج المشروط عنه في قضية اختلاس تعود إلى عام 2014.

أحزاب المعارضة الروسية نأت بنفسها عن هذه القضية ولم تستثمرها للحصول على مكاسب سياسية، ولم تتعاطف مع نافالني لأنه برأيها ليس معارضاً سياسياً وإنما هو مجرد أداة بيد الاستخبارات الغربية لإحداث “ثورة دموية”على غرار تلك التي حدثت في كييف. زيادة على ذلك، هو مجرم يستغل القاصرين واليافعين الذين لا يعرفون لماذا ينزلون إلى الشارع ولا يعرفون ماذا يريدون، وبالتالي هو ليس سياسياً ولا ليبرالياً وليس لديه أي برامج لتحسين حياة المواطنين، وإنما فقط يطلق شعارات فارغة وطنانة، وهدفه الرئيسي الانقلاب على السلطة باستخدام أدوات وسيناريو الميدان الأوكراني، انه يخدع مناصريه الذين يقفون إلى جانبه. وحول أسباب الدعم الغربي غير المسبوق للعميل نافالني لفتت مصادر أحزاب المعارضة إلى انه مشروع غربي بامتياز وهو عميل للاستخبارات الغربية التي تحاول رفع شخص ليس له أي علاقة بالسياسة، وتجعله منافساً للرئيس بوتين.

وفيما يتعلق بحقيقة الفيلم الذي عرضه على قناته على اليوتيوب بعنوان “قصر بوتين”، تشير آخر المعلومات إلى انفضاح أمره لجهة أن النص ليس روسياً، فلا يمكن للمرء الحصول على مثل هذه المعلومات التي وردت في سياق الفيلم إلا من الاستخبارات الغربية، والقصر الذي تمّ تصويره وعرضه هو بناء قيد الإنشاء وكل ما عرض فيه من بذخ وترف هو تصميم غرافيك عالي الدقة. ومن ثم هناك شركة سينمائية أمريكية استأجرت استديو تصوير سينمائي في برلين لتصوير هذا الفيلم بدقة عالية، وبالتالي هذا الفيلم مفبرك هدفه تشويه صورة الدولة الروسية. هذه الفضيحة طالت نافالني الذي يخدع العالم ومناصريه من خلال منشوراته ومقالاته، ويبدو أن السحر انقلب على الساحر. فهو منتج غربي وليس روسياً، ولا يشكل أي وزن سياسي على الأرض الروسية، ولا يدافع عن مصالح روسيا والشعب الروسي، بل هو مجرد أداة لتنفيذ أهداف داعميه.

وكانت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان قد طالبت، بدون دافع قانوني وفي انتهاك للقانون الوطني، بالإفراج الفوري عنه وحولته إلى “البطل الجديد لهذا العالم الحر” في محاولة يائسة لتشويه سمعة وصورة روسيا وتشويه صورة الرئيس بوتين. هذا “العالم الحر” اختار نافالني ليكون مصدر إلهامه، فقد وصفته وسائل الإعلام الغربية بأنه “الخصم الأول لبوتين”، لكن روسيا لا تستسلم على الرغم من التهديدات بفرض عقوبات جديدة، وعلى الرغم من الزيارة المروعة لممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية. ولا تزال المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان موجودة فهي وفية لصوت سيدها، وبطريقة سياسية واستثنائية للغاية، تبنّت إجراءات مؤقتة، بسبب الحالة الصحية لنافالني، وطالبت بالإفراج الفوري عنه. ومعروف عن هذه المحكمة أنها تختار أبطالها بعناية خاصة وتطالب بالإفراج الفوري عنهم: ففي عام 2007 في قضية يوكوس لمنصب نائب رئيسها، في عام 2012 لصالح يوليا تيموشينكو (بين الثورتين)، وفي عام 2015 لصالح الراقصة مارغريتا سافتشينكو، عندما تمت محاكمتها في روسيا بتهمة الإرهاب، ولكن عندما سُجنت لاحقاً في أوكرانيا لم يعد هناك أي مشكلة في حالتها الصحية.. باختصار، يحظى نافالني بدعم المحتالين.

من جهتها اعتبرت روسيا هذا الأمر تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية، حيث أشارت وزارة العدل الروسية في بيانها إلى أن طلب الإفراج عن نافالني غير مسبوق من عدة نواحٍ: فقبل كل شيء هو تدخل صارخ في عمل القضاء في دولة ذات سيادة. ثانياً، إنه طلب لا أساس له وغير معقول، لأنه لا يستند إلى أي حقيقة، أو أي معيار، كان يمكن أن يأذن للمحكمة باعتماد مثل هذا القرار. وأخيراً، فإن هذا المطلب غير قابل للتنفيذ من الناحية الموضوعية، لأنه بموجب القانون الروسي لا يوجد أساس للإفراج المشروط عن هذا الشخص.

وكانت النيابة العامة الروسية قد وجهت لنافالني تهماً بالفساد، حيث اصدر القضاء بحقه حكماً بالسجن مع وقف التنفيذ لسنوات خلت. ومن بين التهم الموجهة إليه أيضاً تهمة تشويه سمعة أحد قدامى المحاربين، وتتعلق التهم بمقطع فيديو صدر العام الماضي لدعم تغييرات في الدستور، حيث شنّ نافالني هجوماً عنيفاً على أولئك الذين وافقوا على الظهور في المقطع، بمن فيهم المحارب السابق في الحرب العالمية الثانية البالغ من العمر 94 عاماً، ويدعى أرتمينكو، متهماً إياهم بأنهم “عار على البلد”، ولكن اللعبة ارتدّت عليه!.