على ذمة “هيئة المنافسة”.. لا احتكار باستيراد الأساسيات وتدخل إيجابي لكسر هيمنة القلة
دمشق – ريم ربيع
لم تكد هيئة المنافسة ومنع الاحتكار تجد البيئة المناسبة لممارسة صلاحياتها ودورها لعامين أو ثلاثة على الأكثر حتى بدأت الحرب وغيرت المعادلات جميعها التي أُنشأت الهيئة على أساسها، فرغم أن دورها لا يقتصر فقط على الأسواق والسلع الموجودة، بل يتسع ليشمل جميع المؤسسات والنشاطات الاقتصادية، إلى أنه على ما يبدو فقد تضاءل هذا الدور كثيراً خلال السنوات الماضية لصالح أولويات أكثر أهمية كتأمين الأساسيات في زمن الحصار، فالعديد من مدراء هيئة المنافسة المتعاقبين كان لهم نفس الحديث بأن طبيعة السوق وما كان معمولاً به في وقت صدور القانون يختلف كلياً عما نعيشه اليوم، محاولين بذلك تبرير التهميش لدور الهيئة خلال سنوات عدة وتقويض صلاحياتها واستقلاليتها.
في العامين الأخيرين ظهرت محاولات بسيطة لإعادة الهيئة إلى فعاليتها بشكل جزئي، وعلى ما يبدو يوجد خطط عدة لتنشيط دورها، إلا أنها مازالت متباطئة، فعملها بأغلبه يقتصر حالياً على الرصد والدراسات والمتابعات وتلقي الشكاوي “على قلتها”، وبات مجلس المنافسة لا يجتمع إلا بناءً على شكوى أو طارئ ما.
إفساح المجال
يرى مدير هيئة المنافسة ومنع الاحتكار مجد مرزة أن من الضروري اليوم إفساح المجال للجهات المعنية بتأمين السلع الأساسية قبل أي شيء آخر، فالهيئة عموماً تنادي بالتحرير الاقتصادي إذ كان الاتجاه في 2008 نحو اقتصاد السوق الاجتماعي وتحرير الأسعار وتقليص دور لجنة ترشيد الاستيراد، وكان هناك حالة ازدهار اقتصادي تسمح للهيئة أن تمارس دورها بشكل كامل، على عكس المرحلة الحالية التي أصبح جل الاهتمام فيها تأمين المواد الأساسية، موضحاً: لن نغرد خارج السرب فنجن جزء من استراتيجية عامة للدولة.
ووفقاً لمرزة فإن تغيير تبعية الهيئة من مجلس الوزراء لوزارة التجارة الداخلية لم يحد من صلاحياتها، فهي ما زالت تعمل على ثلاث محاور، بين رصد وأبحاث السوق عبر جولات دورية، وتلقي الشكاوى من العاملين في السوق في محور الممارسات المخلة بالنزاهة التجارية أو بعملية المنافسة والممارسات الاحتكارية، وجانب الضابطة العدلية التي تنظم ضبوط بحق أي مخالف لقانون المنافسة، مبيناً أن ثقافة الشكوى لدى اللاعبين في السوق ما تزال محدودة جداً، ومعظم العاملين في القطاع الخاص يفضلون حل مشاكلهم “أهلية بمحلية”، إما نتيجة جهل بمهام الهيئة أو بسبب إجراءات المحاكم من تأجيل ومماطلة، فعدد الشكاوى في 2020 لم يتجاوز 3 فقط.
دور فاعل
وبما أن إحدى الشكاوى تتعلق بقرار منع استيراد إحدى المواد من قبل وزارة الاقتصاد، يوضح مرزة أن الهيئة تسعى ليكون لها دور فاعل في اتخاذ هذا النوع من القرارات وغيرها من القرارات الاقتصادية بناءً على رصدها ومعرفتها واقع السوق وحاجته، وفيما يقتضي دور الهيئة وتوجيهات حكومية سابقة بعرض جميع المناقصات والمزايدات عليها للتدخل في حال وجود أية مخالفة لقانون المنافسة، يبين مرزة أن هذا الأمر ليس مطبقاً في الوقت الحالي، لما يتطلب ذلك من وقت طويل قد يؤخر تنفيذ بعض العقود والمناقصات، فتوجه الفريق الاقتصادي للاقتصار على العقود الحساسة.
وفرة السلع
إحدى فقرات قانون المنافسة بيّنت أنه ضمانة لحماية المستهلكين وأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة من التأثيرات السلبية لسيطرة المؤسسات ذات الوضع المهيمن ومن كل الممارسات المقيدة لحرية نشاطها، ومع الجهود المبذولة اليوم لتنشيط واقع المشاريع الصغيرة والمتوسطة وحمايتها لابد من تفعيل دور الهيئة كما غيرها من الجهات المعنية لحماية هذه النشاطات، وهنا يؤكد مرزة أن السوق السورية لم تشهد أية حالة احتكار، فمفهوم الاحتكار مبني على حجب مادة ضرورية عن السوق لفترة معينة وإعادة بيعها بالمضاربة، وهذا ما لم يحدث، إذ لم تفقد السوق أي من السلع، وما يشاع عن احتكار أشخاص معدودين لاستيراد المواد الأساسية لا صحة له، وإجازات الاستيراد وبيانات الجمارك تثبت ذلك، إلا أن الفرق يكمن بين تاجر كبير وتاجر صغير ليس إلا، معتبراً أن التدخل الإيجابي للجهات الحكومية كتاجر جملة وحده القادر على كسر احتكار القلة السائد في الاقتصاد السوري.
يجزم مدير هيئة المنافسة أنه لا يمكن الاعتماد على شخص واحد في الاستيراد، لاسيما مع العقوبات التي تتسع دائرتها كل فترة لتشمل رجال الأعمال والمستوردين، أما فيما يتعلق بالمنافسة فهي واضحة عبر تنوع الأصناف الموجودة في السوق ومن مصادر متعددة، ودخول لاعبين جدد بشكل مستمر، مؤكداً أنه مع مرحلة بداية إعادة الإعمار سيكون للهيئة دور هام كعامل لتحقيق العدالة بين مختلف العاملين في هذا المجال.
رؤى
وحول رؤية الهيئة للمرحلة المقبلة يشير مرزة إلى العمل على رفدها بكوادر جديدة بعد أن خسرت نصف كادرها من الفنيين المؤهلين، والتشبيك مع كل القطاعات لنشر ثقافة المنافسة، والربط بين الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص، إضافة إلى تعديل قانون المنافسة بعد أن تشكلت رؤية جديدة خلال السنوات الأخيرة، لافتاً إلى اقتراح إضافة مواد تتعلق بالاقتصاد الرقمي الذي لا يمكن إنكار انتشاره، وهو حالياً يندرج تحت فئة اقتصاد الظل، فرغم أن جزء منه حقيقي عبر الترخيص لشركات الدفع الرقمي، إلا أغلبه مهدور وهو يجلب أرباح كبيرة على حساب التاجر الحقيقي في السوق.