ثقافةصحيفة البعث

ياسين بقوش.. الحضور رغم الغياب

ثماني سنوات مرت على رحيل الفنان العفوي في أدائه وحياته ياسين بقوش دون أن يشعر أحد بالفراغ الذي تركه، أو الخسارة التي تراكمت على الدراما السورية بعد رحيل ذلك الجيل المؤسس الذي حفر في الصخر ليحقق تطلعاته وطموحاته بالتأسيس لحالة فنية سورية تعبّر عن طموحات الجماهير، وتتبنى همومهم وقضاياهم، وهو منهم، خسارة تلك “الكاريزما” الفنية الفريدة المبدعة في بساطتها وتلقائيتها لم تكن بالأمر العادي أو العابر، لأن ياسينو، كما كان يلقب، بصوته وشكله وحركاته، استطاع أن يكون علامة فارقة من الصعب أن تعاد مرة أخرى.

صحيح أن شخصيته ارتبطت دوماً إلى حد التبعية بشخصية غوار الطوشة وحسني البورظان في كل الأعمال المشتركة مسرحياً وتلفزيونياً وسينمائياً، ولكن ليس من السهل تخيل “اوتيل” صح النوم من دون ياسينو الساذج البسيط، أو ملح وسكر، ووين الغلط، أو عريس الهنا، ووادي المسك، وغيرها، أو حضوره السينمائي الفاعل في أفلام: “الثعلب، مقلب حب، شقة ومليون مفتاح، عروس من دمشق، عنترة فارس الصحراء، الغجرية العاشقة، النصابين الخمسة”، وغيرها من أفلام حملت طابع الكوميديا الهزلية التي اشتهر بها دريد ونهاد في تلك المرحلة، وكانت شخصية ياسين إحدى ركائزها الحيوية المكملة لشخصيتهما، غوار وحسني، وشريكة نجاح أكثر منها تبعية، ظُلم عندما لم يستطع استغلال إمكانياته الكبيرة للتحرر من أسرها، وظُلم أكثر عندما لم يقدّر أحد فرادة شخصيته، وعشقه للفن الذي عاش معه كالماء والهواء، رغم محاولاته العديدة التي لم يكتب لها النجاح لأسباب عديدة كان من أهمها ارتباط شخصية ياسين بقوش بالنجاح الذي حققه تجمع دريد ونهاد، ورفيق سبيعي، وناجي جبر، ومحمد الشماط، وعبد اللطيف فتحي، ونجاح حفيظ، فكان خروج أي من هؤلاء عن ذاك السرب مغامرة محفوفة بالإخفاق في أحيان كثيرة، رغم نجاح العديد منهم بعد انفراط ذاك العقد الفريد، فرحل نهاد قلعي مبكراً، وتحرر رفيق سبيعي من شخصية “أبو صياح”، ونجاح حفيظ من شخصية “فطوم حيص بيص”، وناجي جبر إلى حد ما من شخصية “أبو عنتر”، وكان على ياسين أن يشق طريقه، ويتخلص من نمطية شخصيته التي بدأت تشكّل عائقاً في طريق تطوره الإبداعي، لذلك بدأ يتمرد على ذاته، ويحلّق في فضاء التنوع والتجدد ليبدع فيه، متغلباً على مصاعب خلع قناع ملامح شخصية ياسين ونمطيتها التي تبلورت منذ سنوات لدى المتلقي، فكانت مشاركته في ثلاثة أفلام مع المخرج محمد عبد العزيز الذي أسند إليه أداء شخصيات بعيدة تماماً عن شخصيته النمطية المعروفة، حيث أدى دور مختار حي ركن الدين في فيلم “دمشق مع حبي”، وشخصية عارض سينما في فيلم “نصف مليغرام نيكوتين”.

قدم على خشبة المسرح نحو 400 عرض مسرحي، كان آخرها “السقوط” عام 2011، تنوعت شخصيته فيها بين أنواع الدراما المتعددة، منها مشاركته في مسرحية “سهرة مع أبي خليل القباني” للراحل سعد الله ونوس، وإخراج أسعد فضة.

أحب ياسين بقوش مدينة دمشق حباً جماً، وزاد عشقه لها، وإحساسه بدفء حاراتها وشوارعها عندما اكتشف جذوره الليبية، حيث يقول: “لم أشعر يوماً أني من ليبيا، فهذا البلد لم يعلمني سوى الخير والمحبة، هذا البلد عشت فيه كل حياتي، تربيت وكبرت وتزوجت وأنجبت في كنفه، ولن أغادره إلا إلى الموت، ولن أغادره ولو مت أنا وأطفالي من الجوع”.

أوفى ياسين بقوش بوعده لدمشق، فلم يرحل عنها، بقي جسده متحداً في ترابها، وذكرى فنه، مسكوناً بوجدان أهلها وذاكرتهم.

آصف إبراهيم