مجلة البعث الأسبوعية

بايدن: خيبة أمل إزاء أي تغييرات محتملة في المسار: الولايات المتحدة متورطة مرضياً في النزاعات الخارجية

“البعث الأسبوعية” ــ سمر سامي السمارة

لم تمض مدة طويلة على دخول بايدن للبيت الأبيض، لكن تحركاته تشير إلى أن سياسته سوف تشكل خيبة أمل كبيرة لأولئك الذين كانوا يأملون في تغيير مسار الولايات المتحدة المتعلق بتورطها المرَضي في النزاعات الخارجية. فمنذ أكثر على شهر، بدأ فريق الإدارة الجديد بمزاولة مهامه، ولعل الوقت قد حان للتفكير في أي اتجاه يجب يقود السياسة الخارجية الأمريكية المتصدعة.

من المؤكد أنه عندما تتشكل إدارة جديدة بمجموعة من “الأيدي القديمة” التي صنعت مكانتها من خلال مهاجمة سورية وليبيا، لابد أن يأمل البعض أن تكون هذه الأخطاء بمثابة “دروس مستفادة” قيّمة. لكن يبدو أن واقع الحال يظهر عكس ذلك، فلم يذكر أي من أعضاء الحزب الديمقراطي الفشل الذريع في ليبيا، بل إن بايدن صرح وبكل وضوح أنه سيستمر باستهداف الشعب السوري بعقوبات مجحفة وسوف يُبقي جنوده على أراضيها، وأن مرتزقته لن تغادر أفغانستان في الوقت القريب.

في الحقيقة، يتمثل جزء كبير من المشكلة في أن تحركات مسؤولي البيت الأبيض تعني أن السم، الذي كان موجوداً في حقبة أوباما، قد أعيد إدراجه الآن إلى الصرح المترنح الذي خلفه ترامب وراءه. ولسوء الحظ، فقد عادت رايس مع الإدارة الجديدة بصفتها مديرة مجلس السياسة الداخلية، حيث يمكنها أن تلحق – بإسلوبها الفريد – الدمار والفوضى مرة أخرى، وانضم إليها توني بلينكين كوزير للخارجية على أعلى مستوى في الإدارة، وأفريل هينز كمديرة لأجهزة الاستخبارات الوطنية، وجيك سوليفان مستشاراً للأمن القومي، وسامانثا باور رئيسة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والجنرال المتقاعد لويد جيمس أوستن وزيراً للدفاع. وهنا، لابد لنا من الإشارة إلى أنه يُنظر إلى جميع المعينين على أنهم “صقور”، ولديهم تاريخ شخصي في العمل مع بايدن عندما كان في الكونغرس وكنائب للرئيس، بينما شغل معظمهم أيضاً مناصب في إدارة أوباما.

مهما يكن الأمر، فقد قام بايدن وفريقه بحشد مجموعة من دعاة الحرب ومهندسي العدالة الاجتماعية، ومن المؤكد أن أولئك الذين توقعوا شيئاً مختلفاً عن أنموذج الحزب الديمقراطي المعتاد أصيبوا بخيبة أمل، إذ يستمر العداء تجاه الصين مع إرسال السفن الحربية إلى بحر الصين الجنوبي، ويسعى الرئيس إلى إنشاء تحالف جديد عبر المحيط الأطلسي موجه ضد كل من بكين وموسكو، ويقال إن الأوروبيين ليسوا متحمسين للبقاء تحت رحمة واشنطن ويريدون بعض التنفس.

وفي محادثة هاتفية، حذر بايدن الرئيس الروسي بوتين من أن الولايات المتحدة لن تتجاهل سلوكه بعد الآن، وتضمن الحساب الرسمي للبيت الأبيض لهذه المكالمة الإيجاز التالي: “أعاد الرئيس بايدن التأكيد على دعم الولايات المتحدة الراسخ لسيادة أوكرانيا، كما أثار مسائل أخرى بما في فيها اختراق شركة سولارويند، وتقارير عن قيام روسيا بتقديم مكافآت لقتل جنود الولايات المتحدة في أفغانستان، والتدخل في انتخابات الولايات المتحدة لعام 2020، وتسميم أليكسي نافالني”.

من المؤكد، أنه كان هناك عدد من القضايا التي ربما تعامل بايدن معها بموجب القانون التنفيذي، مثل رفع الحصار غير القانوني وغير المبرر عن كوبا، الأمر الذي يقدم بادرة أمل بأن الإدارة الجديدة لن تكون مجرد جزء آخر من نبيذ قديم تمت تعبئته في زجاجات جديدة. لكن الحقيقة أن الهدف من ذلك لم يكن سوى سلسلة من الإجراءات الرامية لإطلاق موجة أخرى من الهجرة غير الشرعية، و”حماية حقوق مجتمع الميم على مستوى العالم”. كما احتفظ بايدن بتوجد عسكري مكثف في واشنطن نفسها، غالباً، كجزء من خطة تقضي على الدستور لمعالجة ما يشير إليه بـ “الإرهاب المحلي”، ومن الجدير بالذكر أن معظم الإرهابيين المحليين المستهدفين هم من الطبقة الوسطى وأولئك الذين صوتوا لترامب.

بطريقة ما، قد تكون السياسة الخارجية هي الحل الأسهل، إذا كانت الإدارة الجديدة تسعى حقاً إلى تصحيح المسار الكارثي للسنوات العشرين الماضية، لكن، على العكس تماماً، قلب بايدن وفريقه السياسات “المعقولة” التي طال انتظارها، والتي بدأها ترامب لتخفيض عدد القوات في ألمانيا وإعادة الجنود من سورية وأفغانستان، كما التزم بالبقاء إلى أجل غير مسمى في أفغانستان، وهي أطول حرب “خسرتها” أمريكا، وأرسل سراً المزيد من الجنود إلى سورية والعراق.

وفيما يتعلق بأمريكا اللاتينية، من الواضح أن الولايات المتحدة مستعدة للتركيز على تغيير النظام في فنزويلا, ومواصلة دعمها الدونكيشوتي لخوان غوايدو كرئيس. وفي غضون ذلك، أشار وزير الخارجية الجديد توني بلينكين إلى أنه لن تكون هناك حدود لاحترام المصالح “الإسرائيلية” في الشرق الأوسط. وأثناء استجوابه من قبل الكونغرس، أصر على أنه سيتم “استشارة” إسرائيل بشأن السياسة الأمريكية لتشمل مبيعات الأسلحة في المنطقة، وأكد أن وجهة نظره بشأن إيران مطابقة تماماً لوجهة نظر نتنياهو، إذ يبدو أن كلاهما يعزز وجهة النظر القائلة بأنه سيكون لدى إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب لتصنيع سلاح في غضون أسابيع قليلة، على الرغم من أنهما لم يتناولا الجوانب الفنية الأخرى لما هو مطلوب بالفعل لتصنيع السلاح. ومن الجدير بالذكر أن نتنياهو يدعي التهديد الإيراني منذ الثمانينيات، والآن أصبح هذا الادعاء عنصر من عناصر السياسة الأمريكية.

كما تحرك بايدن وبلينكين بخطى بطيئة بشأن التزام الحملة بمحاولة إعادة التفاوض على الاتفاقية النووية، للعام 2015، مع إيران، والتي انسحب منها الرئيس ترامب في العام 2017. وكشرط لإعادة بدء المناقشات، طالبت القيادة الإيرانية بالعودة إلى الوضع السابق، ما يعني أنه سيتعين إلغاء الجزاءات العقابية التي بدأها ترامب، وستوقف إيران في المقابل جميع أنشطة التخصيب.

وبحسب ما ورد، وافق بايدن وبلينكين، اللذان يبدوان كثنائي راقص كوميدي، على سحب عقوبات ترامب، لكنهما اقترحا أيضاً أنه سيتعين على إيران تقديم تنازلات أخرى، بما في ذلك إنهاء برنامج تطوير الصواريخ الباليستية ووقف “التدخل” في الشرق الأوسط. وبطبيعة الحال، رفضت إيران الموافقة على ذلك، ما يعني أن محاولة إعادة التفاوض قد تتحول إلى مجرد مسرحية تنطوي على “مناقشات” متعددة الأطراف يستضيفها الاتحاد الأوروبي، وسيستمر العداء العبثي بين واشنطن وطهران.

وبالحديث مرة أخرى عن “إسرائيل”، يمتلك الكيان الصهيوني، بالطبع، الترسانة النووية السرية الوحيدة في العالم، والتي يُقدر بأنها تتكون من 200 قنبلة على الأقل، كما أن لديه العديد من الأنظمة التي تساعدها للوصول إلى الهدف. لكن، وبدون أسباب منطقية، لم تؤكد الولايات المتحدة – منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون – علانية وجود الأسلحة، مفضلة انتهاج سياسة “الغموض النووي” التي تسمح لـ “إسرائيل” بامتلاك الأسلحة دون أي مطالبات بالتفتيش أو فرض قيود على استخدامها. وفي الواقع، قام أخر أربعة رؤساء بتوقيع اتفاقيات سرية مع إسرائيل تتضمن عدم الكشف عن الترسانة النووية.

وعلى الرغم من أن تقديم المساعدة لـ “إسرائيل – بحسب تعديل سيمينغتون لقانون المساعدة الخارجية، الذي يحظر تقديم المساعدة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية للناشرين النوويين والدول التي تسعى لامتلاك أسلحة نووية” – ينتهك القانون الأمريكي إلا أن بايدن أشار بالفعل إلى أنه لن يقطع المساعدات عن إسرائيل تحت أي ظرف من الظروف. وعلى أي حال، يتضمن تعديل سيمينغتون بند إعفاء من شأنه أن يسمح باستمرار التمويل طالما يشهد الرئيس، أمام الكونغرس، أن استمرار المساعدة للناشر النووي سيكون مصلحة أمريكية حيوية. ونظراً لسلطة “إسرائيل” في كل من الكونغرس والبيت الأبيض، فمن غير الممكن أن تتأثر مساعدتها بغض النظر عما يختاره نتنياهو وعصابته من المجرمين.

لذلك، يبدو أن بايدن غير مستعد للضغط أو متابعة أي تباعد عن “إسرائيل” وسياساتها، وهذا ليس مؤشر جيداً لأولئك الذين شجعوا على الانسحاب عن مستنقع الشرق الأوسط.

وفي قضية جوليان أسّانج، حيث أمل البعض رؤية بعض تحركات بايدن لكنهم أصيبوا بالخيبة، ويعتقد العديد من المراقبين أن أسانج صحفي حقيقي، يجري العمل على اعداد محاكمة صورية تخرج بنتيجة واحدة، فالعملية برمتها مدفوعة إلى حد كبير بالرغبة في الانتقام يشرعها الحزب الديمقراطي، لأن أسانج كان مسؤولاً عن نشر رسائل هيلاري كلينتون الإلكترونية، بالإضافة إلى وثائق الحزب الأخرى، وأشار بايدن بالفعل إلى أن عملية تسلُّم أسانج ستستمر.

لذلك، يبدو أن بايدن يشكل خيبة أمل كبيرة لأولئك الذين توقعوا أنه قد يغير مسار الولايات المتحدة المتعلق بتورطها المرضي في النزاعات الخارجية، ولكن ذلك قد يتجاوز حدود المعقول، حيث تتحرك الولايات المتحدة بلا هوادة نحو دولة شمولية لا تتسامح مع من يعارضها.