حول المحنة والمنحة
“البعث الأسبوعية” د. مهدي دخل الله
أكتب هذه السطور من مدينة الحسكة ، حيث أُشرف، مع الرفيق ياسر الشوفي عضو القيادة المركزية للحزب، على مؤتمرات الشُعَبْ الحزبية السنوية . بالأمس كنا في القامشلي ، وقبل ذلك في دير الزور والبوكمال والميادين ..
مؤتمرات الشُعَبْ تضم المئات من أعضاء القيادات القاعدية الذين يمثلون عشرات الآلاف من الحزبيين في المحافظتين ، ناهيك عن مشاركة قيادات النقابات والاتحادات على مختلف أنواعها . ويشارك أعضاء القيادة المركزية جميعهم في مؤتمرات الشعب في المحافظات كافة . لذا فإن الحدث شعبي وجماهيري شكلاً ومضموناً .
وصف هذا الحراك يتطلب الإشارة إلى أمرين ، الأول يتعلق بحجم الحضور والمشاركة ، والثاني بأبعاد هذه المؤتمرات وانعكاساتها على الحزب والمجتمع ..
يشير حجم المشاركة إلى حيوية الحياة الداخلية للحزب . فالحضور كان يتخطى تسعين بالمائة من أعضاء المؤتمرات ، ويصل في بعضها إلى تسع وتسعين بالمائة ، علماً أن الغائبين قدموا اعتذارات خطية وشرحوا الأسباب الموضوعية لغيابهم ..
حجم المشاركة هذا ليس أمراً بسيطاً ، لأن غالبية الحاضرين يتحملون مشقة السفر من البلدات والقرى . فعدا عن التكاليف المالية ، هناك الإزعاجات من مسلحي الميليشيات التابعة لقوات الاحتلال الأمريكي . وفي كثير من الأحيان ، يتعرض العائدون من المؤتمرات إلى الاعتقال لعدة أيام .
وفيما يتعلق بأثر هذا الحراك السنوي ، فإنه يؤكد ارتفاع مستوى الالتزام الحزبي والوطني بعد إتمام تسع سنوات من هذه الحرب المركبة التي لا مثيل لها في التاريخ المعاصر على المستوى العالمي .
لقد لاحظنا مدى تمسك الناس بالوطن السوري في مناطق تسيطر عليها الميليشيات المسلحة ، بل إن هذا الوضع زادهم وطنية ، خاصة عندما تتم المقارنة اليومية بين الأحوال في سورية قبل الحرب والأحوال اليوم ، معيشياً وسياسياً ونفسياً .
العام الماضي أشرفت على التنظيم الحزبي في الرقة ، ولاحظت مدى الاندفاع لحضور المؤتمرات الحزبية في السبخة ودبسي عفنان ، وهما مدينتان محررتان لكنهما تقعان على خطوط التماس مع مسلحي الاحتلال وإرهابييه .
العام الماضي ، وهذا العام ، كان المشهد مؤلماً وأنت ترى تراب وطنك تسوده شريعة الغاب ، وتسيطر عليه مجموعات مرتزقة . إنها صورة المحنة ، أما المنحة فهو هذا الحس الوطني المتصاعد لدى الناس في تلك المناطق .. والأمل الذي يستولدونه من رحم الألم ..