التقنيات المالية الحديثة.. خطوات ضرورية لتفعيل الاستخدام ومحاولات لتطوير منظومة العمل
لم تتوقف الخطوات الجادة لتطبيق الخدمات الإلكترونية بكل أنواعها، الخدمية والتجارية والمالية، ضمن منظومة الحكومة الإلكترونية التي أطلقت الكثير من خدماتها رغم التحديات التي تواجهها الجهات التنفيذية، إلا أن ذلك لم يؤثر على استمرارية المشروع وبشكل يؤكد أن هناك كوادر كفوءة قادرة على العمل والإبداع، ويجب أن يتحقق لها العناصر والبيئة التي تجعلها تبقى وتعمل في البلد لتكون الأداة للتطوير. ولاشك أن استخدام التقنيات المالية الحديثة بات ضرورياً خلال الفترة القادمة، حيث تسهم في تطوير بنية القطاع المالي والمصرفي، وتواكب التطورات الحديثة لكونها ظاهرة تصف الإمكانات المشتركة بين الخدمات المالية والقطاعات التقنية، وتقوم الشركات التقنية الناشئة وشركات حديثة بالدخول إلى الأسواق بابتكار أو تغيير المنتجات والخدمات التي يقدّمها قطاع الخدمات المالية التقليدية.
نوعية الخدمات
شامل بدران (الباحث الاقتصادي) وصف التقنيات المالية بأنها تلك المنتجات والخدمات التي تعتمد على التقنيات لتحسين نوعية الخدمات المالية التقليدية، وتتميّز هذه التقنيات بأنها أسرع وأرخص وأسهل، ويمكن لعدد كبير من الأفراد استخدامها، كما تتضمن التقنيات المالية مجموعة من التطبيقات والمنتجات المالية الجديدة والمبتكرة التي يتمّ الاستفادة منها باستخدام التقنيات.
وأضاف: هناك العديد من القطاعات التي تتعامل بشكل مباشر مع أنواع متعدّدة من التقنيات المالية، حيث يتمّ دمج التقنيات بمختلف العمليات المالية والمصرفية مثل البنوك والشركات الصغيرة والناشئة والبنوك وعملائها من رجال الأعمال. أما مجالات استخدامها فهي التجارة الإلكترونية، والتأمين والصحة، وتسجيل الأراضي والعقارات، والتداول ضمن الأسواق المالية والبورصة وإلحاق العملاء عن بعد بالمدفوعات الرقمية، واستلام التحويلات وإرسالها عبر الهاتف المحمول، والتمويل الجماعي من خلال الجمعيات، وإبرام العقود الرقمية وتعزيز الشمول المالي من خلال تقديم حلول تقنية، كالهوية الرقمية والسجلات الإلكترونية للأصول والعقود الذكية.
دوافع استخدام
أما بالنسبة لدوافع استخدام التقنيات المالية، فقد حدّدها بدران بانخفاض التكاليف (لكافة الأطراف المستفيدة) واختصار الزمن وبالدفع الفوري وتوفير المزيد من خيارات الدفع، إلى جانب توفير منتجات وخدمات جديدة مصمّمة لمقابلة احتياجات العملاء المتجدّدة، واستخدام المنصات الرقمية لرفع كفاءة العمليات الحكومية في تحصيل الإيرادات، والدفع وتيسير الخدمات وفرص الحصول على التمويل للأفراد وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذين يفتقرون للخدمات المصرفية الكافية. وأشار إلى دورها في تحقيق نمو أعلى وأكثر احتواء لجميع الشرائح من السكان ونمو التجارة الإلكترونية، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على المنتجات المالية الرقمية وزيادة التسوق الإلكتروني والطلب على المنتجات المالية الرقمية بفعل تأثير (COVID 19) واللجوء إلى المعاملات عن بعد، لافتاً إلى اعتماد البنوك على الوسائل التكنولوجية لرفع الكفاءة وتقوية إدارة المخاطر.
أشكال التقنيات
المهندسة ريم عفيفة بيّنت أن هناك عدة أشكال للتقنيات المالية، مثل تقنية السجلات اللامركزية/ الموزعة والتي تعدّ قاعدة بيانات لسجلات لا تخزنها أو تؤكدها أي سلطة مركزية، ويكون فيها منفذ التطبيق القدرة الأكبر على التحكم بالطريقة التي تنفذ بها العمليات، حيث يتمّ تخزين كل معاملة وتفاصيلها في أماكن مختلفة في الوقت نفسه، مما يجعل إمكانية حدوث هجمات إلكترونية لسرقة محتويات السجلات أمراً صعباً. ومن الأشكال التي تحدثت عنها عفيفة البلوكتشين (سلسلة الكتل) التي تعدّ من أبرز أشكال سجلات الأصول الموزعة، وتعرف بأنها نظام تسجيل إلكتروني مشترك آنيّ ومشفر وغير مركزي لمعالجة وتدوين المعاملات المالية والعقود وتداول الأصول المالية. لا يوجد شخص واحد أو جهة واحدة مسؤولة عن السلسلة بأكملها، بل إنها مفتوحة ويمكن لجميع المشاركين في السلسلة مشاهدة تفاصيل كل سجل أو ما يعرف بالكتلة، حيث تساعد هذه التقنية في الحفاظ على قوائم مقاومة للتلاعب في سجلات البيانات، وتتيح الوصول إلى البيانات والتبادل الآمن للأموال والأصول المالية كالأسهم والأوراق المالية الأخرى. خلافاً للأنظمة المالية التقليدية لا حاجة لوسيط أو نظام تسجيل مركزي لمتابعة حركة التبادل، بل تقوم كل الجهات بالتعامل مباشرة بعضها مع البعض. وأشارت إلى أشكال أخرى للتقنيات المالية كالذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وانترنت الأشياء والحوسبة السحابية، ولم تنسَ عفيفة أيضاً تحديد ابتكارات التقنيات المالية (المحافظ الرقمية- المدفوعات عبر الأجهزة المحمولة- النقود الإلكترونية- العملات الرقمية- العقود الذكية- الأصول الرقمية- تطبيقات إدارة الحكومات المالية الحديثة)، كما بيّنت أهم التطبيقات كمنصات التمويل الجماعي (منصات الإقراض ومنصات الاستثمار في الأسهم ومنصات المكافأة ومنصات جمع التبرعات).
العملات الافتراضية
وبالعودة إلى بدران الذي تحدث عن تجارب دولية مثل (سنغافورة) التي تعدّ البوابة المفضّلة للسوق الآسيوية، حيث تتميّز بسهولة القيام بالأعمال التجارية، كما تتمتّع بفريق متخصّص بالتقنيات المالية الحديثة في السلطة النقدية، مما نتج عنه إنشاء شركات بين القطاعين العام والخاص لنمو صناعة التقنيات المالية الحديثة، لافتاً إلى أن مؤسسة النقد في سنغافورة تتميّز بالنشاط في مجال التقنيات المالية الحديثة، حيث توفر صندوقاً متخصّصاً ومجموعة من المبادرات لدعم مشاريع التقنيات المالية الحديثة الناشئة. كما تضع الدولة سياسات وإستراتيجيات لتنظيم وتسيير استخدام التقنيات والابتكار، وتوفر المزيد من التواصل وتبادل البيانات والمعلومات بين الشركات والمؤسسات العامة والمواطنين، إضافة لوجود إعفاءات ضريبية للشركات المبتدئة. وأشار بدران إلى التحديات على المستوى المحلي والتي تتلخّص بالمخاطر القانونية وافتقار معاملات البنوك إلى الابتكار، وافتقار عملاء البنوك للمعرفة الكافية حول التقنيات المالية، وعدم معرفة الأفراد بالخدمات التي تقدّمها التقنيات المالية، وضعف بيئة الأعمال وعدم وجود قواعد تنظيمية للنقود الإلكترونية المحولة، إضافة إلى خدمة الانترنت الضعيفة.
بيئة حاضنة
واتفق بدران وعفيفة على ضرورة دعم بيئة حاضنة لاستخدام التقنيات المالية الحديثة في سورية من خلال أدوات مبتكرة لتغيير منهجية عمل الهيئات الرقابية، وتعتمد منظومة عمل التقنيات الحديثة في صناعة الخدمات المالية على محاور رئيسية، حيث يشكّل كلّ من الحكومة وصانعي القرار والسياسات المالية، جنباً إلى جنب مع المتعاملين في مجال الخدمات المالية، وأصحاب المصالح والمستثمرين، وأصحاب المشروعات والمستهلكين، الدعائم الأساسية لبناء منظومة عمل التقنيات الحديثة للخدمات المالية داخل المجتمعات.
وأضافا: ولأن التكنولوجيا المالية تدمج التقنيات المتطورة مع الخدمات المالية، فهي تملي على الهيئات الرقابية تغيير منهجية عملها، وهناك حاجة ملحة لطرق وأدوات مبتكرة بحيث يمكن تحديد المخاطر المترتبة على خدمات التكنولوجيا المالية الناشئة والتخفيف منها بفعالية. واعتبرا البيئات الرقابية التجريبية وبرامج مسرّعات الأعمال بعضَ الأدوات البارزة التي اعتمدتها عدة أسواق حول العالم، وأدّت إلى التعاون الناجح بين شركات التكنولوجيا المالية والهيئات الرقابية.
جهاز متخصص
ولفتا إلى أن الهيئة الرقابية لا تستطيع الاعتماد على منهجية معيارية موحّدة للتعامل مع جميع الحالات بسبب الطبيعة المتغيّرة للتطورات التقنية في مجال التكنولوجيا المالية والخصائص الفريدة لكل سوق في جميع أنحاء العالم. ولذلك يوصى بشدة في مثل هذه الحالات بقيام جهاز رقابي متخصّص بالمراقبة النشطة وقياس المخاطر والتحدي الذي تواجهه هيئات الرقابة وصنّاع السياسة، وهو التأكد من السماح للتقنيات المالية الجديدة بالانتشار والازدهار بطريقة تؤدي إلى تعظيم الفرص الاقتصادية وتقليل المخاطر والمساهمة في النمو الاقتصادي القوي والمستدام.
وفيما يتعلق بوضع خارطة طريق متكاملة وفعّالة للتكنولوجيا المالية، أكدا أنه من الضروري التنسيق بين الجهات الرقابية المختلفة والجهات المعنية الأخرى لإجراء دراسة للنطاق كاملاً، بهدف تسهيل الحصول على فهم عام لابتكارات التكنولوجيا المالية الأساسية والتطورات الرقابية الرئيسية.
وأضافا: من الضروري وضع هيكل تنظيمي لمجمع تكنولوجيا مالية عالمي لتدعيم القدرة التنافسية لقطاع الخدمات المالية، والعمل على تطوير الكوادر البشرية من خلال وضع الضوابط الإرشادية لدورات في التكنولوجيا المالية لدى التعليم العالي والفني لتحقيق أغراض تكوين قاعدة مواهب محلية. كذلك، فإن أعمال الأبحاث والتطوير قد تؤدي إلى تسريع ذلك بشكل متوازٍ. وسيساعد على تسهيل توسعة القطاع وتطوير مجموعة من الضوابط الإرشادية أو المعايير للقطاع لتمكين شركات التكنولوجيا المالية من المشاركة بسهولة أكبر وفعالية أعلى مع الشركات الحالية.
وبيّنا أنه يقع على عاتق الهيئات الرقابية مسؤولية قيادية مهمّة تتمثل في المساعدة على وضع رؤية للتكنولوجيا المالية، والتعاون مع الشركات المهتمة العاملة في القطاع والشركاء الأكاديميين لتنفيذ الرؤية.
منظومة العمل
ولخّص بدران وعفيفة منظومة العمل لدعم نمو صناعة التقنيات المالية الحديثة بتطوير آليات رقابية ومنتجات وخدمات مصرفية وقاعدة بيانات موحّدة للدولة، وحق المواطن في الحصول على حساب مصرفي وثقافة ريادة الأعمال والابتكار والبرامج الحكومية والبنية التحتية والإطار التنظيمي وبيئة الأعمال والتمويل.
بشير فرزان