أيامي خالية من الدهشة..
لا شيء يستدعي فتح النوافذ والأبواب، قلب كتيم لا يرسل ولا يستقبل، فعلى زعمه لا شيء يستحق الحياة..
لا شيء يحزنني في هذا المساء الكئيب، ولا شيء يستدعي أن ألتحق بـ “الفرح العام” في هذا الواقع المصابِ بالطاعون، وأمراض طفيلية لا تُرى، لا شيء يدفعني للبكاء بعد الآن، حتى الموت بات يمر بجانب مشاعري مرور الكرام، ولا نية لي للحاق بآخر غيمة بيضاء تأخّرت عن قطيع الرماديّات، أو استبقاء حب من نوع ما، ولا شيء يدهشني في هذا الصباح الغريب، وإن حفلت الصحف اليومية بأخبار الرّجل الذي عضّ الكلب، ولا يعنيني أبداً انخفاض أو ارتفاع الأسعار، فانا لست مصابة بمرض مستعصي أسمه الدولار أو إن شاهدت الديمقراطية تمشي على قدمين وساق..
طابور صباحي ممل من العادة والاعتياد والمعتاد، فلا بحة جديدة في صوت فيروز حين تنادي على “شادي”، والوزن الموسيقي رتيب في القصيدة المكتوبة والتي ستكتب بعد حين.. كل شيء حولي يحثني على البلاهة، للأسف لم أعد أشبه العصافير، حكمة اليوم في الإذاعة المدرسية كانت تصلح أكثر للأسبوع الماضي، فلن آخذ بها، وسأرمي عقلي السليم من جسمي غير السليم.. نكاية بكل المُنظرين..
وعندما يأتي المساء من جديد بإيعاز من تراتبية الوقت، لا شيء يخالف دوره في كتاب الليل.. فالسواد سيد أوقاتنا، حتى اللون الأصفر الذي كان ينتشر في الشوارع كبديل تجاريّ عن خيوط الشمس بتنا نفتقده بافتقاد شي نادر يدعى الكهرباء، الشاي في المقاهي مرٌّ ولو بعشر ملاعق سكر، ومنسوب الثرثرة قد تجاوز معدله السنوي على جانبي بردى، ولا أي حدث جديد سجل تحت ضوء القمر.
لا شيء يهمّني في هذه الظهيرة الكسولة، حادث السير الذي أفضى إلى موت السائق والراكب والماشي، إجراء ضروريّ لإكمال سنّة الحياة، وتجديد سكّان الأرض، أما صافرة شرطيّ المرور، فستحتفظ بدلالتها ولن يتغير المعنى برفع اليد إلى الأعلى أو لليمين أو اليسار..
لا شيء يُدهشني لا عودة شادي، ولا عودة التقنين كما كان قبل الحرب، أو إذاعة عشرين قصيدة حب وأغنية يائسة بعد موجز دمويّ للأنباء. ولا شيء يحيّرني، حتى استعمالي الغبي للبطاقة الذكية لم يعد يقلقني، لا شيء يدمعني حتى صوت العود في شريط الكاسيت الذي له لون الشاي بالحليب، “عض رجل كلباً” خبر صار عادياً مع مرور نشرات الأخبار، وكل ما كان غير متوقع أصبح معروفاً، ومفروغاً منه، وكل ما لم يحدث بات محتملاً مثل منخفض جوي كاذب، على ما اعتقد لقد تكررت كل المعجزات.
حاجباي لا يرتفعان ولا ينحيان، عيناي لا تجحظان، وشفتاي لا تستجيبان للابتسام، جلدي لا ينكمش ولا يقشعرّ، شعر رأسي كفّ عن الوقوف إلاّ بالمثبتات، وما يبدو شيباً ناتج عن سوء الإضاءة البيضاء، أما قنوات الدمع فهي مسدودة منذ سنوات الحرب اللئام، وهذا كله يعني أن جهازي العصبي مفصول من الخدمة بطلب من المستخدم.
لينا أحمد نبيعة