إلى معلمي السلام
أكسم طلاّع
يعيدني هذا اليوم إلى البعيد من طفولتي وإلى مدرستي الابتدائية “عين الزيتون” في تلك القرية حيث لا أسوار حول الأكواخ وبيوت الطين، كل شيء مفتوح على الحقول والسهول الممتدة إلى شروق الشمس، تلك الجهة التي يأتي منها معلم الصف من بلدة أخرى على دراجته الهوائية المزينة بشراشيب بلاستيكية ملونة وجرس.. شاب بصحة طيبة بملامح حازمة، يكتب أعلى السبورة تاريخ وحكمة اليوم بخط جميل.
لم نكن نعرف نحن الصغار أن لهذا المخلوق عيد، فالأعياد التي نعرف لا تتعدى عيدي الفطر والأضحى وربما هو مثلنا أيضاً! لكنه مهتم جداً بالجزائر وفلسطين ووحدة العرب ويزرع فينا أعياداً جديدة ترتبط بحرية واستقلال تلك البلاد ونضجنا في المستقبل.
في درس النشيد طلب منا أن نقرأ بصوت عالٍ بعد أن علمنا كيف نقرأ قراءة معبرة نعيش ما نقرأ ونتفاعل مع المعنى، وكانت القصيدة عن الوطن والغربة للشاعر خير الدين الزركلي:
العين بعد فراقها الوطنا لا ساكناً ألفت ولا سكنا
ريانة بالدمع أقلقها أن لا تحس كرا ولا وسنا
طلب أستاذنا من بعض التلاميذ الوقوف أمام السبورة والقراءة لزملائهم، وقد توفق البعض ونالوا استحساناً، وحين جاء دوري في القراءة اعتذرت من الأستاذ وطلبت منه أن أتوجه نحو النافذة كي لا يقع نظري بعيون زملائي وأرتبك لأنني كنت أخجل من بعض انفعالاتي! فوافق الأستاذ على طلبي، وربما كان على دراية بتفاصيل كل واحد منا.
قرأت القصيدة وعشت مضمون القصيدة ومعانيها وأنا الطفل الذي يعيش في مخيم النازحين القادمين من الجولان، وأنا ابن أسرة تركت حقلها وقمحها وزيتونها وخابية البيت والدالية وأنا الطفل الذي ترك أرجوحته المعلقة بشجرة أمام البيت.. وأنا الذي مشيت ساعات في ظل دابة تحمل بعض فراش أخوتي، وهنا انتابني البكاء وبكيت. حينها حضنني معلمي بعطف وخبأ رأسي بين يديه وجسمه.. نظرت للأعلى نحو عينيه فإذا بهما يدمعان.. معلمي يبكي معي هو الدرس الذي لا أنساه وهو الدرس الذي نزع مني أشياء كثيرة وزرع في روحي ذات مبدعة.
لمعلمي أحمد شحادة الرحمة والسلام ولروحه البيضاء أهدي ذكرياتي.