عشر سنواتٍ بعد درعا.. مأزق الغرب في سورية
“البعث الأسبوعية” ــ ستيفن صهيوني
15 آذار هو التاريخ الذي يستخدمه الكثيرون كبداية لـ “الانتفاضة” السورية في عام 2011. لسنواتٍ عديدة، كانت الحرب في سورية واحدة من المكونات الثابتة لوسائل الإعلام الغربية. ومع ذلك، توقف القتال في السنوات الأخيرة، ولم تسفر عملية جنيف عن نتائج، وبدأت بعض الدول في إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم. ساحات القتال صامتة، لكن المعاناة مستمرة من العقوبات الأمريكية – الأوروبية التي تحرم المواطنين من بعض الإمدادات الطبية ومواد البناء لإصلاح منازلهم وأعمالهم. الاقتصاد في حالةٍ من السقوط الشاقولي، في حين أنّ جائحة كورونا أضافت إلى اليأس الذي يشعر به الكثيرون. الناس لم تتلق بعد اللقاحات الأولى.
الأطراف المتعارضة
صوّرت وسائل الإعلام الغربية عناصر “الجيش الحر” على أنهم مقاتلون من أجل الديمقراطية. لم يتم الإبلاغ عن فظائع “الجيش الحر”، بينما استخدمته الولايات المتحدة وحلفاؤها كزعران في مشروع “تغيير النظام”.
,من بين 23 مليون مواطن في سورية، كان هناك حوالي ثمانية ملايين أعلنت المعارضة عزمها على تصفيتهم. الرئيس الأسد، هو الأمين العام لحزب البعث، الحزب الأقدم في سورية، والذي له قاعدة كبيرة من المؤيدين بين الشعب السوري. بالتأكيد، هناك معارضة سياسية في سورية، لكن أقلية صغيرة فقط من المعارضة تدعم “الثورة” المسلحة وتدمير الدولة. هذا هو سبب فشل “الثورة”: لم تكن مدعومة من قبل الأغلبية.
تعرضت حلب للهجوم من قبل “الجيش السوري الحر” لأنها كانت داعمة للحكومة. ردّ “الجيش السوري الحر” بقمعٍ وحشي بحق المواطنين العزّل بينما كان يقاتل المواطنين الذين تمردوا على أيديولوجيته الإسلاموية المتطرفة.
تريد وسائل الإعلام الغربية منكم أن تصدقوا أنّ معظم الوفيات في سورية سببتها الحكومة السورية، لكنكم لن تسمعوا عن مقتل واغتصاب وتشويه وتعذيب الآلاف من المدنيين العزل من قبل “الجيش الحر” وحلفائه. تم الإبلاغ عن خطأ مماثل هو عدد جنود الجيش العربي السوري الذين لقوا حتفهم، والذي يُعتقد أنه على الأقل نصف عدد القتلى المبلغ عنهم.
قام “الجيش الحر” بسرقة احتياطيات القمح في حلب وباعها للتجار الأتراك، كما نهب الأدوية، ودمّر المدارس، في الوقت الذي كان يضطهد السوريين ومنازلهم وأعمالهم.
طبّق “الجيش الحر” الشريعة الوهابية، ما أجبر المواطنين على الالتزام بقوانين لم يسبق لهم مواجهتها من قبل في سورية العلمانية.
أنتج “الجيش السوري الحر” شريط فيديو شوهد على نطاقٍ واسع لطفلٍ يبلغ من العمر 12 عاماً أجبره “الجيش السوري الحر” على قطع رأس ضابطٍ من الجيش العربي السوري.
عندما هُزم “الجيش السوري الحر” في ساحات القتال، أرسل نداءً يطلب فيه مساعدة إخوانه في السلاح “القاعدة”، وبدأ الإرهابيون الدوليون بالتدفق إلى سورية من تركيا التي كانت ملاذهم الآمن. من الناحية الرسمية كان تزويد القاعدة بالأموال والأسلحة مخالفاً لقوانين الولايات المتحدة، لذلك استعانت واشنطن بمصادر خارجية لتقديم الدعم، وعهدت بذلك إلى المملكة العربية السعودية وقطر اللتين أمدّتا جبهة النصرة، فرع القاعدة في سورية.
في 31 كانون الأول 2012، كتبت صحيفة هافينغتون بوست: “لا ينبغي أن يتفاجأ الغرب إذا نتج عن انتصار “الجيش الحر” قيام دولةٍ إسلامية. إذا كان الأمر كذلك، فسيكونون متواطئين في هذه النتيجة”.
كانت غاية خطة “تغيير النظام” التي وضعتها الولايات المتحدة والناتو في سورية قيام دولةٍ إسلاموية بقيادة جماعة الإخوان المسلمين، والتي كانت الذراع السياسي للمعارضة السورية المدعومة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في اسطنبول. كانت الانتخابات المصرية التي جاءت بجماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة من تدبير الولايات المتحدة، إلا أنّ الاحتجاجات الجماهيرية طردتها من السلطة.
استفادت الجماعة التي يطلق عليها اسم “داعش” من الفوضى التي أحدثتها الولايات المتحدة في سورية لإعلان “خلافةٍ” امتدت على مناطق في سورية والعراق صدمت العالم. بينما كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعمان “الجيش السوري الحر” وحلفائهما من القاعدة، كانت قوات التحالف الأميركية تقاتل للقضاء على داعش.
تمّ نقل الإرهابيين في حافلاتٍ في صفقات استسلام إلى محافظة إدلب شمال غرب البلاد، حيث يعيش الآن حوالي ثلاثة ملايين شخص في ظروفٍ مزرية تحت احتلال “هيئة تحرير الشام”، فرع تنظيم القاعدة في سورية.
المزاعم الكيميائية
في عام 2012، رسم الرئيس الأميركي باراك أوباما خطاً أحمر في الرمال، وقال إن استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية سيقابله تدخل عسكري أمريكي. وفسّرت الجماعات الإرهابية الخط الأحمر على أنه ضوء أخضر لها.
في أيار 2013، قالت كارلا ديل بونتي، المدعي العام السويسري السابق، والمدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، إنّ الأدلة تشير إلى استخدام “المتمرّدين” لغاز السارين. كانت عضواً قياديّاً في لجنة تحقيقٍ تابعة للأمم المتحدة.
في آب 2013، واجه أوباما قراراً بمهاجمة سورية في مخطط لتدمير الحكومة والبنية التحتية. ولكنه ألغى القرار.
في نيسان 2014، نشر سيمور هيرش تحقيقاً يشرح بالتفصيل الطريق السريع غير المشروع الذي تسلكه الأسلحة التي ترسلها إدارة أوباما لتصل إلى سورية، والذي تديره وكالة المخابرات المركزية، وكشف أيضاً تقرير مختبر الدفاع البريطاني الذي أرسله إلى أوباما، والذي يفيد بأن غاز السارين المستخدم في سورية لم يكن من مصادر الحكومة السورية.
في شهر نيسان 2018، مضى روبرت فيسك، مراسل الحرب المخضرم في الشرق الأوسط، مفتشاً عن المزاعم الكيميائية التي حدثت في دوما. حافظ فيسك على موقفه المناهض للنظام طوال الحرب، لكنه ذهب إلى دوما بعيونٍ مفتوحة بحثاً عن الحقيقة. ما وجده هناك كان الجانب الآخر من الفيديو الذي تم عرضه في جميع أنحاء العالم. بعد إجرائه مقابلاتٍ مع الأطباء والممرضات والمارّة، وجد أنّ مقطع فيديو الغاز كان لمرضى لا يتأثرون بالغاز، ولكن بسبب نقص الأكسجين في الأنفاق والأقبية التي كانوا يعيشون فيها، في ليلةٍ هبّت فيها الرياح وقصف عنيف أثار عاصفة ترابية.
السكان المحليون الذين تحدث إليهم تحدثوا عن إرهابيي “جيش الإسلام”، المدعومين من ملك السعودية، الذين احتلوا المنازل والمكاتب والشركات وأخضعوا السكان.
كانت جماعة “الخوذ البيضاء” مسؤولة عن الفيديو، إذ استغلت الموقف وصورته زوراً على أنه هجوم بالغاز. تمّ صب الماء على البالغين والأطفال لتقديم دليل على هجوم كيماوي.
بعد أيامٍ من تقرير فيسك، عرض المسؤولون الروس صبيّاً يبلغ من العمر 11 عاماً، اسمه حسن دياب، ظهر في الفيديو في دوما. وصفت وسائل الإعلام الغربية المؤتمر الصحفي الروسي بأنه دعاية. كان الصبي برفقة والده حيث وصف عدم تأثره بالمواد الكيميائية، ولكن تم غمره في الماء إجبارياً من قبل “الخوذ البيضاء”.
لم يغادر معظم الشعب السوري سورية قط. لو كانوا جميعاً مقتنعين بأن الحكومة تستخدم الأسلحة الكيماوية، لكان قد فرّ المزيد منهم. وغالبية أولئك الذين غادروا إلى ألمانيا، في صيف 2015، كانت من المهاجرين لأسبابٍ اقتصادية بحثاً عن مكانٍ آمن ودخل.
اللاعبون الخارجيون
تمت كتابة نص الحرب السورية في واشنطن العاصمة لكن المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا لعبت جميعها أدوارها الداعمة. رحل قادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا عام 2011، ولم يتبق سوى الألمانية أنجيلا ميركل.
كانت عملية “خشب الجمّيز” برنامجاً سرّيّاً لتوريد الأسلحة والتدريب تديره وكالة المخابرات المركزية، في جنوب تركيا. في آب 2017، أوقف الرئيس ترامب العمليات السرية التي تبلغ قيمتها مليار دولار والتي درّبت وموّلت وسلّحت الإرهابيين الإسلاميين الراديكاليين للقتال في سورية. تم ذلك بالتنسيق مع السعودية وقطر وتركيا.
فقد البرنامج الدعم السياسي في الكونغرس بسبب تسليم الكثير من الأسلحة إلى القاعدة المتحالفة مع “الجيش الحر”. كان الرئيس باراك أوباما قد بدأ البرنامج في عام 2013 للإطاحة بحكومة الرئيس الأسد لكنه هُزم بسبب انشقاقات “الجيش الحر” إلى جبهة النصرة وداعش.
دخل الجيش الروسي سورية في أواخر عام 2015. ولم ترغب موسكو في السماح لنظام إسلاموي راديكالي بالاستيلاء على السلطة في سورية، لأن ذلك من شأنه أن يهدّد الأمن القومي لروسيا. كانت موسكو تعلم أنّ أمامها إما القتال وهزيمة الإرهابيين في سورية، أو مواجهتهم لاحقاً في شوارع موسكو.
تنشر تركيا نحو 15 ألف جندي داخل سورية، ولها نفوذ كبير في إدلب التي تحتلها “هيئة تحرير الشام” التابعة لتنظيم القاعدة في سورية. يقود تركيا حزب من جماعة الإخوان المسلمين يعارض حكومة دمشق العلمانية. بالإضافة إلى ذلك، غزت تركيا الزاوية الشمالية الشرقية حيث أقام الانفصاليون الأكراد شبه دولة.
قدّمت إيران الدعم للجيش العربي السوري، فضلاً عن المساعدات الإنسانية. كما كانت جزءاً من الثلاثي الروسي والتركي في محادثات السلام ووقف إطلاق النار.
ستيفن صهيوني صحفي ومعلق سياسي سوري يحمل الجنسية الأمريكية.