مجلة البعث الأسبوعية

هل يستمر التفكير من داخل الصندوق الخشبي؟! انسداد أفق حلّ الأزمات الاقتصادية والمعيشية يثير مخاوف المواطنين!

البعث الأسبوعية_ غسان فطوم

أزمة انعدام الثقة بين المواطن والمسؤول وصلت إلى درجة كبيرة، فالأول لم يعد يأمل خيراً من الثاني، بعد أن جرّب كل حلوله “الميتة” التي فشلت في التخفيف من معاناته على أقل تقدير، بل زادت أحواله سوءاً ومعاناته ألماً  “معيشياً مبرحاً” لم يعد يحتمل!.

“عالحديدة”

للأسف لم يسبق للسوريين أن عاشوا مثل هذا الوضع الاقتصادي الصعب الذي أثقل كاهلهم وجعلهم “عالحديدة” كما يقال بعد أن أنفقوا كل مدخراتهم التي أكلها التضخم على مدى /13/ عاماً من عمر الحرب، والمشكلة هنا والتي تزيد الطين بلة أنه من الصعب أن تقنع أي مواطن بأنه لا توجد إمكانيات مادية أو حتى عينية لإنقاذ الوضع الكارثي، فما يراه من سيارات فارهة تجوب شوارع العاصمة دمشق وغيرها من المدن السورية، وما يراه في المنتجعات والمطاعم والفنادق التي تعج بالآلاف يجعله في حالة ذهول وشجون ولسان حاله يقول: من أين المال لدى هؤلاء؟!.

“أفرجها يا رب”

في تفاصيل هذا الواقع المنهار اقتصادياً ومعيشياً واجتماعياً باتت الغالبية الساحقة من الأسر السورية غير مرتاحة مادياً، فالرواتب فقدت قيمتها وقدرتها على “تسكيج” الحال، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما يصبح كيلو السكر بأكثر من 15 ألف ليرة، وكيلو الموز بـ 20 ألفاً، والفاصولياء بـ 12 ألف ليرة، وكرتونة البيض بـ 38000 ألف ليرة وقس على ذلك، فماذا تشتري الـ 160 ألف وهي أعلى شريحة رواتب في سورية للموظفين في الدولة؟!.

المواطنون باتوا يتخوفون من الأسوأ في ظل غياب الخطط الفاعلة لتطويق الأزمات المتلاحقة الضاغطة بقوة عليهم!.

سوء إدارة!

المهندس أكرم الخضر، يحمّل مسؤولية الوضع إلى سوء الإدارة التي أفرزت سياسات اقتصادية متشنجة –حسب قولة- ناتجة عن التخوف غير المبرر من عدم الاستقرار نتيجة الضغوطات والعقوبات التي أدت إلى الاختناق الاقتصادي، وهي الشماعة التي يعلقون عليها فشلهم، مضيفاً: للأسف استمرت القرارات الخاطئة التي خيبت آمال المواطنين وزادت في فقرهم وحاجتهم وبات لسان حالهم الدعوة لله “أفرجها يا رب”.

همّنا لقمتنا!

“ناس المطاعم والمولات والمنتجعات معرفين من هم”، فهؤلاء جمعوا ثرواتهم على أنقاض غالبية الشعب الذي صار همّه تأمين لقمة العيش، بحسب المحامي جابر الخضر، متسائلاً: أين المحاسبة التي يتحفوننا بها بأحاديثهم وخطبهم الرنانة، للأسف “ناس تزداد ثرواتها وناس تكاد تموت جوعاً”.

دكتور مهندس في الجامعة قال: راتبي عند بدء تعييني كمهندس كان أضعاف راتبي الآن، وبعد حصولي على شهادة الدكتوراه بـخمس سنوات لم يتغير أي شيء، فاليوم نشهد ارتفاعاً مخيفاً لسعر الصرف يرافقه  أكبر في الأسعار أكل الراتب بدلاً من أن نعيش ونأكل فيه!، متسائلاً: غريبة آلية تفكير الفريق الاقتصادي، كل المعطيات أمامه عن الواقع السوري، فكيف يقترح حلولاً تعقّد الأمور بدلاً من حلها؟!.

بدوره لا ينكر نذير حمدان /مدرس متقاعد/ أن الحصار الاقتصادي المفروض على سورية من دول الغرب، أحد أسباب ما نعيشه من أزمة اقتصادية، لكن كغبره يحمّل آلية التعاطي النمطية مع الأزمات المسؤولية، متسائلاً: أين دور مجلس الشعب في مساءلة ومحاسبة الحكومة على تقصيرها؟!.

70 ألف ليرة!

أحد المواطنين يقطن بجوار نبع السن الذي تذهب مياهه هدراً إلى البحر، يكاد يصاب بالجنون، فعلى حد قوله لا يوجد في بيته نقطة ماء بسبب انقطاع الكهرباء، مما يجعل صعود الماء من النبع أمراً مستحيلاً نظراً لطبيعة المنطقة الجبلية، وهذا الأمر يجبر هذا المواطن وغيره على شراء خزان المياه من الصهاريج المتنقلة بـ 70 ألف ليرة، كل خمسة أيام، متسائلاً: إلى متى يستمر هذا الوضع المزري، هل يعقل أن يعطش سكان بلد الينابيع؟!

لا تلوموهم!

الفلاح هجر أرضه، والطالب ترك جامعته، والموظف قدّم استقالته، وغيرهم كثر يفكرون بالهجرة، فهم يشعرون بأنهم مقيدون وعاجزون عن تحسين أحوالهم والعيش بكرامة في ظل الفقر الذي يحاصر الجميع!.

هنا قال جاد رنجوس /طالب جامعي/ : لا تلوموا طالب الجامعة أو أي شاب سوري عندما يفكر في الهجرة، فلو أكمل دراسته وإن صح له فرصة عمل فهو من المستحيل أي يفكر ببناء بيتاً أو التفكير بالزواج، وذلك قياساً للدخل الحالي لخريجي الجامعة الذي يعتبر من الفئة الأولى من الرواتب!.

وأضاف: الشباب هم من أكثر الذين تضرروا من الحرب، ولم تنصفهم سياسات الحكومة التي فشلت بوضع إستراتيجية لتشغيلهم واستثمار طاقاتهم، وهذا يؤكد بأن مشكلتنا في الآلية القاصرة والعاجزة عن تقديم رؤية صحيحة للحل وكأننا أفلسنا من كل شيء!.

الصندوق الخشبي!

باحثون ومحللون اقتصاديون يخشون من تفاقم الأزمات في البلد إن استمر التفكير من داخل الصندوق الخشبي، واستمرار ذات السياسات الاقتصادية العرجاء التي كرستها الحكومات المتعاقبة، مطالبين بتطوير، بل تغيير منظومة الأداء الحكومة، التي يجب أن تستنفر لاحتواء الوضع عبر تدابير مختلفة، أهمها استقرار سعر الصرف، والضرب بيد من حديد لكل من يتلاعب ويتاجر بالعملة، وقطع دابر الفساد بإجراءات عملية لا ورقية، ولفتوا إلى أهمية تحديث وتطوير وتسهيل التشريعات وتبسيطها وتوحيدها لأن البعض يستغل ثغراتها ويفسرها بالطريقة التي تحقق مصالحه.

لجنة مشتركة!

بالمختصر، الواقع المعيشي صعب للغاية وأبر التخدير لم تعد تجدي نفعاً في تسكين الآلام، والناس كانت تمنّي النفس بخروج قرارات مهمة عن الاجتماع الاستثنائي لمجلس الشعب مع الحكومة الذي جرى يوم الاثنين الماضي، لكنها صدمت في نهاية الاجتماع الذي خرج بـ “تشكيل لجنة مشتركة تضم عدداً من أعضاء مجلس الشعب واللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، مهمتها إعداد حزمة متكاملة من المقترحات العملية والفاعلة للنهوض بالواقع الاقتصادي والمعيشي والمالي والنقدي، وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف، وتحسين الأوضاع المعيشية للعاملين في الدولة، على أن تقدم هذه اللجنة مقترحاتها لمناقشتها وإقرارها”.

سنبقى على أمل أن تتحسن الأحوال في القريب العاجل، فالناس ونتيجة الخبرة باتت لا تحبذ ولا تتفاءل بعمل اللجان، فهي تُعسّر الأمر أكثر مما تيسره، لكن هل يحدث العكس هذه المرة؟!.