مجلة البعث الأسبوعية

هل يجوز لوزارة التربية تأجير المدارس الحكومية للقطاع الخاص؟

البعث الأسبوعية – علي عبود

انتظر سكان الجزر 16 و22 و23 و24 في ضاحية الشام الجديدة طويلاً إنجاز المدرسة التي تتوسط جزرهم، والتي استغرق تشييدها عدة سنوات، وتوقعوا أن تفتح أبوابها للطلاب مع بداية السنة الدراسية 2022 ـ 2023، لكن وزارة التربية لم تفعلها فقد كانت تخطط لتأجيرها للقطاع الخاص، ما شكل مفاجأة، بل صدمة لسكان الضاحية!

ولم نُصدّق الحدث “الجلل” في بداية الأمر، لكننا فوجئنا بأن وزارة التربية فعلتها مع عدة مدارس حكومية أخرى، أيّ أجرتها بمسمى “الاستثمار” للقطاع الخاص، دون أن تقوم الوزارة بتوضيح الأسباب أو الخلفيات القانونية التي تجيز لها تأجير المدارس الحكومية للقطاع الخاص!

والسؤال: هل تقوم وزارة التربية بفعلتها بموافقة رئاسة مجلس الوزراء، أما بما تعتبره تنفيذا للقوانين النافذة التي تحكم عمل الوزارة؟

والسؤال الأكثر أهمية، بغض النظر عن دستورية وقانونية تأجير المدارس الحكومية للقطاع الخاص: ماذا تستفيد وزارة التربية من تشييد المدارس ليستثمرها القطاع الخاص لاحقاً؟

بعيداً عن الإعلام!

ما يثير الشكوك بما فعلته وزارة التربية أنها قامت بإجراءات تأجير المدارس بعيداً عن الإعلام، ولم يظهر أي مسؤول على الفضائيات السورية ليشرح ويفسّر ويبرّر قرار وزارة التربية عرض عدد من مدارسها، وخاصة الجديدة منها، على القطاع الخاص مقابل حفنة من ملايين الليرات!

نعم، تروّج وزارة التربية لإنجازاتها ولنشاطاتها على مدار العام، لكنها تخفي أهم وأخطر نشاط لها عن الإعلام، لعلمها المسبق أنه سيثير غضب ملايين السوريين، ومع أن الفعل خرج إلى دائرة الضوء، فإن وزارة التربية لم توضّح ولم تفسّر ولم تبرّر الأسباب الحقيقية لتأجير عدد من المدارس الحكومية للقطاع الخاص!

والسؤال: من المستفيد من استثمار المدارس الحكومية، وزارة التربية أم القطاع الخاص؟

وإذا كانت الوزارة لديها الأموال لتشييد مدارس جديدة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة، فما مبرر تأجير بعضها للقطاع الخاص مقابل المال؟

الحكومة تبني والخاص يستثمر!

توحي قرارات التربية بتأجير مدارس حكومية للقطاع الخاص، وكأنّها تنفذ سياسة “تربوية” جديدة عنوانها الأبرز: الحكومة تبني المدارس، والقطاع الخاص يستثمرها!

وعندما تحرم وزارة التربية مناطق سكنية من مدرسة حكومية لتؤجرها للقطاع الخاص، فهذا يعني أنها مهتمة بنشر التعليم الخاص وتوفيره للأثرياء والمقتدرين ماليا، بدليل أن تأجير مدرسة في ضاحية الشام التي تزدحم بالمدارس الخاصة، لا نجد له تفسيرا ولا تبريرا سوى الانحياز للمستثمرين في التعليم!

ربما انخرطت وزارة التربية بالتوجهات القديمة الجديدة لوزارة الصناعة وعنوانها المستفزّ “التشغيل لصالح الغير”، فقد بات مألوفاً التصريحات الصادرة عن مديري الشركات الصناعية، المتوقفة عن العمل بقرارات اللجنة الاقتصادية، فهم يعلنون بصوت عال بلا حرج: نسعى لتشغيل خطوط إنتاجنا لصالح القطاع الخاص!

وهاهي وزارة التربية تقرر أيضا: نسعى لتشغيل مدارسنا الحكومية لصالح القطاع الخاص!

الملفت أن مجلس الشعب لم يسأل وزير التربية خلال مناقشة واقع وخطط وزارته: لماذا تؤجرون المدارس الحكومية للقطاع الخاص وتحرّمونها عن آلاف الطلاب المعوزين؟

ماذا يقول الدستور؟

لعل جهابذة القانون وجدوا ثغرة في الأنظمة النافذة التي تبرر أو تجيز لوزارة التربية الإعلان عن استثمار بعض مدارسها من قبل القطاع الخاص، ولكن يبقى الدستور هو المرجع الوحيد لعمل وزارات الدولة ومؤسساتها.. فهل يوجد نص دستوري يجيز بالتصريح أو بالتلميح يجيز لوزارة التربية تأجير مدارسها للقطاع الخاص؟

نصت المادة التاسعة والعشرون من دستور 2012 على التالي:

1 ـ التعليم حق تكفله الدولة، وهو مجاني في جميع مراحله، وينظم القانون الحالات التي يكون فيها التعليم مأجوراً في الجامعات والمعاهد الحكومية.

2 ـ يكون التعليم إلزامياً حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي، وتعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى.

3 ـ تشرف الدولة على التعليم وتوجهه بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع ومتطلبات التنمية

4 ـ ينظم القانون إشراف الدولة على مؤسسات التعليم الخاص

كما نلاحظ أنه لا يوجد نص على جواز تأجير المدارس للقطاع الخاص، ولا نص على أن تقوم الحكومة بإصدار تشريع يجيز هذا التأجير، فهو نص فقط على أن القانون ينظم إشراف الدولة، أيّ وزارتي التربية والتعليم العالي، على مؤسسات التعليم الخاص.

أكثر من ذلك فإن تأجير المدارس الحكومية الجديدة يُناقض الفقرة الثانية من المادة /29/ من الدستور، لأن جزء منها مخصص للتعليم الإلزامي الذي تعمل الدولة على مده إلى مراحل أخرى.

مخالفة لقانون تنظيم التعليم الخاص!

الأكثر من ذلك أن المرسوم التشريعي رقم 55 للعام 2004، الذي ينظم التعليم الخاص، وضع شرطاً بما يخص البناء المدرسي وشروطه واجبة التقيد من قبل القطاع الخاص، وبشكل مسبق قبل الحصول على الترخيص.

فبحسب الفصل الرابع من القانون، ووفقاً للمادة 7 منه، التي ورد فيها ما يلي: «ينبغي أن يكون بناء المؤسسة التعليمية الخاصة ملكاً لصاحب الترخيص أو مستأجراً أو حيازته مشروعة، وأن تتوافر فيه الشروط الآتية:

ـ أن يكون موقعه بعيداً عن الأماكن التي تعيق أداء الرسالة التربوية وفق الأسس المعتمدة في التعليمات التنفيذية.

– أن يكون البناء موافقاً لمتطلبات المراحل التعليمية المرخصة.

– أن يكون مستوفياً الشروط الصحية ومزوداً بالأثاث والمعدات اللازمة.

– ألّا يستعمل البناء لغير الأغراض التربوية ومتطلبات النظام التدريسي‏.

ماذا نستنتج من هذه الشروط الني نص عليها المرسوم التشريعي رقم 55 للعام 2004، الذي ينظم التعليم الخاص؟

نستنتج أن المرسوم منع وزارة التربية من منح القطاع الخاص ترخيصاً لممارسة التعليم قبل إنجاز بناء المؤسسة التعليمية الخاصة المستوفية للشروط  القانونية!

أكثر من 20 مدرسة!

وإذا كان الدستور لا يجيز تأجير المدارس الحكومية تحت أي مسمى (استثمار، عقود..الخ) فهل يوجد في أنظمة وزارة التربية نص يجيز التأجير؟

حسب المعلومات المتداولة والتي لم توضحها، فإن وزارة التربية  طرحت عدداً من المدارس الحكومية في مدينة دمشق بشكل غير رسمي للاستثمار الخاص بعقود وصلت قيمتها إلى مئات ملايين الليرات السورية.

ومن المفترض أن يبدأ سريان العقود في العام الدراسي المقبل على أنّ يتم تعميم التجربة على مدارس ريف دمشق في العام التالي في حال كانت نتائج الاستثمار مرضية لصالح القطاع الخاص والوزارة!

وتشمل العقود أكثر من  20 مدرسة حكومية مبرمة مع  مستثمرين من القطاع الخاص لاستئجارها شريطة الإبقاء عليها كمنشآت تعليمية، علما أنّ بعضهم يملكون مدارس خاصة، أي يسعون لتوسيع نشاطهم وزيادة أرباحهم من المدارس الحكومية بدعم من وزارة التربية!

وتنوعت مدة العقود بين 7 و10 و15 عاماً قابلة للتمديد بتراضي الطرفين بقيمة وصلت إلى مئات ملايين الليرات السورية لكل مدرسة يتم تسديدها للوزارة على فترات زمنية متفاوتة بحسب مدة العقد.

الخلاصة:

لا الدستور ولا المرسوم الذي ينظّم التعليم الخاص، ولا أيّ قانون آخر كقانون العقود يجيز لوزارة التربية تأجير الأبنية المدرسية للقطاع الخاص سواء القائمة منذ سنوات، أو الجديدة، وننتظر أن يفتح مجلس الشعب ملف تأجير المدارس الخاصة في أول جلسة له في دورته القادمة منعاً لأي نوع من الخصخصة المقنّعة لقطاع التربية والتعليم!.