هل مازال الكتاب حاضراً!؟
“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس
ما زال الكتاب وأزماته التي يعانيها مثار جدل ونقاش في الوسط الثقافي، فهناك من يرى الأسباب في سيطرة وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت والكمبيوتر وغيرها على مجالات حياتنا، كذلك تناقص عدد المكتبات التي تشكل ثروة كبيرة حتى في الزمن الاستهلاكي، وإغلاق بعضها، ما أحدث صدى موجعاً في أوساط المثقفين، وفقدها لوهجها في الفترة الأخيرة، وانتهاء زمن القراءة التنويرية، إذ بات قارئ اليوم عملة نادرة بعدما انخرط هذا الجيل في القراءة الافتراضية على شبكة الانترنت، وهبوط الكتاب من سلم الأولويات لأسباب كثيرة مثل كساد سوقه وارتفاع تكاليفه وقلة الناس الذين يترددون على المكتبات الخاصة لاقتناء كتاب والاطلاع على آخر الإصدارات بهدف شرائها، كذلك هناك أزمة القراءة بسبب سيطرة النزعة الاستهلاكية على مجمل مرافق الحياة وبشكل خاص على المثقفين ومشاريعهم إذ أن معظمهم من الطبقة الوسطى التي تحولت بفعل الضغط الاقتصادي للبحث عن أسباب العيش، ودخلت في صراع مع متطلبات الحياة، لكن هذه الأسباب جميعها على حضورها وموضوعيتها لاتلغي متعة القراءة وأهمية الكتاب الذي يشكل الرافد الأهم لأية ثقافة، وأزمة الكتاب لم تصل إلى أفق مسدود لا يمكن حله، بل إن الكتاب موجود شرط البحث عنه وطلبه، وما نراه من إقبال على معارض الكتاب سواء معرض الكتاب الدولي الذي تقيمه وزارة الثقافة في مكتبة الأسد سنوياً أم المعارض الدائمة في المراكز الثقافية وكلية الآداب، وحتى المعارض التي تقوم بها بعض دور النشر، يؤكد حضور الكتاب، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه لا يمكن للعولمة مهما تعددت وسائلها أن تلغي المتعة والحميمية التي يوفرها الكتاب، ومن الضروري أن تشكل معارض الكتاب طقساً دائماً ومستمراً ليبقى الكتاب حاضراً وخير جليس للناس.
هنا يحضرني حديث دار بيني وبين صاحب إحدى المكتبات المشهود لها بنوعية الكتب التي تقتنيها على مدى نصف قرن أو أكثر، وبالتالي تميز القراء الذين يرتادونها، فقد حدثني عن تجربته مع الكتب وكيف شكّل المكتبة واختياره للكتب التي يقتنيها، والتي استمرت حتى الآن، ويأسف للحال الذي وصل إليه الكتاب، وانصراف الناس عنه، والحال الذي أصبح عليه طلاب الجامعة الذين يمثل الكتاب آخر اهتماماتهم. وعندما حدثته عن الأسباب التي قد تشكل عائقاً أمام الطلاب كارتفاع سعر الكتاب وعدم قدرة طالب الجامعة على اقتنائه، استنكر السبب واستبعده، واستشهد بجيلهم الذي كان يوفر مصروفه اليومي ليشتري كتاباً وجيل هذه الأيام لا يشكل سعر الكتاب عائقاً أمامه لأنه ينفق مصروفه في أمور تافهة، إضافة إلى شرائه لكتب بعيدة عن المعرفة والفائدة، ولكن مع كل هذه الأزمة يبقى هناك قارئ حقيقي متتبع للكتب مؤمن بمتعة القراءة رغم التقنيات المتوفرة، وأن القراءة تمثل ظاهرة حضارية وما يعيشه الكتاب الآن هو جزء من هذه الأزمة الحضارية الشاملة، وهناك اقتراح بوضع خطة معرفية لحث وتشجيع الجيل الحاضر على القراءة وتسهيلها لها، لكن الأهم هو المستقبل فلا بد من العمل على تشكيل جديد يدرب على ثقافة القراءة وحرفيتها ليتشكل هذا الجيل متمتعاً يتذوق ويحس بمتعة القراءة والمعرفة وصولاً إلى إدراك العظيمة وهذا الجيل سينقلها إلى الأجيال الأخرى.
عطفاً على ما سبق، وبمناسبة يوم الكتاب السوري الذي أُقر في 23 نيسان من كل عام، والذي يصادف أيضاً اليوم العالمي للكتاب، أطلقت وزارة الثقافة شهر الكتاب السوري في جميع المراكز الثقافية ونوافذ البيع التابعة لها والمعارض الدائمة في كلية الآداب بجامعتي دمشق وتشرين في اللاذقية، وبنسبة حسم تصل لـ60% على الإصدارات كافة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل الكتاب ما زال حاضراً؟ وهل هناك خطة تضعها المؤسسات المسؤولة عن صناعة الكتاب بما يلبي رغبات القراء واحتياجاتهم، وفي المعارض التي تقيمها وزارة الثقافة الآن احتفاء بالكتاب يليق بذائقة القراء، أم هناك غاية أخرى من هذه المعارض؟