لو ذات سِوار…
د. نضال الصالح
في كتاب “الأمثال”، وفي “باب الكريم يظلمه الدنيء الخسيس، وما يؤمر به من دفعه عنه”، كتب ابن سلام ما يلي نصّه: “الأصمعيّ قال: من أمثالهم في هذا قولهم: لو ذات سوار لطمتني! يقول لو كان هذا الذي ظلمني نداً لي، وكان له شرفٌ وقدرٌ احتملته، ولكنه ليس بكفءٍ”. وفي “جمهرة الأمثال” لأبي هلال العسكريّ قوله: “وأصله أنّ امرأة لطمت رجلاً، فنظر إليها، فإذا هي رثّة الهيئة، عاطلٌ، فقال: لو ذات سوار لطمتني. أي لو كانت ذات غنى وهيئة، لكانت بليّتي أخفّ. ومنه أخذَ القائلُ قوله: فلو أنّي بُليتُ بهاشميّ.. خؤولته بنو عبد المدانِ. صبرتُ على مقالته ولكن.. تعالي فانظري بمن ابتلاني”.
يختزلُ المثلُ السابقُ، بامتياز، حكاية الحرب على سورية منذ عشر سنوات، فالأغلب الأعمّ من الدول التي أشعلت فتيل هذه الحرب، وأضرمت أوارها بالمال والسلاح، ليس له من الشرف والقدر شيءٌ، وهو غُفْلٌ في التاريخ، بل “عاطل” بتعبير “العسكريّ”. دولٌ ملح، أو رمل، أو غبار، فلا هي تعرفُ من أبجدية المدنيّة حرفاً، ولا هي تدرك من كتاب الحضارة سطراً، وليس لمالكيها، لا الملوك فيها، من أمر القيم أدنى نسَب، حتى ليصحّ القول فيها وعنها ما كان مثلٌ آخر قال: “إنّ البُغاث بأرضنا يستنسر”.
وبامتياز أيضاً، فإنّ حكاية المثل تختزل ما تصدّعت الأرض السورية عنه من ذوات أساور على غير مستوى، ومن ذلك تلك المجموعات الظلامية التي اتخذ كلّ منها لنفسه اسماً، وراية، وارتباطاً بهذه الدولة الملح أو تلك، أو هذا المسخ من الساسة أو ذاك، ولم يكن لأيّ منها من ثقافة الضوء سوى ما كان لإنسان ما قبل التاريخ من تماهٍ مع الطبيعة حوله، قسوةً، ووحشية، وإذعاناً لإرادة هذه الطبيعة نفسها التي احتاج ذلك “الإنسان” إلى زمن طويل ليعي ظواهرها، وتحولاتها، وأسباب غضبها وجبروتها أحياناً، ورقّتها وبهائها أحياناً أخرى، ومن ثَمّ ضرورات ذلك كلّه وسواه.
ومن ذلك أيضاً، من ذوات الأساور، “ما” زعمَ انتسابه إلى الثقافة عنوة، وزيفاً، وشهواتِ، أي أولئك الكتَبَة الذين لم يكن لأيّ منهم، طوال تاريخه، أيّ صلة بقيم المثقف، فتمركسَ حين رأى في “الماركسية” ما ينفعه، أو يحقّق له مجداً يخصّه، وتأسلمَ حين رأى في “الإسلام السياسيّ” ما يمكن أن يجعل منه “معرفة” بعد أن أمضى حياته “نكرة”، وأن يملأ جيبه بهذه الحفنة أو تلك من أعطيات قاتل هنا وآخر هناك.
لقد تكشفّت السنوات العشر التي مضت عن غير “ذات سوار”، وعمّن تليق بكل منهم هذه الصفات، مفردةً حيناً ومجتمعةً حيناً آخر: خؤون، وكذوب، وظلومٌ، وغدور، و.. فجحدَ فضل، بل أفضال، الوطن عليه، ورمى الآخر المختلف بما ليس فيه ومنه. ولو شاء هذا الوطن، ولو هذا الآخر المختلف، تعريته، أو الردّ على ما يهذي به في هذه الفضائية أو تلك، وهذا الموقع الإلكتروني أو ذلك، أو هذه الصفحة من صفحات التواصل الاجتماعيّ أو تلك، لوجد نفسه يردّدُ:
لو ذات سوار لطمتني!.. لو.