ثقافةصحيفة البعث

سمير طحان في “تماس”: أنا لا أقدم حلولاً وإنما أحرّض على التفكير

لم يكن المقصود بـ “تماس” التماس مع الاشتباكات وإطلاق الرصاص العشوائي ودوي صوت الانفجار فقط، وإنما التماس مع الذات بالبوح عن أوجاعها، ولاسيما تلك التي خلفتها الحرب، والتماس مع المشاعر والعلاقات الدائرة بالمحيط العام، في مسرحية “تماس” التي تُعرض على خشبة القباني (إخراج وكتابة سمير طحان) ضمن مشروعه المسرحي الذي يدمج فيه بين السينما والمسرح. وّظف طحان الخلفية السينمائية بعرض مشاهد عن معالم دمشق كمحور عام مرافق للنص، ثم خصّها بتفاصيل الأحداث بتجسيد حالة الحلم برقصة العروس بالفستان الأبيض، وبلقطات قريبة اختزلت عبْر حركة العين والجسد وتغيّرات ملامح الوجوه فحوى الحوار الدائر.

التنازل والخذلان

وتُبنى المسرحية، المؤلفة من ثنائية مشهدية بين عبير بيطار “فرح” ومحمد شما “حسان”، وفق الوحدة الصغرى داخل الوحدة الكبرى، إذ تدور الأحداث في فلك الحرب، فيرافق أزيز الرصاص العرض في أغلب المشاهد، وتبدأ من غرفة دار الأزياء التي يعمل بها حسان بحبكة محكمة بينهما.

شغلت السينوغرافيا البسيطة فضاء خشبة المسرح بتعبيرات وإيحاءات رمزية، فمن موديل فستان السهرة الأحمر البراق الموحي بالأمل وبطيف الحب القادم، إلى البار، إلى مكتبة صغيرة تحتوي بعض الكتب الأدبية والفلسفية، وسريراً صغيراً، ولوحة بورتريه لأنثى تشغل جانباً، إلا أن الستارة البيضاء الشفافة المسدلة على النافذة الخشبية المربعة في الأعلى كانت أكثر تعبيراً بإيماءة إلى الخلاص، الجملة التي تكررت في الحوار “بتخلص الحرب”.

الفكرة التي ركّز عليها المخرج هي التنازل الذي يؤدي إلى خسائر لاحقة، وطرح تساؤلات عدة مازالت مفتوحة تتعلق بواقع الفقر والحاجة والخذلان والخيبة ومعاناة المرأة في العمل والحياة، إضافة إلى الأوضاع الحياتية الصعبة التي يواجهها الشعب السوري نتيجة الحصار الجائر وتبعات الحرب.

بين الموت والحياة 

الحدث الأساسي في المسرحية هو قدوم فرح إلى دار الأزياء قبل الإغلاق بقليل لشراء فستان ترتديه بحفل خطوبة صديقتها، هذا ما ادّعته في البداية لتكشف الأحداث اللاحقة الحقيقة بأنها سترتديه بحفلة خاصة تبيع بها نفسها لقاء المال لتنقذ والدتها من الموت، وفي الوقت ذاته تبدأ الاشتباكات، فلا تستطيع مغادرة الدار وتبقى مع حسان حتى يفكّ الاشتباك، وفي هذا الوقت يحدث تقارب بينهما ببوح كل واحد منهما للآخر عن واقعه المأزوم.

الموضوع المكرّر في الدراما هو حكاية فرح خريجة الأدب العربي التي لم تجد عملاً يكفيها، فعملت سكرتيرة في شركة، بعدما وقعت ضحية قصة حب مع شاب غدر بها وتركها تواجه المجتمع وحدها وسافر لمتابعة دراسته، فتستحضر واقعة اعترافها لحسان بمشهد الاتصال الهاتفي مع حبيبها وصراخها “الو الو” حينما تعترف له بأنها حامل، ومن وقع صدمتها تفقد الجنين وتبدأ معاناتها مع تعرّضها للتحرش وعدم قدرتها على فضح الأمر مع خط الفقر “الفرح مو إلنا، السعادة مو إلنا، الزواج مو إلنا”، وبالمقابل يعترف حسان بتنازله عن حلمه بأن يكون رساماً ليتزوّج من حبيبته ويعمل مع والدها في دار الأزياء، ومن ثم رفضه مغادرة البلد في الحرب “أنا شخص رومانسي أتعلق بالأماكن والأشخاص”، فتهرب زوجته مع الأولاد وتغادر إلى أوروبا بذريعة الأمان وتتركه وحيداً مع آلامه.

نهاية معلقة 

ورغم حالة الغضب التي تسيطر على فرح إلا أنه تنشأ حالة استلطاف أو حب خفيّ بينهما، لكن حسان يتراجع ويغلق مشاعره، ويترك الباب موارباً لتتخذ فرح القرار “بدك تروحي بدك تبقي”، النهاية المفتوحة حملت تساؤلات تتعلق بالمرأة والرجل والمجتمع الذي هل من الممكن أن يتجاوز خطايا الأنثى؟ والتساؤلات البعيدة بتورية عن أبعاد الحرب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.

تساؤلات لبناء الذات 

وعلى هامش العرض أوضح سمير طحان في حديثه لـ”البعث” أن مشروعه ينطلق من محاولات الدمج بين السينما والمسرح لتقديم فرجة مسرحية مختلفة بموضوعات تتعلق بالعوالم الداخلية للإنسان السوري، وما طرأ من تبدلات على العلاقات الاجتماعية خلال سنوات الحرب، إضافة إلى كل ما يتعلق بتسليع المرأة، حتى الأطفال كانوا حاضرين بفنية غير مباشرة، وصولاً إلى الأسرة السورية التي تشتّتت، مع خيارات إيجاد لقمة العيش بطريقة لا يتخلى بها الإنسان عن مبادئه وقيمه. فطرحنا تساؤلات بحاجة إلى البحث لنعيد بناء ذواتنا وبناء المجتمع وبناء الإنسان السوري لمرحلة ما بعد الحرب.

أما عن النهاية المفتوحة فتابع بأننا مازلنا في مرحلة ما بعد الحرب، وبحاجة إلى إيجاد كل شخص طريقة خلاصه، أنا لا أقدّم حلولاً وإنما أحرّض على التفكير. وفيما يتعلق بالموضوع الأساسي المكرّر عن وقوع الفتاة بالخطأ وتخلي الرجل عنها، بيّن أن المقولات الدرامية نفسها لا تتغيّر وإنما طريقة الطرح تختلف برؤية المخرج.

ملده شويكاني