مجلة البعث الأسبوعية

أقطاب الحكومة تراهن على قفزات متتالية في الإنتاجية الصناعية الموجهة للتصدير

“البعث الأسبوعية” ــ علي بلال قاسم

لأن لكفاءة إدارة الجمارك ومعها الإجراءات الجمركية ومستوى الخدمات المقدمة مؤشر ودلالة لا يمكن تحييدها في التعاطي مع أجندة التجارة الخارجية “الموجوعة” في زمن الحرب ومفاعيل الحصار والعقوبات، فإن الحديث عن أداء “حتى ولو كان افتراضياً” يعد ضرباً من جلد الذات لقطاع أصابته حمى العزلة، فوصلت العدوى كافة مناحي ومواقع الإنتاج والعمل، بعدما انعكس إغلاق المعابر الحدودية مع دول الجوار في ارتفاع تكاليف النقل بكافة أنواعه بشكل عام، ليتم الاعتماد على النقل البحري ذو الكلفة الأعلى والزمن الأطول وخصوصاً في ظل غياب الخطوط المنتظمة من وإلى المرافئ السورية.

ومع ذلك، من المعروف أن هناك محدودية في أسواق التصدير المتاحة في ظل ظروف الأزمة الحالية والعقوبات الاقتصادية المفروضة، على الرغم من أن بعض أنواع المنتجات السورية ما زال مرغوباً في الأسواق الخارجية ولو بشق الأنفس. ولهذا يأتي اقتراح وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية على الحكومة بتبسيط الإجراءات من حيث النافذة الواحدة “الالكترونية” للتصدير، في إطار خطة عمل باتجاه إنجاز إضبارة أتمتة عمل مديريات التجارة الخارجية بهدف تنظيم وإدارة ملفاتها في جزئيتها المتعلقة بعمليات الاستيراد ومنح الموافقات عبر تأسيس لنظام النافذة الواحدة، إذ يمكن أيضاً تطبيق ذات الآلية تجاه عمليات التصدير، وهي الأكثر بساطة. وتتمثل أهداف تطبيق النافذة الواحدة، عبر توفير عدد من الخدمات للتجار والحكومة، مثل جمع المعلومات عن الوثائق والتراخيص المطلوبة والحصول على الاستثمارات واستيفاء البيانات المطلوبة ودفع الرسوم عن طريق الانترنت والإعلان عن الصادرات وإعداد التقارير المتعلقة بتأكيد صحة التراخيص وتبادل البيانات والمعلومات الجمركية مع الأنظمة الأخرى الخارجية والمشاركة في النافذة الواحدة ومراقبة مسار الشحنات وتعقبها.

 

إدارة العملية

وحسب رؤية الاقتصاد – التي تلقت “البعث الأسبوعية” بعضاً من ملامحها – يمكن للحكومة أن تتبنى أحد نماذج الخدمات مع القوانين والأنظمة، بحيث يمكن التوسع بها تدريجياً بما يسمح للشركاء الاستراتيجيين المعنيين بالانضمام إلى النافذة لإدارة العملية التصديرية وتحقيق أهداف من قبيل تقليص عدد الوثائق والمدة اللازمة لإنجازها والحد من تكاليف المعاملات التجارية وتعزيز الشفافية والضوابط الإدارية وجمع وتبويب البيانات والمعلومات المتعلقة بالتصدير وإفساح المجال لتطوير نظم حديثة لإدارة الخدمات اللوجستية وتسهيل التواصل مع شبكات التجارة وأنظمة نقل وتبادل المعلومات مع البلدان، ويمكن البدء بتشغيل النظام بشكل تجريبي في مديرية اقتصاد محافظة دمشق أولاً، ليصار إلى تعميمه في نقاط أخرى على مستوى المحافظات، مع التأكيد على أهمية تلبية المتطلبات التالية تحديد الجهة المسؤولة عن إدارة وتشغيل النافذة ودعم قانوني لتنفيذ نظام النافذة الواحدة والبنى الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والربط الشبكي مع الجهات المعنية وتحديد الشركاء المعنيين في إدارة وتشغيل نظام النافذة الواحدة ودور كل منها.

ولضمان كفاية الأنظمة والسياسات والأطر لدعم جودة المنتج السوري ترى المقترحات والتوصيات الوزارية أنه لابد من البنى التحتية الداعمة لجودة المنتج السوري من خلال إحداث نظام الرقابة على الصادرات والاستمرار بالعمل على تفعيل عمل اللجان المشكلة بالقرار رقم 589 تاريخ 21/ 7/ 2016، لتقوم بمراقبة الفرز والتوضيب بشكل دوري ومراقبة جودة الصادرات، مع إحداث شركة الرقابة على الصادرات على المدى الطويل مع تفعيل دور المخابر العاملة في قياس جودة المنتج السوري وتشجيعها على الحصول على اعتمادية منح شهادة الجودة الدولية ومع تشجيع القطاع العام والخاص على إنشاء مؤسسات خاصة بعملية ضبط الجودة ومراقبتها.

 

تخفيض تكاليف

وهنا، لا يخفي أكاديميون وخبراء مراقبون غيرتهم على زيادة الوعي بأهمية ثقافة الجودة من خلال تخفيض تكاليف الحصول على شهادة المطابقة التي تتضمن كل التكاليف الوقائية لضمان منتجات بلا عيوب، وتدريب وتأهيل الكوادر العاملة في المؤسسات المختصة بمراقبة الجودة، والتأسيس لنظام اعتمادي معترف به دولياً يعنى بمراعاة الشروط الواجب توافرها لمنتجات التصدير بدءاً من مرحلة الإنتاج إلى تسويق المنتج.

وبالتالي، لا بد من وضع برامج تثقيفية للمنتجين (المصدرين) حول أهمية الالتزام بالجودة وتطبيق المعايير الدولية وتحديد المواصفات القياسية لكافة الصادرات السورية، بما يتوافق مع أدلة ومعايير التصدير المعتمدة لدى الأسواق المستهدفة وتفعيل التعاون الدولي (الاتفاقات الدولية) في مجال تقييم المطابقة، والتي تساعد على تشجيع التجارة البينية مع الشركاء التجاريين.

وفي مضمار كهذا، يكثر الحديث عن إنشاء قاعدة بيانات حول الجهات العاملة في ضبط الجودة (مخابر – مراكز فرز وتوضيب وتعبئة وتغليف – مراكز بحثية)، والخدمات والشهادات التي تمنحها، مع تعزيز كفاءة العملية التسويقية للصادرات من خلال الجانب اللوجستي وذلك بوضع خطط لتفعيل خطوط النقل (بري – بحري – جوي)، والعمل على إيجاد خطوط نقل بحرية منتظمة مع الدول المستهدفة ومعالجة الحالات الطارئة وتفعيل إدارة وتشغيل المرافىء الوطنية وتطوير الإمكانيات المتاحة فيها لتقوم بتقديم الخدمات اللازمة لدعم العملية التصديرية وجمع المعلومات والبيانات حول أسطول النقل الداخلي والخارجي، وتحديثها بشكل مستمر، ووضع الآليات للاستفادة منها بالشكل الأمثل, وإحداث مكاتب التمثيل التجاري في سفارات الدول المستهدفة لتقديم المعلومات حول أسواق هذه الدول, وتوجيه المشروعات لهذه الأسواق وبناء قاعدة بيانات تتضمن معلومات عن الأسواق الخارجية والمعارض الدولية وأسعار المنتجات المنافسة والمشاركة في المعارض الدولية المتخصصة في البلدان التي تعتبر فرصاً هامة للصادرات الوطنية وإعداد الدراسات عن الأسواق الدولية ومتطلبات الولوج إليها والتعاقد مع شركات تسويق عالمية تعمل على التعريف بالمنتج السوري والاستفادة من شبكة علاقاتها في هذا الإطار وتشجيع إنشاء مراكز تجارية أو مستودعات للمنتجات السورية في الدول المستهدفة.

 

استمزاجاً وسبراً

وتقول المعلومات التي خرجت من أروقة الوزارة أن ثمة استمزاجاً وسبراً للكثير من الأفكار وأوراق العمل من قبل مختصين يأملون ببرامج دعم وتمويل التصدير، على اعتبار أن من الضروري العمل على وضع عدد من البرامج على المدى القصير والمتوسط والطويل والتي تستجيب لاحتياجات المنتج – المصدّر- وتحقيق أهداف زيادة الصادرات بما يسمح لها بأن تلعب دورها الايجابي المنشود في التنمية من خلال برامج دعم تكاليف الشحن للدول المستهدفة وفق منهجية تأخذ طبيعة المنتجات والبلدان التي يتم التصدير إليها ووسيلة الشحن المستخدمة، إضافة إلى برامج تطوير نظم التحفيز الضريبي للصناعات التصديرية بالتعاون مع الجهات المعنية وإعطاء مزايا تفضيلية للقطاعات المستهدفة في كل مرحلة من مراحل تنمية الصادرات ومساندة المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال اختيار عدد من السلع المتميزة من القطاعات ذات الأولوية وتقديم دعم فني لها لتطوير إنتاجها وإعداده للتصدير وإنشاء مؤسسة لضمان الصادرات على المدى الطويل.

ومن البرامج المطروحة خفض تكاليف المداخلات الصناعية وتحسين مستوى المنافسة، حيث يعاني القطاع الصناعي من مشاكل جوهرية أعاقت نموه وأدت إلى تدني الإنتاجية فيه, الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على تدني القدرة التنافسية للمنتجات الصناعية السورية في الأسواق المحلية والخارجية على حد سواء، وبرنامج دعم جودة المنتجات الوطنية، إذ تبين أوراق العمل أنها تعبّر عن الفرق بين المنتج الفعلية وتكلفة المنتج المنخفضة التي يمكن أن تحدث إذا لم يكن هناك إمكانية لحدوث خدمات مطابقة وفشل في المنتجات ووحدات معيبة في التصنيع أو بمعنى آخر التكاليف المتعلقة بكل من الوصول وعدم القدرة على الوصول إلى مستوى الجودة المطلوب لكل من المنتجات والخدمات ويمكن رؤيتها كتكاليف الوقاية من مشاكل الجودة وقياس ورقابة مستويات الجودة والتفتيش على مستويات الجودة أو الفشل في الوصول إلى مستويات الجودة المطلوبة ويشمل البرنامج دعم تكاليف المواءمة (المطابقة) والذي يتضمن كل التكاليف الوقائية لضمان منتجات بلا عيوب.

ولا بد – وفق المبرمجين – من إنشاء علاقة تكاملية مع السياسات القطاعية، حيث أن عمل الجهات المعنية على وضع وتنفيذ السياسات القطاعية، التي تنمّي الإنتاج ونوعيته لمختلف الأنشطة الاقتصادية، يجب أن يتناغم مع السياسة الموضوعية لتنمية الصادرات السورية، حيث يتم العمل على ثلاثة محاور رئيسية من خلال تحقيق معدل نمو أعلى في الصادرات من خلال تنميتها واجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر بوصفهما أداة لتعميق اندماج سورية في الاقتصاد الإقليمي والعالمي، وتعتبر هذه مرحلة أولى يتوجب تنفيذها في الأجل القصير ويتمثل هدفها الأساسي في زيادة الصادرات والعمالة للقطاعات ذات الأولوية التصديرية وسيكون التركيز فيها على دعم ما يوجد الآن من صناعات تعتمد على الموارد الطبيعية والتكنولوجيا المنخفضة المستوى( أي على الصادرات الكثيفة العمالة).

 

طرح متقدم

بالعموم، هناك رهان من قبل أقطاب الحكومة المعنيين بملف التصدير على تحقيق قفزات متتالية في الإنتاجية الصناعية الموجهة للتصدير من خلال مجموعة من السياسات والبرامج المصممة بعناية بغية الارتقاء بالقدرة التنافسية لصادرات السورية، وتعتبر هذه مرحلة ثانية متوسطة الأجل (مرحلة الصادرات متوسطة التكنولوجيا) يكون هدفها تعزيز كفاءة الصادرات بإقامة المؤسسات اللازمة للتصنيع عالي الجودة، بالإضافة إلى تحسين المكون التكنولوجي للصادرات من خلال الانتقال إلى مرحلة التصنيع المعتمدة على التكنولوجيا المتوسطة، وبالتالي إنجاز تحول تدريجي في هيكل الصادرات السورية ينتقل به من الأنشطة القائمة على استخدام الموارد الطبيعية ثم إلى التكنولوجيا المتوسطة، وأخيراً إلى الصادرات عالية التكنولوجيا، وتلك هي مرحلة ثالثة (مرحلة الصادرات عالية التكنولوجيا) يجري تنفيذها في الأجل الطويل، ويكون الهدف منها بناء القدرة الابتكارية، وهي المرحلة التي يعتمد فيها الإنتاج والصادرات على التكنولوجيا المتقدمة.

وهنا قد يكون الطرح متقدماً جداً وفي غير أوانه – وفق البعض – ولكن لا ضير بأن يكون “المخ الاقتصادي الحكومي” في سياق وسباق الاشتغال على المدى التصديري الأقصى الذي يضع المستقبل في أيد أمينة، حتى ولو كان الحاضر الاقتصادي صعباً ولا يبرر القفز إلى الأمد البعيد.