أوكرانيا.. بايدن العجوز عازم على خوض المعركة
“البعث الأسبوعية” ــ هيفاء علي
في مواجهة صعود التعددية القطبية، يعيش الأمريكيون حالة من الذعر بعدما علموا أن رئيسهم العجوز عازم على خوض معركة ضارية، وقد اختار أوكرانيا، رأس جسر الناتو، لتنظيم عدوانه على روسيا، وتايوان لاستفزاز الصين. الحرب تختمر.. لكن أليس التهديد والوعيد هما من سمات الضعيف؟
تفيد آخر المعلومات أن كييف تعمل ومنذ عدة أيام على تعزيز خطها الأمامي في شرق أوكرانيا ضد دونباس، التي يريد الرئيس الأوكراني، دمية واشنطن، إعادتها بالقوة إلى حظيرة أوكرانيا. يتم استقدام ونقل الدبابات والأسلحة من مختلف القطعات العسكرية في قطارات بالقرب من المنطقة الموالية لروسيا، وغالباً إلى المناطق السكنية. تسارعت عمليات القصف على الأحياء المدنية في دونباس، المدفعية الأوكرانية تعدل نيرانها، طائرات بدون طيار تحلق فوق البلاد لتحديد الأهداف المحتملة، ويتم تنفيذ العديد من عمليات التوغل لاختبار يقظة الحلفاء.. يبدو أن كل شيء جاهز لبدء هجوم واسع النطاق من قبل القوات الأوكرانية في الأيام المقبلة.
لكن كييف لا تستطيع الدخول في مثل هذه المعركة وحدها، ولا تستطيع مواجهة دونباس المدعومة من روسيا، لسبب بسيط هو أن فلاديمير بوتين يعلم جيداً أنه إذا تم الاستيلاء على دونباس، فسوف ياتي دور شبه جزيرة القرم. ومن المحتمل ألا يكون الرد الروسي طويلاً، ومن المرجح أن يكون قاتلاً لأوكرانيا الفاسدة حتى العظم مع رئيسها المهرج، لذلك تنتظر أوكرانيا الضوء الأخضر والدعم الإيديولوجي واللوجستي من سيدها الأمريكي وأتباعه الأوروبيين لبدء الهجوم.
الناتو جاهز للعدوان..
في هذا الوقت، قام بايدن العجوز بشن هجوم عنيف على الرئيس الروسي، بوتين، وهو بذلك لا يختلف عن كل أسلافه الذين لم يجلب أحد منهم السلام للعالم؛ بل على العكس، أطلقوا الحروب، أو شاركوا بها، أو عملوا على تأجيج النزاعات المسلحة للحفاظ على هيمنتهم على العالم، وفشلوا في جميع مبادئ الدبلوماسية الدولية المتحضرة. عقب هذا الهجوم، استدعت روسيا على الفور سفيرها في واشنطن للتشاور، فيما ترك بايدن، اليانكي الذي يرتدي القبعة الخضراء لوكالة الاستخبارات المركزية، العالم مذهولاً، على مرأى من وسائل الإعلام العالمية.
وبحسب مراقبين، فإن هذا الاستفزاز كان محسوباً بعناية بعدما خسرت الولايات المتحدة في سورية، وفيما يوشك نظامها الإمبريالي على الإفلاس، فهذا النظام قائم فقط على الاستغلال المخزي لشعبه، وعلى الهيمنة على مناطق أخرى من العالم، ونهبها، دون الأخذ بالحسبان تزايد مشاعر الكراهية وسلوك نهج المقاومة للسياسات الأمريكية في العالم. إذ يبدو الآن أن روسيا والصين تشكلان عقبتين جديتين أمام توسيع النفوذ الأمريكي خاصة وأن الصين في طريقها لأن تصبح القوة الاقتصادية والمالية الرائدة في العالم، إضافة إلى أنها تعمل على تحديث جيشها وقدراتها العسكرية الحالية، بحيث تقود الولايات المتحدة إلى الكف عن الغطرسة. وها هي الولايات المتحدة تفقد أعصابها بدون حجج مقنعة، بعدما شعرت أن هيمنتها باتت مهددة، لذلك تحرض وتهدد وتتوعد كما لو أنها لا تعرف القيام بأي شيء آخر.. إنها تبرهن مرة أخرى على أنها بلد خطير للغاية بالنسبة للشعوب وللسلام في العالم، منذ إنشائها وحتى يومنا هذا، حيث تأسست على واحدة من أفظع الإبادات الجماعية في التاريخ.
اختار بايدن وصقوره مهاجمة روسيا على حدود أوروبا التابعة، مستخدمين أوكرانيا التي يعتبرونها بالفعل جزءاً من الناتو بعد سيطرتهم السياسية عليها، والتي يتهم قادتها الحاليون روسيا بتسهيل الانفصال وتنظيم إعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع روسيا. ويبدو أن هناك مكاسب غير متوقعة يرنو إليها الاستراتيجيون الأمريكيون، لأنهم يظنون أنه إذا هاجمت القوات الأوكرانية منطقة دونباس فإن روسيا لن تتدخل، وبالتالي سيكون خطر الانفصال الدبلوماسي الطويل مع أوروبا أكبر مما ينبغي. فلماذا لم تشن كييف هجومها الكبير قبل هذا التوقيت؟ حتما، لأنها تعلم علم اليقين أن روسيا لن تتخلى عن دونباس لمصير رهيب؛ وكما قال بوتين، مراراً وتكراراً: طالما أن روسيا لا تملك أي ضمانات بأن أوكرانيا لن تصبح معقلاً أوروبيا على أعتابها، وطالما أن توسع الناتو نحو الشرق لن يتوقف، فلن تتخلى عن دونباس.
وهنا يتساءل مراقبون عما إذا كان لدى بايدن كل الأوراق بالفعل لوضع تهديداته موضع التنفيذ؟ خاصة وأن الجميع يعلمون أن الإهانة والتهديد من سمات الضعفاء؛ إذ يرجح أن تصطدم طموحاته الإمبريالية بمقاومة هائلة، وقد يعاني من انتكاسات لا يشك فيها، فالكثير من رؤيته للعالم أحادية الجانب، وعماه الاشكالي وتصوره للعلاقات مع الدول الأخرى خالٍ من كل احترام وإنسانية. ومع هذه الجعجعة والضجيج من الغرب إلى الغرب، يصر بايدن على وضع بلاده في فئة الشعوب البربرية. وهكذا تبقى أمريكا، بالنسبة لشعوب الكوكب الأخرى، أخطر كيان في العالم، والأخطر على التعايش السلمي، خاصة وأنها لم ولن تتردد في استخدام القنابل النووية لتحقيق مآربها.
هذا الرجل والمجمع العسكري الصناعي الذي يرشده، بدعم من أوروبا المستعبدة، قادران على استفزاز الصين بشكل خطير حول تايوان على وجه الخصوص، والتي أصبح رئيسها الجديد، التابع لواشنطن، ميالاً إلى “الاستقلال” فجأة، وعلى بدء حرب على حدود أوروبا، “بعيداً عن الوطن” مرة أخرى، بغض النظر عن عدد الضحايا، بهدف عزل روسيا من خلال تطويقها بالقواعد العسكرية الأطلسية على حدودها، وخنقها اقتصادياً، مع محاولة تدمير خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الذي سيربط روسيا بألمانيا. هذه الإيماءات غير المقبولة – والغرض الوحيد منها إحكام السيطرة على العالم – يمكن أن تولد حريقاً سيؤدي إلى اندلاع حريق في العالم في غضون أسابيع قليلة، وعليه، فإن جنون واشنطن للحرب هو السرطان الحقيقي لهذا الكوكب.
سوف يتذكر الجميع أن فلاديمير بوتين قال في ندوة دولية أنه في مرحلة دراسته الابتدائية في سان بطرسبرغ تعلم أنه عندما يصبح واضحا أن العدو على وشك أن يضربك، فمن الأفضل أن تضرب أولاً. وقد تُرجم هذا في الأيام الأخيرة في العديد من الخدمات الفيدرالية إلى “خارطة طريق” واضحة جداً: إذا لزم الأمر، كن مستعداً للضربة أولاً.
ويبدو أن قادة الولايات المتحدة لا يعرفون ذلك بعد، لكنهم خسروا بالفعل، وسوف يتعين عليهم أن يقبلوا ظهور التعددية القطبية في وقت أقرب مما هو معتقد. التنوع أمر حتمي وضروري، لذلك يجب على الشعوب أن تغتنم هذه الفرصة العظيمة لتحرير نفسها وبناء حقبة جديدة حيث احترام الاختلافات والثقافات والتعاون بين مختلف الأطراف.