مجلة البعث الأسبوعية

“القمة” الأولى بين بوتين وبايدن

“البعث الأسبوعية” د. مهدي دخل الله

قبل أيام حصلت أول “قمة” من نوعها بين الرئيسين الروسي والأمريكي . هي قمة جدالية عبر التصريحات التي أثارت فضول الرأي العام العالمي .

بدأ بايدن مساره السياسي نافخاً في بوق التصعيد على مستوى العلاقات الدولية . وهو في ذلك يعبر عن التزامه بتقاليد الحزب الديمقراطي وأسلوب هذا الحزب في السياسة الدولية..

كانت أولى القضايا التي تحدث بايدن عنها أكرانيا والقرم ، أي أنه لكز موسكو في خاصرتها الجريحة في محاولة لإيلامها . ووصل الحد بالرئيس الأمريكي إلى وصف الرئيس الروسي بتعابير لا يمكن سماعها إلا من المشردين السكيرين على أرصفة العاصمة واشنتُن ، وعددهم كبير ، وليس من رئيس دولة عظمى مسؤولة عن أفعالها وألفاظ رؤسائها .

ردة فعل موسكو كانت سريعة لكنها حافظت على مستوى لائق من التعابير الحضارية . لعل ما قاله بوتين رداً على وصفه “بالقاتل” من قبل بايدن هو درس حضاري وأخلاقي بكل معنى الكلمة ولا علاقة له بالمواقف السياسية .

في بداية تعليقه تمنى الرئيس الروسي لزميله الأمريكي ( هكذا وصفه ) دوام الصحة والسعادة وقال أنه لا يسخر ولا يمزح وإنما هي تمنيات حقيقية . ثم ذكّر زميله الأمريكي بأن الروس يتمتعون برموز وجينات أخلاقية وثقافية تمنعهم من استخدام التعابير البذيئة . قال بوتين أن من يستخدم مثل هذه الألفاظ يبدو وكأنه ينظر إلى مرآة أمامه . ولقد كرر بوتين هذا المعنى بتعابير متعددة . ولعل القرّاء يذكرون المثل الشهير عندنا ( كل إناء ينضح بما فيه ) . لكن الرئيس الروسي ذكّر ( زميله الأمريكي ) بأن أمريكا وليست روسيا هي التي أبادت ملايين المدنيين بالقنابل النووية في هيروشيما وناغازاكي ، وشدد بوتين أن هذا حصل دون أي مبرر عسكري .. فقط لإبادة الملايين لأن اليابان كانت قد استسلمت . ثم جاءت الرسالة القوية في نهاية تعليقه المؤدب والقوي حيث قال أن روسيا ستتعامل معهم فيما يهمها لكن عليهم ــ وهنا الرسالة القوية ــ أن “يحسبوا حسابنا” أي أن يعترفوا بقوتنا..

هذا من الناحية الجدالية .. أما من الناحية العملية ــ وهي الأهم ــ فقد جاءت في التصريح الواضح لوزير الخارجية الروسي لافروف أمس الأول وهو يستعد للسفر إلى الصين . قال الوزير أن على روسيا والصين وغيرها من الدول استخدام العملات الوطنية في التسويات المالية المتبادلة بدلاً من الدولار بما يعزز “الاستقلال التقني” لهذه الدول ..

ومعروف أن الاستقلال التقني ، أي الاستقلال في آليات التبادل التجاري وغيره ، مستند الاستقلال السياسي . وقد بدأ مشروع التوجه نحو اتفاقيات الدفع المتبادل وإنشاء بنك متخصص قبل سنوات أثناء قمة جوهانسبورغ لمجموعة دول البريكس ..

لعل وقاحة بايدن واستخدامه للكلمات البذيئة تنعكس حماسة في هذا المجال .. فتكون وقاحة “مفيدة” للعالم ..