أبعد من قصيدة وأكثر من احتفال
أحمد علي هلال
على الأرجح أن العالم سيستعيد سؤالاً أثيراً: ما الجدوى من الشعر ولماذا هو ضرورة؟ دون أن يصل إلى تفسير ناجز، ذلك أن الشعر هو في المبتدأ مغامرة كما اللغة، كما الوجود والسعي المتواتر لتأويله عبر خصوبة اللغة ومتخيلها، وأن الحلم بالقصيدة العابرة للأجناس وللأمكنة واللغات والخطابات، مازالت هي المحلوم بها والمشتهاة أبداً، وليس من التبسيط القول في هذا السياق وفي البدء كانت القصيدة، لأن القصيدة هي ملحمة الذات وانخطافاتها إلى المرئي واللامرئي، إلى احتدام الحواس وتشكيل الرؤيا. ويقول بعضهم على سبيل -التندر- لدينا شعراء ولا شعر، وبالمقابل يقول آخرون لدينا قصيدة تحتاج شاعرها، وكلاهما على حق فيما يبدو، لأن القصيدة تظلّ هاجساً أساسياً في متصور شعرائها وفي أداءاتهم اللغوية بحثاً عن الشبيه المختلف، وبحثاً عما تتصادى به ذواتهم وحيواتهم ولحظة القبض على جمرة الضوء.
ما الشعر إذن في محاججة الأسئلة وفي اشتقاق جواب نافل، أيكتبنا أم نكتبه؟!، لنذهب إلى عيده، وكأنّ العالم قد أصبح قصيدة كبرى ترتلها الجهات وتخفق في أنحائها الفصول وتترنم الذاكرة بالأسماء، إذ النصوص ستصبح هي أشخاصها، وهم يعبرون مسافات الشغف ليصلوا الكلمة بالكلمة والإحساس بالإحساس، هم مسافرو الحلم وسادنو جمرته الطليقة، بل الأدلّ هم سارقو النار من شعلة الأولمب، فكيف لهم ألا يواسوا قلق العالم النبيل ببذخ صورهم وقدح زناد استعاراتهم، إذ الجمال ليس محض الجمال بل هو الاختلاف أن تكتب نصاً مختلفاً، وتسعى في إثر إجابة دالة على سؤال افتراضي عتيق: هل يجوز سكنى العالم شعرياً؟.
لكن العالم بوصفه قصيدة كبرى طليقة الشرفات، لا جدران تقصر الرؤية والرؤيا، ولا حدود فاصلة بين الكلمات ونظائرها المشعّة، وكيف نصبح على قصيدة تماماً مثلنا تأخذ خيط السيرورة لترسم به غير أفق جديد يواسي آلامنا الخفية، آلام أوطاننا الثكلى والملتاعة، لكنها آلام القيامة في الأسفار الجديدة للأرض المنتبهة إلى دورات الفصول ومواقيت الجمر، والأشجار الواقفة في مهرجان النار، والجداول التي تمسح عن الأرض دموعها، والغيم من أعلى ناحل بما يكفي ليعتصر دموعه المحلاة بسكر المطر وهو يهمي فوق أرض الشهداء، أرض الحياة.