الأطفال هم السحرة الحقيقيون لعالم الأدب
“البعث الأسبوعية” ــ علي اليوسف
غالباً ما ينظر إلى كتب الأطفال، في عالم الأدب، على أنها ليست جادة بما فيه الكفاية، على عكس الكتب المصورة؛ وحتى الكتب اللوحية تحظى بالاحترام على الأقل باعتبارها ألعاباً مناسبة للأطفال. وبينما تشكل كتب مثل الروايات بوابة محترمة للأدب الحقيقي، تبدو الكتب المصورة مرحلة انتقالية مناسبة للأطفال للقراءة بصوت عالٍ قبيل النوم، أو خلال الاستراحة الصامتة في المدارس.
لذلك يُنصح باستخدام معظم الكتب المصورة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و8 سنوات، لكن هذه الكتب المصورة – للأسف – يتم التخلص منها على نحو أسرع، لأن العديد من المدارس تتوقع أن يقرأها الأطفال بنهاية رياض الأطفال؛ ونظراً لأن آباء كثيرين يحبون التفكير بأطفالهم على أنهم يتقدمون ويطورون مهارات جديدة، من الضروري عدم إغفال أهمية هذه الكتب المصورة.
في الحقيقة، لا أحد يقدر ما تفعله الكتب المصورة بسلوك الأطفال، إنها بلا شك تخلق منهم سحرة حقيقيين في عالم الأدب، وتؤهلهم مع قليل من الدعم المادي ليتفوقوا في الفنون المزدوجة لرواية القصص المرئية والنصية.
ترى باميلا بول، محررة مجلة “بوكس ريفيو”، ومؤلفة العديد من الكتب المصورة، أن أي شخص يقرأ كتاباً مصوراً لطفل سيشهد هذا السحر بشكل مباشر. ستقرأ بصوت عالٍ وسيضحك الطفل، ليس على أي شيء قرأته، ولكن على شيء قرأته في الصور. وعندما تقرأ قصة مروية بالكلمات، لن يكون لها التأثير الذي تتركه القصص المصورة، لأنها ببساطة لا تعكس تلك الرسوم الكلمات الموجودة على الصفحة فقط ، بل تقوم بإنشاء سرد كامل خاص بها، وإضافة التفاصيل، وإنشاء خطوط قص ثانوية.
طرحت باميلا بول قصة الفأر الذي يشق طريقه حول غرفة النوم في “طابت ليلتك أيها القمر”، أو المباني التي تم تشييدها من السلع المنزلية داخل مشهد الأحلام في “في مطبخ الليل”. تحكي هذه العناصر قصة أخرى، وحتى الأطفال الذين لم يتقنوا الأبجدية يمكنهم قراءتها، واستيعاب كيف يؤدي حدث إلى آخر من خلال تسلسل الصور، واكتشاف الحبكات الفرعية داخلها. هذا هو السبب عندما يطلب إليك الأطفال عدم طي الصفحة بعد، أو الرجوع إلى الصفحة السابقة، وللسبب عينه يطلبون قراءة القصة مراراً وتكراراً، فهم في قرارة أنفسهم يتعلمون النظر عن كثب لاكتشاف القرائن واشتقاق المعنى.. هم أيضاً يتعلمون القراءة بعمق.
يسمي المعلمون ذلك بـ “محو الأمية المرئية” الذي يساعد على التواصل والتفاعل، خاصةً أننا نعيش في ثقافة بصرية عالية. ولكن إذا كان غرس “مهارات القرن الحادي والعشرين” – تعليم طفلك التواصل من خلال عرض شرائح من غوغل، أو كتابة كود أو إنشاء عرض تقديمي بالفيديو – هو ما تبحث عنه، فإن التشجيع على قراءة الكتب المصورة هو ما يخدم هذا الغرض، لأن الكتب المصورة أيضاً توفر طريقة يسهل الوصول إليها للأطفال لفهم حقيقة أن الكتب مخصصة لهم، بغض النظر عن هويتهم، أو من أين أتوا؛ وأكثر من ذلك تجعلهم يستكشفون عوالم خيالية، حيث يكون من الأسهل أحياناً حل مشاكل الطفولة.
لذلك، فالكتب المصورة هي الجزرة التي تحفز القارئ الناشئ والمحبط؛ وعلى عكس معظم “القراء الأوائل”، فإن الكتب المصورة نابضة بالحياة وجذابة بطريقة من المرجح أن تمنح الأطفال الذين يكبرون، وهم يستخدمون أجهزة “الآي باد”، التحفيز الذي يتوقعونه.
باختصار، تقدم الكتب المصورة أفكاراً أقل تعقيداً من القصص المكتوبة، لذلك لا يحتاج الأطفال إلى الكفاح من أجل فهمها، ما يعني بالضرورة أن الكتب المصورة هي واحدة من أعظم ملذات العالم الأدبي.
ووفقاً للاستطلاعات فإن 55٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و8 سنوات هم قراء مواظبون، وأن 11٪ فقط يظلون كذلك، في وقت يقرأ أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً من أجل المتعة، ولهذا السبب لا ينبغي أن يطلب من الأطفال الاستغناء عن الكتب التي يستمتعون بها، والناشرون يدركون ذلك.
وإدراكاً منها للمنافسة الشديدة على الاهتمام من ألعاب الفيديو والإنترنت، دفعت شركات النشر الكتب المصورة في اتجاهات جديدة. فاليوم، تمتلئ السير الذاتية للأطفال، والتي كانت ذات يوم نوعاً رزيناً، بالصور والرسوم التوضيحية، والموسوعات المرئية، وكتب الأحداث والوقائع، والكتب الضخمة عن الفضاء، والتي غالباً ما تكون تحفيزية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عاماً.
لقد لاقى العديد من القصص المصورة شعبية كبيرة – كتب مثل “الشجاعة”، وسلسلة مثل “الرجل الكلب”، وثلاثية “March” – استطاع من خلالها الناشرون تحويل الأطفال الذين لم يقرأوا على الإطلاق إلى أطفال شرهين للقراءة. وهنا، من الضروري الانتباه لما يقوله الأطفال، وهل يريدون الاستمرار في النظر إلى الصور؟ وهل هم قراء بصريون بقدر قراءتهم للنص؟ لذلك لا ينبغي التسرع في توجيههم بعيداً عن الكتب التي تحترم اهتمامات الأطفال والطريقة التي تعمل بها عقولهم.
تقول باميلا بول: “ما زلت أقرأ الكتب المصورة، وإذا كنت صادقاً مع نفسك، فمن المرجح أن تفعل ذلك أيضاً. ما هذه الرسوم الهزلية عبر الإنترنت التي نحدق فيها جميعاً؟ ما مضمون قصص “انستغرام”، ومقاطع فيديو “تيك توك”.