التنين يزحف بهدوء.. الشراكة مع طهران
سنان حسن
لم يكن مفاجئاً أن تعلن الصين وإيران عن اتفاق استراتيجي لمدة 25 عاماً، فالبلدان أعلنا صراحة في عام 2016 أنهما بصدد الإعداد لاتفاق شراكة طويل الأمد في كل المجالات الممكنة للتعاون، ولكن المفاجئ حتى الآن هو ردة الفعل لدى المعسكر الغربي، بداية من أمريكا وأوروبا ومن لف لفهم من كندا واليابان، وليس انتهاء بأتباعها في المنطقة من عرب وإسرائيليين، حيث لم تهدأ التحليلات والتخمينات عن أهداف الاتفاق وغاياته، وإدعاء بكشف ملاحق سرية له وما إلى ذلك من أخبار تصب في خان الانتقاد والتشكيك بقدرته على الحياة تارة، والارتهان والتبعية تارة أخرى، ما يعني أن الاتفاق حتى الآن شكل صدمة كبيرة لكل المتابعين في تلك الدول ولاسيما في توقيته ومدته الزمنية والمجالات المطروحة للتعاون، ولاسيما توقيته سياسياً حيث يحاول الرئيس الأمريكي الجديد رسم خطوط سياسته الجديدة في المنطقة والعالم ومواجهة التحدي الصيني ومنع تقدمه على الولايات المتحدة الأمريكية وإيجاد حل كما يعتقد للنووي الإيراني.
شكل إعلان الرئيس الصيني شي جينغ بينغ عن مشروع “حزام واحد طريق واحد” نقطة تحول رئيسية في السياسة الصينية الحديثة، كون المشروع، في حال نجاحه ووصوله إلى مراميه التي أعلن عنها صاحب المشروع شي جينغ بينغ، سيضمن لبكين أن تكون دولة محورية ورئيسية في العالم لا يمكن لأمريكا وأوروبا تجاوزها، الأمر الذي سارعت واشنطن لمحاولة عرقلته، حيث فرضت خلال سنوات حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رسوماً على المنتجات الصينية بمليارات الدولارات ومحاصرة كبرى شركات التكنولوجيا العملاقة الصينية “هواوي وتيك توك” وغيرها ووضعها على القائمة الأمريكية السوداء وفرض عقوبات على مسؤولين من الحزب الشيوعي الصيني، واليوم تكمل إدارة بايدن المواجهة من خلال سلسلة من الإجراءات الاقتصادية والعسكرية حيث خصص وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أولى زياراته الخارجية إلى اليابان وكوريا الجنوبية وبحث هناك كيفية ردع بكين، والأمر بالنسبة لوزير الخارجية بلينكن الذي أعلن صراحة أمام مجلس الشيوخ أن نهج الرئيس ترامب مع بكين كان صحيحاً مؤكداً أن “الصين تشكل التحدي الأكبر للولايات المتحدة”، في حين كان الرئيس بايدن أكثر تشدداً عندما دعا نظيره البريطاني جونسون لتأسيس مشروع جديد يواجه مشروع الصين الحزام والطريق.
بالمقابل ترى بكين في اتفاقها مع طهران أنه فرصة لتعزيز تواجدها في غرب آسيا وتحقيق أكبر تقدم لمشروعها الحزام والطريق، فضم إيران إلى المشروع يعتبر بنظر الساسة الصينيين خطوة رائدة، فمن جهة الاتفاق يضمن الشراكة مع دولة ذات موارد اقتصادية ونفطية وغازية هائلة ستؤمن جزءاً مهم جداً من حاجياتها من الطاقة وتفتح الباب أمام الاستثمارات الصينية لسوق كبير ومتنوع، ومن جهة ثانية وهو الأهم برأي بكين هو إبرام تحالف مع دولة لها موقعها الجيوسياسي في العمق الأوراسي الذي تحاول واشنطن زعزعته من إخلال إبقاء النزاع على حدود الصين وإيران في أفغانستان وكشمير والخليج مستعراً، وبهذه الاتفاقية تكون قد ضمنت في المستوى المنظور تحقيق استقرار في وسط وغرب آسيا والتواصل مع الشرق الأوسط والخليج وبالتأكيد إفريقيا وأوربا، دون أن نغفل أيضاً التواصل الروسي الصيني الذي سيكمل التواصل بين القوى المتحالفة على رفض الهيمنة الأمريكية وفرض واقع عالمي جديد.
إن الاتفاق الصيني الإيراني وقبله التفاهم الروسي الصيني يؤكد أن القوى الحية تواصل العمل لإنهاء العربدة الأمريكية على العالم والجنوح نحو عالم أكثر توازناً تكون فيه الأمم المتحدة الحكم وليس منطق العقوبات الكابوية الذي تنتهجه واشنطن لمواجهة خصومها، ولعل ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اليوم “فرض عقوبات أمريكية وأوروبية على موسكو وبكين هو محاولة لفرض قيود جديدة على الأسواق العالمية.. هي أساليب غير عادلة” ما يؤكد ذلك.