مبارزات شعرية تتقتّح بإيقاعات شبيبية.. وطن فيه مثل هذه الروح الوثابة لن يهزم أبداً!!
“البعث الأسبوعية” ــ غالية خوجة
ماذا لو رأينا عنترة بن شداد يزور حلب لينشد معلقته بأصوات الجيل الشاب بين المدارس والروابط الشبيبية؟
وماذا لو أن سليمان العيسى شاعر الطفولة والعروبة، رأى طفولته القادمة من قرية النعيرية في لواء إسكندرون السليب إلى حلب، وهي تجول بين أطفال المدينة، بينما أشعاره ترددها الأجيال بين عمي “منصور نجار” و”ماما” و”الشهيد”:
ناداهم البرق فاجتازوه وانهمروا
عند الشهيد تلاقى الله والبشر”؟
وماذا لو عاد زهير بن أبي سلمى إلينا ليفرح بأبياته التي يتبارز بها الشباب والصبايا هنا في حلب؟
لقد حضر المتنبي بيننا، أيضاً، مستذكراً القلعة وسيف الدولة وشوارع الأزمنة العتيقة والمجالس الثقافية العلمية الأدبية، وتعارف من خلال سوق عكاظ الحلبي على الطلاب والطالبات المشاركين والمشاركات في هذه المبارزات الشعرية الشبيبية، ضاحكاً، مستبشراً، مشيراً إلى بقية الشعراء أن يلتفوا حوله ليستمعوا إلى أشعارهم التي ما زالت الأجيال ترددها، وتتسابق على حفظها وأدائها المتناغم مع شخصية كل طالب وطالبة.
اجتمع الشعراء السابقون والمعاصرون، وجلس المتنبي على الطاولة الخشبية وهو يلفّ عباءته بطريقة فروسية قائلاُ:
“الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم”
.. بينما كان الشعراء حوله يجلسون مبتسمين لما يرونه أثناء المبارزة.
وكان عنترة بن شداد يلفّ عباءته أيضاً بطريقة فروسية وكأنه يومئ للمتنبي بأن معلقته الشهيرة “هل غادر الشعراء من متردم”، سبقت ولادة المتنبي لكنها ما زالت حية، كما حبيبته عبلة التي أشرقت ضحكتها بين سيوف الحرب بابتسامة منحته القتال حتى النصر.
يلتفت المتنبي، ليسمع بصوت أحد الطلبة:
“أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم”.
وبينما الشعراء في حالة هرج ومرج، تجمعهم اللحظة التأريخية، يستديرون جميعاً إلى صوت آخر يقف ليبارز في المسابقة وهو يقول:
“على هذه الأرض ما يستحق الحياة”
حينها، تحضر شخصية محمود درويش، لتتشبث بفلسطين أكثر، فيكتمل المشهد مع صوت طالبة تبارز ببيت شعري لإبراهيم طوقان:”موطني موطني الجلال والجمال”، وهنا نرى جميع مَن في القاعة من لجنة تحكيم وأمين الرابطة وأمناء الفرق والشعراء التأريخيين العظماء ينشدون معنا: “موطني”.
ثمة صمت في القاعة، يورق أشعاراً ويزهر، فتحتدم المنافسة أكثر بين الفرق الشبيبية المتبارزة، نلمح طيف رابعة العدوية وهي في حالتها المتصوفة، وتحضر قصائد عمر بن أبي ربيعة، كما تحضر الموشحات الأندلسية التي غنتها فيروز لنصل إلى عوالم لسان الدين بن الخطيب، وابن زيدون، وتبدأ حكاياتهم مع واقعهم الذي عاشوه بين حرب وحب وغزل وانتصار.
.. ثم، تأخذنا المنافسة إلى بيت لنزار قباني: “أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي لسالت منه عناقيد وتفاح”.
وبعدها نعود مع الأخوين فليفل إلى نشيدنا الوطني “حماة الديار عليكم سلام”، موقنين بأننا لن ننهزم ما دام الجيل الشاب الذي عاصر الحرب الكونية على سوريتنا الحبيبة صامداً ومتحدياً ومنتصراً مع رغيف الخبز والقصيدة.
هكذا، كانت جولتنا الجديدة مع المسابقات الشعرية، بين الروابط، ومنها رابطة عبد المنعم رياض، ورابطة شبيبة الثورة، حيث تلفت الطاقات الجديدة بين جيل الشباب الأرواح إلى حضورها المحبب وهي تتنافس بشعرية وحماسة وقناعة بالفوز، وهذا ما أشارت إليه بقوة المبارزة الشعرية الشبيبية بين رابطات فرق حلب.
وتعتبر الفرق الشبيبية المشاركة فائزة على أية حال لأنها شاركت، وهذا برأيي، كعضو لجنة تحكيم، وساهمت بكل ما أوتيت من حفظ للقصائد الكلاسيكية والمعاصرة والمعلقات، وبدت في مشهد ثقافي متفائل، ضمن سلسلة المسابقات الشعرية الثقافية التي يقيمها اتحاد شبيبة الثورة، وبنزاهة واضحة لمسها الجميع من مشاركين ولجان تحكيم وأمناء وأمينات الفرق.
وعن مشاركته في لجنة التحكيم في المسابقات الشعرية التي يقيمها اتحاد شبيبة الثورة في حلب، ومنها رابطة عبد المنعم رياض ورابطة جول جمال، قال الأديب محمد سمية مدير المركز الثقافي العربي بالصاخور: سعدت بتكليفي في المناظرات الشعرية التي أقامتها الروابط الشبيبية لما للقاء بجيل الشباب واليافعين من دور بالغ الأهمية.
وتابع: لقد دأبت على هذه المهمة منذ 3 سنوات، وفي كل مرة ألتقي فيها مع هذه الفئات العمرية أشعر بأنني أستعيد نشاطي وحيويتي، فأعود بذاكرتي إلى تلك السنين الخوالي من ربيع العمر الذي لا ينسى.
واختتم: شبابنا وشاباتنا في صفوف اتحاد شبيبة الثورة شعلة متقدة من الذكاء والنشاط والجد والمثابرة، وأتوقع لهم ولهن مستقبلاً مزهراً.
وبدوره، أكد الشاعر جمال الطرابلسي رئيس جمعية أصدقاء اللغة العربية على أهمية هذه المنافسات الشعرية في رحاب شبيبة الثورة، وأضاف: شعرت بأنني أسبح في بحر من الطاقة الإيجابية بين رفاق ورفيقات عاشوا جل عمرهم الغض تحت قسوة الإرهاب والحصار، ورغم ذلك، تدهشنا اهتماماتهم وثقتهم بأنفسهم وخوضهم المسابقات والاختبارات بكفاءة عالية. لقد تشرفت يكوني في لجنة التحكيم في رابطة عبد المنعم رياض، ورابطة اتحاد شبيبة الثورة.
وأكمل: لقد مرت أربع ساعات ونصف من الاختبارات ولم أشعر فيها بالتعب أو التواني، لأن كل شيء فيها يستنهض الهمة، وأرى أن وطناً فيه مثل هذه الروح الوثابة لن يهزم أبداً.