مجلة البعث الأسبوعية

هل يضع “الإخوان” يدهم بيد نتنياهو ليتحولوا إلى بيضة القبان التي تدعم بقاءه على رأس الحكومة؟

“البعث الأسبوعية” ــ محمد نادر العمري

الواضح من النتائج غير الرسمية لانتخابات الكنيست الرابعة أن رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو كرس وجوده وثقله السياسي، ولكنه لم يحصل على الأغلبية التي تخوله تشكيل الحكومة، فقد حصل حزبه – الليكود – مع الأحزاب الدينية والمتآلفة معه من اليمين على 52 صوتاً، وهو بحاجة لـ 9 أصوات إضافية تخوله تشكيل حكومة برئاسته، ما سيضع المشهد الإسرائيلي بين مروحة من السيناريوهات والاحتمالات:

الأول، أن يتمكن نتنياهو من التحالف مع نفتالي بينت، رئيس حزب “يمينا”، أو يعيد استقطاب جدعون ساعر الذي انشق عن الليكود وأسس حزب “أمل المستقبل”، وحصل على 6 مقاعد، أو يستقطب الفائزين من القسم المنشق عن القائمة العربية المشتركة، وخاصة أتباع منصور عباس، زعيم حزب القائمة العربية الموحدة الذي ينتمي أعضاؤه لـ “الحركة الإسلامية” (إخوان مسلمون) والذين حصدوا 5 مقاعد، مقابل 6 مقاعد للأحزاب الثلاثة المتبقية في القائمة العربية المشتركة.

وهذا السيناريو سيكون معقدا وشائكا، ويعتريه الكثير من الصعوبات والمفاوضات؛ وذلك لأن الجميع كان يرفع، من ناحية، شعار “إسقاط نتنياهو” ومحاسبته، ومن جانب آخر فإن التحالف مع نتنياهو ليس مستبعدا لدى البعض، ولكن نسبته تختلف، وبخاصة لدى بينت الذي قد يفاوض نتنياهو على تقاسم رئاسة الحكومة مناصفة – مدة سنتين لكل منهما – وهذا الشرط قد يرفضه نتنياهو، وخاصة أن زعيم حزب “يمينا” لن يقبل أن يكون ضحية ألاعيب نتنياهو على غرار سلفه بني غانتس، رئيس حزب “أزرق أبيض”، الذي وافق على تشكيل حكومة ائتلافية في الانتخابات الأخيرة مع نتنياهو، وفق صيغة تتمثل في أن يتولى نتنياهو رئاسة الفترة الأولى وهو الفترة الثانية، غير أن نتنياهو نجح في الذهاب نحو انتخابات رابعة تحول دون تسلم غانتس فترة ولايته لعدم تقديم نتنياهو للقضاء، ورفض الشرط المحتمل الذي قد يضعه بينت، وهو أن يتولى هو الفترة الأولى لضمان عدم تكرار هذه المناورة.

مع ذلك، وفي حال التوصل لاتفاق، فإن حزب الليكود بزعامة نتنياهو، ومعه حركة “شاس” للمتدينين الشرقيين، وحزب “يهدوه هتوراه” للمتدينين الغربيين، وحزب “الصهيونية المتدينة”، و”يمينا”، يحصلون مجتمعين على 59 مقعدا فقط، وهذا لن يحقق النصاب المطلوب لتشكيل الحكومة، وسيحتاج نتنياهو في هذه الحالة لصوتين يحسمان النتائج لصالحه.

وفي حين أن ساعر لن يقبل بشكل شبه حتمي التحالف مع نتنياهو، وبخاصة أنه انشق عن الليكود بذريعة تسلط نتنياهو واستبداده برئاسة السلطة والحزب، وأي تحالف مع نتنياهو سيؤدي إلى تراجع مصداقيته، وانهيار حزبه الجديد بشكل متسارع، ولذلك سارع بعد صدور النتائج غير الرسمية لإغلاق أي أفق للانضمام لنتياهو.

الخيار الثالث هو مراهنة نتنياهو على نجاحه في جذب الفائزين من الحركة الإسلامية الجنوبية، برئاسة منصور عباس لصالحه، بعد نجاحه في خلق الانشقاق والانقسام داخل القائمة العربية المشتركة على ذاتها لتخوض الانتخابات بقائمتين: تحالف المشتركة “الجبهة والتجمع والتغيير” برئاسة أيمن عودة، والقائمة الموحدة والحركة الإسلامية، وتعمق الشرخ بين أقطاب المشتركة التي كانت ممثلة بـ 15 مقعدا، عقب التوصية بشأن غانتس لتشكيل الحكومة عقب انتخابات آذار 2020، وهي التوصية التي فتحت الباب لدى بعض الأحزاب والحركات العربية لإبرام صفقات انتخابية مع الأحزاب الصهيونية ونتنياهو.

ومثل هذا الخيار غير مستبعد، وبخاصة أن الخلافات بدأت تظهر من حيث حقيقتها بين القائمة المشتركة، بعد إعلان نتنياهو تقاربه مع منصور عباس، وفي ظل تطور وتنامي العلاقات التركية الإسرائيلية، وطلب نظام أردوغان من عباس التحالف مع نتنياهو لتحقيق المزيد من التقارب مع إسرائيل – كما حصل سابقا في قبول حزب التنمية المغربي التطبيع مع الكيان بطلب من إخوان تركيا – مقابل الحصول على دعم ومال قطري أيضا، وهو ما كشفه منصور دهامشة، سكرتير الجبهة الشعبية، حين أكد أن “الحركة الإسلامية بزعامة عباس تدعم نتنياهو وأبرمت صفقات معه، استعدادا لدعم حكومته المستقبلية من الخارج”، وذلك قبل بدء الانتخابات بأسبوع، على إثر فشل المحاولات التي بذلت لرأب الصدع بين مكونات القائمة من قبل رئيس لجنة المتابعة محمد بركة، ما أدى لارتفاع وتيرة تراشق الاتهامات بين الجبهة والحركة الإسلامية.

وفي حال حصول ذلك، فإن نتنياهو لا يكون قد نجح فقط في إحداث الانقسام داخل القائمة المشتركة، بل وكرس الانقسام والتشتيت وسرق أصوات العرب وأضعف من قوة وتأثير الكتلة الانتخابية العربية، وهذا جيد لمعسكر اليمين، علما أن حصول القائمة المشتركة على 15 مقعدا منع نتنياهو، في جولات الانتخابات الأخيرة، من تشكيل حكومة متينة ومستقرة.

وكما هو معلوم، هناك جهود كبيرة بذلت خلال عقود سابقة لتتحالف الأحزاب العربية في الأرض المحتلة، لكي تتمكن من الدفاع عن موقفها بقوة، وتعزز مكانة القائمة المشتركة، وتعمل على زيادة عدد أعضائها، لتحمل هموم الشعب العربي الفلسطيني في الداخل، والقضايا التي يعيشها، وأن تتمتع بمرونة في العلاقات بين أطرافها، فالهدف من القائمة العربية المشتركة أن تكون قوة حقيقية يشعر فيها، وبها، المواطن العربي الفلسطيني في الداخل، بالدفاع عن مصالحه وأرضه من عمليات الهدم والتهويد كما يحصل في منطقة النقب بشكل خاص، والدفاع عن الوجود على أرض الوطن التاريخي بشكل عام؛ لكن الواقع يقول اليوم أن نتنياهو نجح في تكرس الانقسام، وسيندفع لزيادة عنصريته تجاه الفلسطينيين بغطاء وشراكة فلسطينية!!

السيناريو الثاني يدور حول احتمال استقطاب نتنياهو الأعضاء الفائزين من الأحزاب القابلة للتشرذم أو الانقسام أو الانهيار؛ ويعتبر هذا السيناريو من الخيارات الأكثر احتمالية لنتنياهو، خاصة وأن معظم الأحزاب تشهد حالة تصدع وانقسامات، باستثناء الأحزاب الدينية التي تشهد نموا واضحا وملموسا، مقابل سيناريو يتضمن تمكن الأحزاب الرافضة لوجود نتنياهو في السلطة من توحيد صفوفها وتشكيل حكومة ائتلافية.

أما السيناريو السيناريو الثالث فهو التوجه نحو انتخابات برلمانية خامسة في أيلول القادم، وهو السيناريو الأكثر تفضيلا لدى نتنياهو، إذ سيضمن بذلك عدم خضوعه للمحاسبة أو المحاكمة نتيجة قضايا الفساد المتهم فيها، مدة ثمانية أشهر تتضمن فترة المشاورات والانتخابات القادمة؛ كما سيسعى خلال هذه الفترة لتحقيق بعض الإنجازات الداخلية والخارجية، كمحاولة لإضافة رصيد لموقعه في ظل عدم وجود شخصية ذات ثقل في اليمين، أو من المعسكر الإيديولوجي الآخر، لمنافسته؛ فعلى الصعيد الداخلي، سيسعى نتنياهو نحو زيادة حملات التلقيح ضد كورونا، وسيستمر في تقديم الوعود بتقديم الاعانات المالية، وقد يقدم على إعلان ضم الضفة، وسيعزز سياسته في تفتيت جبهة خصومه السياسيين أكثر، وهي السياسة التي كرست بقاءه حتى اليوم.

أما على صعيد السياسة الخارجية، فسوف يحاول نتنياهو تعزيز دائرة الدول المنضمة للتطبيع مع الكيان، ولعل السعودية هي أبرز أهدافه في المرحلة القادمة، وسيحافظ على وتيرة ممارسة الضغوط ضد إيران ومحور المقاومة وعرقلة أي عودة للاتفاق النووي، وغير ذلك الكثير.

 

إفرازات

وبالرغم من انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات، وكثرة القوائم الحزبية المتنافسة، والتي بلغت 39 قائمة، يمكن تلمس أهم إفرازات الانتخابات الرابعة:

– الصراع السياسي اليوم ليس صراعا قائما على الإيديولوجية داخل الكيان، بل صراع مصالح وأشخاص.

– التنافس يحصل فقط داخل اليمين، في ظل غياب الثنائية التنافسية التقليدية (يسار – اليمين). – نجح نتنياهو في إبقاء نفسه الشخصية الأكثر بروزا داخل الكيان.

-الأحزاب الوحيدة التي تحافظ على قوتها ونموها وتماسكها – نوعا ما – هي الأحزاب الدينية، لتؤثر بذلك، وبشكل كبير، على أي تركيبة ائتلافية، وعلى البرامج الحكومية، بما يزيد من مصالحها وتأثيرها على صنع القرار في السياستين الداخلية والخارجية.

– انقسام العرب على أنفسهم وتخليهم عن شعار الوحدة للدفاع عن القضية، وهذا الانقسام نابع بالدرجة الأولى من إعلاء مصالح الإيديولوجية الإخوانية على المصالح الوطنية، وتبعيته لتركيا التي استثمرت على مدى عقدين سابقين في دغدغة الشعور الإسلامي لتحقيق مصالح رئيس نظامها التوسعية في المنطقة، وهو سيكرس حقيقتين: الأولى بأن ادعاء الحركات الإسلامية الإخوانية للمقاومة هو مجرد بالونات إعلامية، والثانية أن هذا الانقسام سيغيب الدفاع عن الحقوق الفلسطينية وسيزيد من عمليات التطبيع.

– أي حكومة ستشكل في ظل هذا الواقع ستكون أكثر تطرفا تجاه الفلسطينيين والمنطقة، لضمان بقائها وزيادة شعبيتها، وتصدير أزماتها.