مجلة البعث الأسبوعية

هل ما زال البعث راهناً ؟..

“البعث الأسبوعية” د. مهدي دخل الله

أسئلة كثيرة تطرح اليوم عندنا على مستوى النخب وعلى مستوى الدوائر الواسعة من الناس . أحد هذه الأسئلة يركز على حزب البعث . السؤال هو : هل ما زال حزب البعث راهناً ؟ هل هناك لزوم له أم أن لزومه ما لا يلزم ؟..

 

بعض البعثيين قد يستغرب مثل هذه الأسئلة ، البعض الآخر ربما يعتبرها جزءاً من المؤامرة الإعلامية التي تشكك بطريقة تفكيرنا وقواعدنا التي التزمنا بها عقوداً طويلة ..

لكن هناك بعثيين كثيرين يرون في هذه الأسئلة ضرورة فكرية وسياسية وحياتية . فما دام الوطن كله في أزمة فمن الطبيعي أن يكون البعث في أزمة ، خاصة أن هذا الحزب مسؤول عن تاريخ سورية المعاصر . هذا أمر منطقي وعدم الاعتراف به لا يقلل من حضوره الطاغي ..

لا يمكن للبعث أن يتغاضى عن هذه الأسئلة الراهنة ، خصوصاً أن الحركة الحزبية العالمية نفسها تعيش أزمة بنيوية صعبة ، خصوصاً في فرنسا وإسبانيا ، ونحن جزء من هذه الحركة ..

 

وكي لا أتعب القارئ ، لا أريد هنا أن أتطرق إلى أسباب الأزمة الحزبية في العالم وملامحها ، أريد فقط التركيز على سؤال كبير يطرح علينا اليوم في سورية وهو : كيف الخلاص من الأزمة والانطلاق نحو أفق يؤكد فيه البعث ضرورته وراهنيته ؟..

 

لا أملك الإجابة الشافية لأن الأمر يحتاج إلى أبحاث ودراسات ، لكنني يمكن أن أشير إلى عدد من الاتجاهات المنهجية والمضمونية التي يمكن أن تسهم في إدخال البعث إلى العصر من بوابة عريضة ..

بالنسبة للاتجاه المنهجي ، ليس أفضل من المنهج النقدي المقارن في مقاربة الواقع ، وهو منهج يبنى على نهج المبدئية الواقعية العريض . فالنقد المقارن جدول يستمد مياهه من معين المبدئية الواقعية ليروي سهول البحث والاستقصاء ومن ثم المعالجة والاستقواء . ولا شك في أن هذا يحقق مقولة الأمين العام للحزب حول القدرة على تحويل الأزمة إلى فرصة ..

أما بالنسبة لمضمون البعث ، هناك ثلاثة جوانب ، فكري وسلوكي وسياسي ( والسياسة جزء من السلوك ) . الفكر ينبغي أن يتحرر من النسق الإيديولوجي المسبق الذي يتصور الواقع مسبقاً قبل الوصول إليه . يكفي الفكر استناده إلى المبادئ العامة التي تدخل في حدس العامة من الناس ، مثل الوطنية والقومية والعروبة والعدالة الاجتماعية وغيرها . لقد شاهدنا ماذا فعل التصور الإيديولوجي المسبق بأحزاب عريقة في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية . كما شاهدنا ماذا فعل الارتزاق واللامبدئية بأحزاب قوية كالأحزاب الاشتراكية في أوروبا الغربية ، وقد أضحت هذه الأحزاب اليوم مجرد تابع مطيع للشركات متعددة الجنسيات ولآليات العولمة ومفاهيمها الليبرالية الجديدة ..

أما السلوك فأساسه الحضور بين الناس والتوجه نحو المجتمع . فبينما تركز أحزاب الايديولوجيا الجامدة المسبقة على آليات السلطة ، لا مفر اليوم من الانتقال إلى المجتمع للتأثر به والتأثير فيه لأن السلطة محمول والمجتمع حامل .

القاعدة تقول: من المهم تحرير السلطة لكن الأهم تحرير المجتمع ، فلا يمكن أن تقوم سلطة تحررية وتقدمية في مجتمع مستعبد ومتخلف ..

أما عن مجال السياسة الداخلية والخارجية .. فهذا موضوع أتركه لفرصة أخرى !..