مجلة البعث الأسبوعية

“دروس من سورية”السيناتور الجمهوري ريتشارد بلاك: سرقنا قمح ونفط دولة مستقلة ذات سيادة وإداراتنا المتعاقبة تتحمل المسؤولية كاملة عن معاناة شعبها!!

“البعث الأسبوعية” ــ ترجمة هيفاء علي

في الآونة الأخيرة بدأت أصوات عدد من النواب والمحللين والمثقفين الأمريكيين تعلو منتقدة سياسة العداء التي تنتهجها إدارات بلادهم إزاء سورية، وتفضح خططها لتدمير دول المنطقة العربية كرمى لعيون الكيان الإسرائيلي وللحفاظ على مصالحها في المنطقة. ومن بين تلك الشخصيات، السيناتور الجمهوري ريتشارد بلاك، العقيد المتقاعد والرئيس السابق لقسم القانون الجنائي في البنتاغون.. بلاك وغيره يقرون بأن السياسات التي انتهجتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة في الشرق الأوسط أفقدت شعوب المنطقة الثقة بها، ويتحدث في هذا المقال الذي حمل عنوان “دروس من سورية”، ونشره في موقع “معهد تشيلر”، عن دور بلاده في هذه الحرب وسرقتها للنفط والقمح السوريين، ويحملها المسؤولية الكاملة عن المعاناة المعيشية الصعبة التي يعيشها الشعب السوري منذ اندلاع الحرب، عدا عن تدميرها البنى التحتية، جراء دعمها المادي واللوجستي للتنظيمات الإرهابية التي تم استقدامها إلى سورية بمختلف مسمياتها، وعلى رأسها تنظيما “القاعدة” و”داعش” الإرهابيين.

فيما يلي نص المقال:

 

أحب بلدي، أنا عقيد متقاعد خدم بالزي العسكري لمدة 32 عامًا، قمت بتنفيذ 269 مهمة قتالية في فيتنام كطيار مروحية مع مشاة البحرية. في إحدى المهمات، اضطررت للهبوط فجأة عقب تعرض الطائرة لنيران مدفع رشاش ما أسفر عن تدمير أدوات التحكم في الطيران. أنجزت 70 دورية قتالية كمراقب جوي أرضي للفرقة البحرية الأولى، لكني تعرضت للإصابة بينما توفي مشغلو اللاسلكي بجانبي. ومع ذلك، أشعر بالذهول من فاحشة العدوان الأمريكي على سورية.

في 17 آذار، وجه وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكين توبيخًا لضيوفنا الصينيين في أنكوراج، ألاسكا، قائلاً إنهم فشلوا في احترام “النظام [الدولي] القائم على القواعد” والذي بدونه سيكون العالم “أكثر عنفًا”.

وهنا أتساءل: ما هو إذن هذا “النظام القائم على القواعد” الذي نروج له إلى ما لا نهاية؟ يبدو أن هذه هي القواعد التي تقرر الولايات المتحدة إتباعها وفقا لمصالحها فقط.

بأي حق نستولي على سفن الدول الأخرى في أعالي البحار؟ حسب القواعد، إنه عمل حرب، لكننا لسنا في حالة حرب، لذلك تقول القواعد إن هذه أعمال قرصنة.

و ما هي القواعد التي تسمح لنا بفرض حصار بحري على سورية وإيران وفنزويلا؟ أو ليست هذه أعمال حرب؟

ما هو “النظام القائم على القواعد” الذي يسمح لنا بإخبار ألمانيا أننا سنعاقبها إذا قامت ببناء خط أنابيب لتزويد ألمانيا بالغاز الروسي؟ ما هي “القواعد” التي تسمح لنا بإملاء طرق التجارة في أي دولة ذات سيادة؟

حقيقة الأمر، تمتد مسيرة الغزو الأمريكية عبر الكرة الأرضية. لقد غزونا دولًا ذات سيادة مثل صربيا والعراق وليبيا واليمن وسورية، وتركناهم جميعًا في حالة خراب ودمار وفوضى.

ألا يمنع “النظام القائم على القواعد” حروب العدوان؟ ألم نحاكم النازيين في نورمبرغ على مثل هذه الأعمال؟ ما هي “القواعد” التي تجعل الحروب العدوانية جريمة للنازيين، ولكنها حق مشروع بالنسبة لنا؟

قيل لنا إننا نشن “حربا على الإرهاب”، لكننا لسنا كذلك. لقد تحالفنا مع إرهابيين مثل تنظيم القاعدة في محاولة لتدمير الحضارات العربية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وضميرنا مرتاح.

قلة من الأمريكيين يعرفون الحروب الأمريكية في صربيا والعراق وليبيا وسورية واليمن والصومال وأوكرانيا. لم تهاجمنا أي من هذه الدول، لقد هاجمناها جميعًا.

لنأخذ حالة سورية فقط، ونتذكر ما كانت عليه سورية قبل هذا العدوان البربري. كان لديها اقتصاد متوازن، وكانت تقوم بإنتاج معظم سلعها الصناعية والوقود والمنتجات الزراعية، كان نسبة الفقر محدودة والتجارة مزدهرة. ولم يكن على الدولة أي ديون للخارج.

و يضمن الدستور الذي تمت صياغته في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد المساواة في الحقوق للمرأة، ويضمن حرية الدين في ثلاثة مقاطع مختلفة من نصه. سورية نموذج للدول العربية الأخرى، وخاصة مملكة آل سعود التي ليس لديها دستور على الإطلاق.

لم توفر الإدارة الأمريكية جهدا لشيطنة القيادة السورية، ولكن في عام 2014 انتخب الرئيس بشار الأسد بأغلبية ساحقة في انتخابات نزيهة وحرة، في حين زعمت الإدارة الأمريكية أن الانتخابات لم تجر قط، مع العلم أن العشرات من السوريين تم استهدافهم على أيدي المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة أثناء محاولتهم التصويت.

بعد عشر سنوات من الحرب، لم يثبت أي زعيم للمتمردين نفسه كشخصية شعبية بين الشعب السوري. الغرب يحب الإرهابيين الذين يحتقرهم الشعب السوري. لقد تعلمنا أن نكره الرئيس الأسد لأنه قمع مثيري الشغب والخارجين عن القانون في عام 2011 ولأنه “قتل شعبه بالغاز”. لكن هذا ليس صحيحًا، لأننا اتخذنا بالفعل قرارًا بمهاجمة سورية منذ عشر سنوات.

ففي عام 2001، أمر وزير الدفاع دونالد رامسفيلد البنتاغون بصياغة خطط للإطاحة بحكومات سبع دول في الشرق الأوسط، بدءًا من العراق ثم سورية ولبنان وليبيا والصومال والسودان وأخيراً إيران. علما أن أي من هذه الدول لم تتسبب في أذية أو إلحاق أي ضرر في الولايات المتحدة.

و في عام 2006، وضعت سفارة الولايات المتحدة في دمشق خططا مفصلة لزعزعة الاستقرار والإطاحة بالدولة السورية، كان هذا قبل وقت طويل من احتجاجات 2011 في سورية، والتي طالما قلنا أنها سبب معارضتنا للرئيس الأسد.

في آذار 2011، هاجمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا الحكومة الليبية وأطاحت بها، فيما قامت المخابرات الفرنسية بقتل الرئيس الليبي بناء على أوامر مباشرة من ساركوزي.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة قدمت للنظام التركي مهبطًا جويًا لنقل الأسلحة الليبية التي تم الاستيلاء عليها باستخدام الطائرات القطرية، وفيما بعد تم تسليم هذه الأسلحة إلى الإرهابيين في سورية.

في عام 2011، أثناء بدء ما سمي ب”الربيع العربي”، أرسل “مركز النشاط الخاص” السري للغاية التابع لوكالة المخابرات المركزية فرقًا شبه عسكرية إلى سورية لتحديد وتدريب وتجهيز وقيادة الإرهابيين ضد الحكومة السورية.

و في عام 2013، قام باراك أوباما بإضفاء الطابع الرسمي على دعمنا الطويل الأمد للإرهابيين المناهضين لسورية، حيث أجاز سرًا برنامج” تامبر سيكامور أي أخشاب الجميز” ” التابع لوكالة المخابرات المركزية، وكجزء من هذا البرنامج، قامت شعبة العمليات الخاصة بوكالة المخابرات المركزية بتدريب وتسليح ودفع آلاف الإرهابيين لمحاربة سورية.

بالتوازي، شن الناتو والولايات المتحدة حملة دعائية مكثفة ضد سورية حيث تم إلقاء اللوم في هجمات غاز السارين التي أودت بحياة المدنيين على الحكومة السورية. ولكن لم يسأل صحفي واحد عن سبب استخدام الأسد للغاز ضد الأطفال وليس ضد كتائب مدرعة من الإرهابيين الذين كانوا يستهدفون دمشق بالقذائف.

لقد اعترف وزير الدفاع جيمس ماتيس في عام 2018 أنه ليس لدى الولايات المتحدة أي دليل على استخدام الأسد لغاز السارين. فيما قام النظام التركي باتهام نائبان تركيان بالخيانة لكشفهما كيف قامت خلية تابعة للقاعدة بإدخال 2,2 كغ من غاز السارين لاستخدامها في هجمات ضد سورية.

ومن حق الشارع الأمريكي أن يعرف لماذا نهاجم سورية: واقع الأمر، تسعى الولايات المتحدة للاستيلاء على طرق النفط والغاز التي تخدم مملكة ال سعود ومشيخة قطر، وبالإضافة إلى الوصول إلى خطوط الأنابيب، تريد السعودية فرض الإسلام الوهابي على السوريين الذين يعيشون في وئام ديني. وبالفعل، تعهدت العديد من الجماعات الإرهابية بقطع رؤوس المدنيين من جميع الطوائف الأخرى بدم بارد وسبي زوجاتهم وبناتهم..

يستفيد تجار الأسلحة الأمريكيون بشكل كبير من العقود المربحة مثل صفقة بيع 600صاروخ من نوع BMP-71 المضادة للدبابات التي تم إرسالها من قبل وكالة المخابرات المركزية إلى القاعدة في عام 2014 كي تشن الهجوم على المناطق السورية انطلاقا من الحدود التركية، ومن ثم تتسلل إلى المناطق السورية لقطع رؤوس المدنيين الأرمن في مدينة كسب القديمة.

في عام 2015، غزت القوات الأمريكية بشكل غير قانوني شمال سورية واستولت بشكل غير قانوني على النفط السوري. وبذلك سمحنا لشركة نفط أمريكية ببناء مصفاة والتنقيب عن المزيد من النفط في الأراضي السورية ذات السيادة.

قبل الحرب، لم تكن سورية بحاجة إلى استيراد الوقود لأنها كانت تتمتع بالاكتفاء الذاتي من النفط والغاز الطبيعي. ولكن الآن تمت سرقة تراث الأمة وترك السوريين يتجمدون من البرد ا حتى الموت في الشتاء لأننا –نحن الأمريكيين- نسرق وقودهم.

هذه المنطقة هي أيضا سلة القمح بالنسبة لسورية حيث أنتجت ما يكفي لإطعام الأمة، ولكن تمت سرقة القمح من قبل لميليشيات الكردية التي قامت بشحنها وبيعها للتجار الأتراك تاركة الفلاحين السوريين يتضورون جوعاً.

و لتشديد القبضة على سورية، تفاخر وزير الخارجية مايك بومبيو بقطع سورية عن مصادرها من النقد الأجنبي ومنع ناقلات النفط الإيرانية من الوصول إليها، وهكذا تسببنا في عدد كبير من الوفيات ونشر الأمراض والمعاناة للشعب السوري. في حين يتم تذكير المواطنين الأمريكيين بانتظام بأنه في سورية “نحن لا نستهدف الشعب، بل القادة فقط”. وهذا كلام فارغ!

نحن نسرق الطعام والوقود والأدوية من الفقراء. نحن نمنع إمدادات إعادة الإعمار، بطريقة تجعل الشباب السوري أمام خيارين لا ثالث لهما إما الصمود والصبر والقتال من أجل لقمة العيش أو الموت جوعاً.

إذا أنهينا الحصار، فيمكنهم العمل على إعادة بناء البلد، ولكن في الوضع الحالي، المهمة الوحيدة هي القتال، الذي سيستمر طالما نستمر في تأجيجها.

يجب على العالم أن يرفض هذه الحروب التي لا تنتهي. نحن نحارب السوريين منذ 10 سنوات ونضطهد الشعب العراقي منذ 30 عاما ونقصفه حتى ونحن نحتل البلاد. يجب أن يتوقف هذا الجنون.