من يساعدهم على الاحتيال؟
يتفنن بعض التجار بممارسة عمليات الاحتيال على القوانين والأنظمة النافذة بأساليب لا نشاهدها إلا في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية!.
في إحدى مرايا الفنان ياسر العظمة التي لاتزال تعرض على بعض الأقنية، يقوم مهرّب محترف بتهريب أحذية في سيارته الفارهة، ويفاجأ عناصر الجمارك بأنها غير متطابقة ولا تصلح للاستخدام، لأن المهرّب تقصّد أن تكون “مفردة”، أي تصلح لقدم واحدة هي اليمين فقط، الجمارك صادرتها دون أي اعتراض من المهرّب الذي ارتسمت على شفتيه ابتسامة خبيثة!.
بعد أسابيع قام المهرّب بتهريب شحنة ثانية، وكانت جميعها “مفردة” أيضاً، لكنها هذه المرة تصلح للقدم اليسرى، صادرتها الجمارك دون أي اعتراض أو شكوى من المهرّب الذي شكرها على قيامها بواجبها!
اكتشفنا بعدها أن المهرّب قام بشراء المُصادر من أحذيته المهرّبة على دفعتين بسعر بخس، ودون أي منافس، إذ لم يكن وارداً أن يشتري أحد أحذية بفردات واحدة لا يمكنه بيعها إلا خردة، وهكذا احتال المهرّب على الجمارك فجمع أزواج الأحذية معاً وباعها بشكل نظامي بأسعار عالية دون أن يدفع عليها أية رسوم أو ضرائب!
وما كشف عنه رئيس جمعية الأحذية نضال السحيل لجريدة “البعث” مؤخراً لا يختلف كثيراً عما شاهدناه في لوحة مرايا، لأنه عملية احتيال موصوفة!
قال السحيل: “يتم استيراد الحذاء الآن بشكل مفصل، كل قطعة وحدها تحت مسمى مواد أولية، ثم يتم تجميعها في سورية وتباع على أنها أحذية مستوردة بأسعار مرتفعة، فيتم بذلك التهرّب من الرسوم والجمارك، واستنزاف القطع الأجنبي، والتأثير على اليد العاملة السورية”!
السؤال: كيف تمت عملية استيراد الأحذية الأجنبية مفككة دون أن تثير أية استفسارات من المسؤولين عن منح إجازة الاستيراد في وزارة الاقتصاد؟
والسؤال الأهم: كيف تباع أحذية أجنبية ممنوع استيرادها على مرأى من عناصر الرقابة في وزارة التجارة الداخلية؟.
الملفت أن اتحاد الحرفيين لم يُثر الموضوع مع وزارات المالية والاقتصاد والتجارة الداخلية، بدليل أننا لم نقرأ عن مصادرة أية كمية تم استيرادها عن طريق الاحتيال على الأنظمة النافذة، مع التهرّب من دفع أية ضرائب ورسوم عليها، باعتبار أنه تم توريدها كمواد أولية؟.
المسألة لا تقتصر على الأحذية، وإنما على عمليات احتيال عديدة كالتلاعب بالبيانات الجمركية، حيث يقوم بعض المستوردين بالإفصاح عن كميات أقل بكثير من المستوردة، وهذا ما كشفه وزير تجارة سابق، وبالتالي تباع بشكل نظامي وعلني دون أن يسدد أصحابها عنها أية رسوم أو ضرائب، كما يقوم البعض الآخر بتهريب سلع ومواد مشابهة لمستورداته النظامية ويبيعها وفق بيانات جمركية تعود لبضائع أخرى، أي يمارس عملية احتيال موصوفة نادراً ما تتمكن الجهات المعنية من كشفها!.
ولعل مصادرة الجمارك لسلع تطلق عليها وصف “مجهولة المصدر” تخفي الكثير من عمليات الاحتيال على الأنظمة والقرارات المتعلقة بالاستيراد.
وبما أننا لن نصدق أن “المحتالين” أغبياء إلى درجة يرتكبون فعلتهم بالاعتماد على ذاتهم أو ذكائهم فقط، فإن السؤال هو: من يساعد بعض التجار بالاحتيال على وزارات المالية والاقتصاد والتجارة الداخلية لاستيراد وبيع مواد ممنوعة، ولم يسددوا ضريبتها ورسومها الجمركية؟.
علي عبود