خلال الحروب.. حكومات عديدة شجعت على التعليب المنزلي!!
في السنوات الأخيرة زاد الحديث عن أضرار الأطعمة المعلبة، وبسبب هذه السمعة السيئة ظهرت دعوات تشجع على استبدالها بالأطعمة الطازجة، لتجنب الأطعمة المعالجة، والمواد المستخدمة في تبطين هذه العلب المتهمة بأنها قد تسبب التسمم، مثل مادة البيسفينول أ.
نقطة البداية: تاريخ التعليب
ابتكر صانع الحلوى والطاهي الفرنسي، نيكولاس أبيرت، هذه العملية نهاية القرن الثامن عشر، إذ كان يضع الطعام في زجاجات وقطرميزات، ويغطيها بالفلين والشمع، ويعقّم هذه البرطمانات بالماء المغلي، ثم دفعت الحكومة الفرنسية لشركة أبيرت لنشر اختراعه، وهو ما نتج عنه إصدار أول كتاب طبخ عن التعليب، وانتشرت طريقة أبيرت بسرعة. ولم يمضِ 20 عاماً إلا وكانت البحرية البريطانية تطعم بحّاريها أول اللحوم والخضراوات والحساءات التي عُلبت في علب صفيح بدلاً من البرطمانات.
أيضاً، أثناء الحرب العالمية الثانية، شجعت الحكومات في عدد من البلدان على التعليب المنزلي، إذ طبعت الولايات المتحدة كتيبات تعليمات ووزعتها وفتحت الآلاف من مراكز التعليب لمساعدة الطهاة في المنازل على الحفاظ على الطعام المزروع في الحدائق المنزلية، وأصبح التعليب من مظاهر الوطنية، حيث يسهم في توفير الحصص اللازمة من الطعام للناس.
ثم في الخمسينيات من القرن الماضي، كان يُروَّج للأطعمة المعلبة تجارياً وغيرها من الأطعمة المعلبة على أنها وسائل راحة حديثة مغذية وموفرة للوقت، واستمر الترويج للأطعمة المعلبة واعتبرت أفضل من الأطعمة الطازجة، حتى إن كتاب الطبخ الشهير The Can-Opener Cookbook الذي أعده بوبي كانون وعد القراء بتمكينهم من طهي وجبة شهية باستخدام الطعام المعلب دون أن يكونوا بارعين في الطهي، وأشار أيضاً إلى أن نكهة البندورة الطازجة سيئة، والحصول على نكهة الطماطم الحقيقية يقتضي شراءها معلبة.
أضرار الأطعمة المعلبة
صُممت عملية التعليب في الوقت الحاضر للاحتفاظ بأكبر عدد ممكن من العناصر الغذائية، وتتم عملية التعليب في غضون ساعات من حصاد الفواكه والخضراوات، لكن المعالجة التي تحدث أثناء التعليب تغير قوام بعض الخضراوات بطبيعة الحال، مثل الهليون المعلب، وما قد يجعل الطعام المعلب سيئاً من ناحية التغذية هو الملح والسكر المضافان أثناء عملية التعليب، لذلك يقترح الخبراء شطف الأطعمة المعلبة لتقليل بعض السكر والملح المضافين، أو شراء منتجات قليلة الملح والسكر.
كما أن الحرارة الناتجة عن التعليب تقلل بعض الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء، مثل فيتامينات ب وج، إلا أن هذه الحرارة ميزة تحمينا من بعض العناصر الأخرى، إذ ترتبط بكتيريا كلوستريديوم بوتولينيوم التي تتكاثر في البيئات منخفضة الأوكسجين، مثل العلب المُعالجة بشكل سيئ، بمرض “التسمم الممباري”، وهو سم بكتيري شديد الفتك، يكفي جزءاً من المليون من الغرام منه للتسبب في الوفاة، حتى إن الولايات المتحدة ودول أخرى درست تحويل التسمم الممباري إلى سلاح بيولوجي خلال الحرب العالمية الثانية، لذلك يستخدم موقد البوتولينوم لتعليب الأطعمة في حرارة مرتفعة لقتل هذه البكتيريا.
أيضاً، هناك بعض المخاوف بشأن العلب والمواد التي تبطنها، والتي منها البيسفينول أ، وهي المادة الكيميائية المستخدمة في صناعة بلاستيك البولي كربونات وراتنجات الإيبوكسي، إذ أشارت دراسة أجريت عام 2008 عن البرنامج الوطني لعلم السموم التابع للحكومة الأمريكية إلى مخاوف إزاء تأثيرها على أدمغتنا وسلوكنا وغدد البروستاتا في الأجنة والرضع والأطفال، وربطت دراسات أخرى البيسفينول أ بأمراض القلب والأوعية الدموية والسمنة والربو والسكري.
وكان مراكز السيطرة على الأمراض قد وجدت مادة بيسفينول أ في 93% من عينات البول لأكثر من 2500 شخص تبلغ أعمارهم 6 سنوات فما فوق، إذ يعتقد أن المادة تسربت من العلب إلى الأطعمة والمشروبات، ولذلك تعمل الشركات المصنعة للبلاستيك والتعليب على تطوير مواد بديلة، لكن أكثر من 90% من علب الطعام اليوم مبطنة بمواد جديدة خالية من مادة البيسفينول أ، مثل البوليستر والأكريليك ومتعدد كلوريد الفينيل.
وعمموماً ينصح الباحثون ومحللو قواعد البيانات في مجموعات العمل البيئية باستخدام الأطعمة الطازجة أو المجمدة أو المجففة بديلاً عن المعلبة، وتجنب تسخين الأطعمة المعلبة في علبها.
مدة صلاحية الأطعمة المعلبة
بما أننا نتحدث عن الأطعمة المعلبة، ربما من المهم أن تعرف أن تاريخ انتهاء الصلاحية المدوّن على أغلفة المنتجات الغذائية ليس له علاقة بصلاحية طعامك، إذ تعتبر كتابة فترات صلاحية المنتجات الغذائية أمراً طوعياً تماماً بالنسبة لجميع المنتجات تقريباً باستثناء أغذية الأطفال، ولا يتعدى هذا التأريخ كونه أفضل تخمين من الشركة المصنعة بشأن الموعد الذي ستكون جودة منتجها بعده ليست في أفضل مستوى، ولكن ثمة قاعدة عامة مفادها أنَّ الأغذية المحفوظة في معدن تدوم صلاحيتها لفترة أطول من تلك المحفوظة في زجاج، الذي يدوم فيه الأغذية لفترة أطول من البلاستيك.
وإجمالاً، ما دامت لم تظهر علامة خارجية ملموسة تدل على تلف المنتج (مثل الانتفاخ أو الصدأ أو العفن) أو تفوح منه رائحة نتنة، سيظل مذاق الفواكه والخضراوات واللحوم المعلبة لذيذاً مثل يوم شرائها لسنوات. ويمكن أن تبقى تلك المنتجات طازجة لمدة عام أو عقد بناءً على ظروف التخزين.
وبالمثل، ستحافظ المشروبات الغازية في العبوات المعدنية على مذاقها وفورانها لسنوات، لكن المشروبات الغازية في العبوات الزجاجية ستبقى على حالها لمدة تصل إلى عام، أما المعبأة في عبوات بلاستيكية فتحتفظ بجودتها لبضعة أشهر فقط (معظم العبوات البلاستيكية نفوذة للغاز).