عز الدين المناصرة.. رحيل مكلّل بالأوسمة الوطنية
هو الباهر الحضور والتجليات الكثيفة الفكر والحياة، العاشق والشاعر والناقد المفكّر، وكيف لهذه الأقانيم أن تجتمع في ذات فردية/ جمعية، هي السيرة الكبرى للتراجيديا الفلسطينية والعربية، وسادن الرموز في استلهام التراث وجدلية المعاصرة المعلّلة بأفعالها الإبداعية، وعلاماته اللغوية التي أنجزها فكر متوثب وحياة صاخبة تزهو بمتسع من التأويل الناهض مع شواغله، أي بتلك العنوانات «الكنعانياذا، مذكرات البحر الميت، قمر جرش كان حزيناً، بالأخضر كفناه» بل وأكثر ليطاول تأريخ فلسطين الجديدة بفكر ثاقب ورؤيا على اتساعها وإلهامها، ليكون عز الدين المناصرة بحجم اسمه ونسيجاً وحده، لكنه من تصادت في سيرته ومسيرته حضورات القضية الفلسطينية واسعة الطيف، من تنطوي على مغامرة مثيرة وتحدٍ كبير، فجلّ المقاربات التي اشتغلت على إنجاز وعيه الخاص، مروراً بالوعي الكلي/ الجمعي للتاريخ وللأسطورة والحضارة، سيكون الشعر بالمقابل ناهضاً كمعادل رؤيوي وجمالي، وفي المحصلة هي ينابيع الرؤيا التي تأخذ شرط حضورها، ليس في نزعته الغنائية الأصيلة، بل بما تنطوي عليه حدوسه الشعرية العالية بدلالاتها الثقافية وليست اللغوية فحسب، عز الدين المناصرة الناقد المثقف، بثقافة الكلمة والرؤيا، «خليلي أنت يا عنب الخليل الحر/ لا تثمر وإن أثمرت/ كنْ سماً على الأعداء/ لا تثمر».
ذلك النشيد الذي تواتر لأناشيد كثيرة لمست جراح المتعبين والشهداء والشهود، جراح الأرض كلها، كما جرح اللغة ذلك الجرح العالي، فكيف «لحارس النص الشعري» ألا يكون إلا حيث يكون سفيراً لجرح عتيق مديد، يُنهض احتمالات الجمال المقاوم ذات احتطاب في اللغة، وذات افتراع في حدائقها المعلقة، والاسم جدلية الحضور لا الغياب، الحضور المتعدّد في طبقاته ومستوياته، هي صورة الناقد في استقرائه للثقافة عبر النوعية والحساسية، لنجده في ميدان الأدب المقارن وفي أحفورات المعرفة، من يستنهض الوعي من جديد مؤثثاً بخبرة نضالية مديدة، عبر تاريخه الأشدّ توهجاً، ولاسيما في سياق عمله الأكاديمي في المثاقفة والنقد المقارن، وهو عنوان كتاب له، لكنه دليل حياته الإبداعية والفكرية، ليس من غربة لصاحب «رعويات كنعانية»، هذا الكنعاني من سلالة الحضارة حضارة الكلمة والروح.
أحمد علي هلال